}

"تشويش".. أصوات النسوية المتعددة تصدح في سماء القاهرة (1)

وائل سعيد 6 ديسمبر 2018
سينما "تشويش".. أصوات النسوية المتعددة تصدح في سماء القاهرة (1)
ملصق عرض تشويش (العربي الجديد)
شششش، تشششش، ييييييي.. تشوييييشششششش!

هكذا تُقدم فعالية "تشويش" نفسها. هي المعنية بالقضية النسوية والمقامة في القاهرة والإسكندرية في التوقيت نفسه، برعاية معهد غوته الألماني في القاهرة وبروكسل، وبالتعاون مع مؤسسات ثقافية عدة كـ "سيماتك - مدرار - درب 18/17".

استخدمت مديرة البرنامج الثقافي في المعهد، ومديرة المشروع، يوهانا كلير، تلك الصوتيات في حديثها عن بداية الفكرة منذ سنتين، ومراحل الإعداد المختلفة للفعالية عبر هذه الفترة، في تحدٍ لتجميع فريق نساء من بلدان مختلفة تحمل ثقافات متعددة ولغات كثيرة، ليجتمعن على هم واحد تجتمع النساء عليه في أي مكان.

تقول كلير: لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق.. هنالك كثير من النقاش المستمر مع المنُظمات، نختلف ونتفق ونحن ننتظر "اليوم" الذي سنقترب فيه من الوقوف على إشكالية كيف تفكر النسويات المعاصرة في ظل الأوضاع المعيشية والثقافية العالمية. أظن أنها مساحة مهمة وكبيرة للتشويش لن تصنعها سوى النساء!

والتشويش المرجو هنا، في ظل الحالة الجندرية المطروحة، يأتي رداً على المعتقدات المُسبقة والأيديولوجيات الثابتة التي تحصر المرأة - نسوياً - في إطار أُحادي الرؤية، لا يسمح بتعدد التأويلات، ولا بممارسة حريتها ككائن يشترك مع الذكر في الحياة على الكرة الأرضية نفسها في كثير من الأُمور الحياتية اليومية، وفي المعتقدات والأفكار، وما إلى ذلك، إلا أن طريقها يختلف عن طريق الرجل في أي حال من الأحوال، وعلى المستوى العام عالمياً؛ حيث تختلف المستويات الوجودية للمرأة الأجنبية عن المرأة العربية في وضعيتها - النسوية - باختلاف المناخات المُجتمعية، إلا أنهن يشتركن في النهاية في مُعضلة واحدة كونهن خُلقن نساء.

تطرح الفعالية في ذلك أسئلة عدة في محاولة للوقوف على مشارف رؤية مغايرة للإجابات تتناسب مع - أُنثى - العصر الحديث: كيف يمُكننا هزَّ الصور النمطية عن النساء، والطريقة التي تمثل بها النساء، والمسائل الجندرية، على جانبي البحر الأبيض المتوسط؟ كيف تفكر النسويات في مثل هذا السؤال فنياً وأكاديمياً؟ وما الذي يخرج بالفعل من محادثة مشتركة حول هذه القضايا؟

وجاء في تعريف التشويش "أنه الاضطراب الطبيعي، أو العَرَضي، أو المتعمَّد، الذي يقود إلى إضعاف رسالة مبثوثة".. تلم الرسالة النمطية في التعامل مع القضايا النسوية، التي يتم توارثها جيلاً بعد جيل، منذ أن وعت المرأة إشكاليتها النوعية والجنسية في مقابلة الرجل.

ولهذا حرصت "تشويش" على تعددية الأصوات النسوية، أو الموجهة أيضاً إلى القضية الجندرية، لخلق مساحة حوارية غير محدودة، قوامها الأنثوي يأتي من المنطقة العربية، ومن أوروبا، لتبادل الخبرات ومناقشة المعرفة النسوية، من خلال عروض أدائية ومسرحية، وحوارات مع الجمهور، ومحاضرات وقراءات لبعض التجارب، وعروض أفلام، بالإضافة إلى بعض الحفلات الموسيقية. وكانت ضفة ثالثة هناك لتستمع إلى تلك الأصوات.

الكويت واليمن ضيفا ليلة الافتتاح..

بلقيس: سيكون الشباب هو السمة الغالبة على كل المشتركات في الفاعلية، حيث يبدأ الاحتفال بعرض من الموسيقي المختلفة للمغنية الإماراتية بلقيس، وفيها تمزج الموسيقى الشرقية التقليدية، وموسيقى الروك، والموسيقى الإلكترونية، باستخدام آلة العود الشرقية.

 منيرة القديري: استخدمت المخرجة الشابة أغنية شعبية قديمة من التراث الكويتي للشاعر الراحل "حمد عبداللطيف المغلوث"، يقول مذهبها: "مسكين يا قلب.. براه الهوى.. ومن الوله والحب.. شاف الغرابيل".. وعلى هذه الثيمة تلعب القديري في فيلم الافتتاح "وا ويلاه"، الذي اشتركت به في الدورة الثانية لمهرجان دبي السينمائي الدولي في 2009. نشاهد البطلة - تقوم منيرة بالبطولة - ترتدي ملابس رجل، وتضع لحية كبيرة مُضحكة تظهر كأنها فروة خروف.

بالرجوع إلى بدايات التجربة، يتضح لنا تجلي الروح النسوية في هذا المشروع، حيث قامت والدة القديري بالإنتاج ليخرج الفيلم بميزانية بسيطة ومحدودة للغاية. تقول القديري في حديث سابق: فيلم "واه ويلاه" كان من إنتاج أمي، ونفذته في صيف 2008، وشجعتني مجموعة من الفنانين الكويتيين على تنفيذه، فتحمّست للمشروع، واستخدمت أغنية من التراث الكويتي حملت اسم الفيلم في الموسيقي التصويرية، وهي أغنية تتناول تبادل الأماكن بين الرجل والمرأة، فتبادلنا الأشكال، ووضعت لحية على وجهي، ووضع زملائي الشعر المستعار، وارتدوا ملابس سوداء، وتبادلنا المواقع بين الأنوثة والذكورة. رصدت لهذا الفيلم ميزانية 200 دينار، واستخدمت الكاميرات الخاصة بي في التصوير، وفريق العمل لم يتقاضَ أجراً، وكانت تجربة جديدة.

يتخلى الفيلم عن الحكايات الواضحة، أو الملموسة، في الأفلام القصيرة، ليجول داخل الإمكانيات غير المحدودة للفنون السمعيّة/ البصرية (الفيديو آرتArt video).

وفي السياق النسوي نفسه، قدمت المخرجة تجربة سابقة بفيلم عن شخصية الموديل، لتشترك أختها في الفيلم بدور البطولة حول امرأة تعيش وحيدة في منطقة "أم العيش" في العراق عقب الغزو الأميركي.

 رجال وعروض..

أغنيات الحب: لم يقتصر الأمر على النساء فقط في الفعاليات، فهنالك عدة مشاركات - وإن كانت قليلة - من قبل رجال، ولكنها محاولات تشتبك بالقضية النسوية بشكل أو بآخر، ومنها مشاركة الفنان التشكيلي ومخرج الفيديو العراقي، عادل عابدين، قدم فيها فيديوهات قصيرة من إخراجه، لعل أبرزها فيلم (Three Love Songs - ثلاث أغنيات للحب)، وفيه يستدعي نماذج نسائية قديمة من عصور مختلفة اشتهرت بالغناء العاطفي.

تجتمع هذه النسوة على التغزل في الرجل العربي الشرقي بشكل تهكمي وساخر، مكررات في كل المقاطع جملة "يا أبو المرجلة.. يا أبو الرجولة"، صانعات منه إلهاً يستطيع أكل الرصاص من البنادق، وصهر السيوف الحديدية، وكثير من الأعمال الخارقة التي لا تتفق مع الطبيعة البشرية، في إدانة واضحة لمفهوم الذكورة الشرقية، ومدى تحكمها في مصائر الأمور النسوية، ومن ثم كثير من السيطرة التامة على الأنثى في كل صورها (الزوجة والابنة والأم)، وفي بعض الحالات ما ملكت الإيمان أيضاً.

على الرغم من ذلك، يمكن استقبال تغزل النساء كنوع من أنواع التواطؤ، أو المشاركة في الجريمة النسوية؛ حيث تشترك الأنثى في صناعة الديكتاتورية الذكورية، ويورثن بعضهن بعضاً جيلاً بعد جيل، متخذات من شجرة الذنب، كونهن نساء، منصات للمحاكمة والإدانة في الوقت ذاته.

كما لعب فيلمه (Michael) على ثيمة الخُرافة وتصديقها. وتعتبر الخرافة الشق الأساسي في صناعة الأيديولوجيات المتأخرة. كما أنها تساهم بشكل كبير في رسم حالة الأنثى، لارتباط الخرافات والمعتقدات بالجوانب الخفية من المرأة.

يحكي الفيلم عن عودة أسطورة الروك الغربي مايكل جاكسون مرة أخرى إلى الحياة، ومدى التهافت الشديد عليه من قبل الجمهور والمعجبين المصطفين في الشوارع وهم يشاهدون ظهوره على الشاشات الضخمة. وفي لمح البصر، تحولت عودة جاكسون بعد موته إلى أهم الأخبار العالمية على كل الشاشات وبكل اللغات.
حرية الجسد: وهو عرض أدائي بين شابين يمثلان الصراع الثنائي بين الأنا والآخر في صورتيها "الذكر والأنثى". كما يخاطب الصراع الأول للبشرية متمثلاً في "قابيل وهابيل"، وكيف يكون الجسد هو الأداة القريبة والأولى لكثير من الصراعات، في إشارة إلى التأكيد على إشكالية الصراع الجندري للأنثى بسبب جسدها في المقام الأول.      

إضافة إلى ذلك، كان هنالك كثير من التشويش حركته مجموعة من النساء بصور مختلفة، مُتخذات من الفن مظلة لهذا التجميع. وما زال التشويش مستمراً.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.