}

"يا طالعين الجبل": عرض مسرحي عن ثنائية الاحتلال والمقاومة

24 سبتمبر 2024


منذ البداية، تضع مسرحية "يا طالعين الجبل" للمخرج عبد السلام قبيلات (الأردن)، المشاهدين في أجواء طقس غنائي يهيئ للأحداث التي ستتلاحق عبر مشاهد العرض المتنوعة، حيث تعلو الترويدة الشعبية التي تجسّد المأساة الفلسطينية منذ مستهل العرض:

"يا ولاد حارتنا يويا...

نصبوا طارتنا يويا

طارتنا تطير يويا

طير العصافير يويا".

تعيد هذه الترويدة إلى الأذهان ثنائية الاحتلال والمقاومة؛ الاحتلال الذي هَجّرَ أصحاب الأرض من بيوتهم قسرًا، والمقاومة التي ظلت متمسكة بالعودة واسترداد الحق. وحين يعرض الممثلون ما يبدو أنه توابيت للشهداء، تتجلى إحدى مقولات العرض الرمزية التي تؤكد على أن الحق سيُسترد وإن كانت الأرواح هي الثمن.

واتخذت المسرحية المأخوذة عن رواية "عد إلى البيت يا خليل" للكاتبة كفى الزعبي بناءً تجريبيًّا على صعيد الحكاية، من تقديم وتأخير في زمن الأحداث ومكانها، لتروي ضمن لوحات أدائية غنائية وموسيقية قصة ثريا (أدت الدور حياة جابر)، وللاسم هنا دلالته التي تشير إلى السمو والعلو؛ فثريا تفقد زوجها، وهي إذ تدرك أنه مات ولن يعود للحياة، تحاول أن تستعيد جثته ولا تتركها في العراء، وفي المعنى المباشر يمكن عدّ ما فعلته البطلة نوعًا من الوفاء، أما في المعنى الرمزي العميق فهو رسالة ترى أن المُقَاوِم كطائر الفينيق؛ ينتفض من تحت الركام ويعود متوهجًا من جديد.

يعتمد قبيلات في العرض الذي استُوحي اسمه من أغنية "يا طالعين الجبل" التي قدمتها ريم البنا، على التأثير الوجداني في المشاهدين، مستفيدًا من جميع فضاءات المسرح التي أُثِّثت ضمن تشكيلات مدروسة، سواء في حركة الممثلين وتنقلاتهم على الخشبة، أو في ترك مساحة للعازفين الذين هم جزء أساسي من العرض، أو في اعتماده على الديكورات البسيطة والموحية، والإضاءة التي حضرت بطلًا أساسيًّا في العرض.

حافظت المسرحية التي قُدمت على مسرح شمس على الانسجام بين مكوناتها، وعلى إيقاع واحد يروي أجزاء من مأساة ما تزال مستمرة، واستطاع فريق العرض أن يوصل رسالته للمشاهدين بطرق فنية إبداعية وتصوير جمالي للأحداث، كالأداء الجسدي المتمكن، والموسيقى، والغناء، والصور، وأحدث تأثيرًا في مشاعر المشاهدين من خوف وتعاطف وأمل أيضًا.

وأسهمت تلك العناصر مجتمعةً في التأثير على المشاهدين للعرض، وبخاصة مع وجود الترويدات الفلسطينية الحاضرة في الذاكرة الجمعية للناس، والتي ردّدتها شقيقة ثريا (أدت الدور الفنانة هيا قمحية) بصوت مليء بالحنين والشجن، وبمرافقة موسيقية حية على آلات العود والرق والناي والإيقاع، كما قدم "يان" دور حكواتي مساند لقصة ثريا.

تنتهي المسرحية بالسؤال الذي رافق تلك المأساة منذ بزوغها، إذ تقول ثريا وهي تتأمل أطفالها المسجَّين أمامها كأنهم نيام: "متى سينحسر الليل".

انطوت المسرحية على العديد من الرموز التي تسربت من داخل الحكاية، ومررها قبيلات وفريقه مثل برقيات سريعة قوية ومتوهجة، وتدور تلك الرسائل حول قوة الحياة واستمراريتها رغم ظلام الاحتلال، وعلى رسالة الفن في إبقاء جذوة الأمل في النفوس وفي فعل التنوير الإنساني والدعوة إلى المحبة والسلام، وتمجيد بطولات الشعب المقاوم وصموده.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.