}

ثلاثة أسابيع من المُبالغة.. ملتقى القاهرة الدولي للكاريكاتير

وائل سعيد 17 يوليه 2019
تشكيل ثلاثة أسابيع من المُبالغة.. ملتقى القاهرة الدولي للكاريكاتير
شعار الملتقى
اشتقت كلمة كاريكاتير من المفردة الإيطالية Caricare التي تعني المبالغة في العرض والوصف، أو تحميل المعنى بأكثر مما يحتمل، لذلك فقد ارتبطت هذه المبالغة في الأذهان بعوالم رسم الكاريكاتير؛ كأن نرى في بورتريهات المشاهير معايير مختلفة عن الواقع؛ فيتم تضخيم الرأس مقارنة بالجسد، أو تكبير الأنف بشكل ساخر وتجسيد بعض سمات الشخصية بنوع مفرط من التركيز. وقد تكون المبالغة على مستوى الموضوع المثار في العمل مثل القضايا المجتمعاتية والسياسية وما إلى ذلك.
وللعام السادس على التوالي يستأنف الملتقى الدولي للكاريكاتير بمصر دورته الجديدة، التي انطلقت من قصر الأمير طاز في حي الجمالية بالقاهرة في السابع من يوليو/ تموز، وتستمر فعالياته حتى 21 من الشهر الجاري.
يقوم على تنظيم الملتقى كل من صندوق التنمية الثقافية وكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا تحت
إشراف الجمعية المصرية للكاريكاتير، بمشاركة 45 فناناً من 71 دولة عربية وأجنبية، بينما تقدم ما يقارب 512 رسام كاريكاتير للمشاركة، بأكثر من 1700 عمل فني في دورة هذا العام، ووقع اختيار لجنة التحكيم على 420 مما تقدم لأكثر من 340 من فناني الكاريكاتير.
الدورة الجديدة مهداة إلى روح الفنان الراحل "رخا" حيث تم تكريمه بالإضافة إلى بعض رموز الكاريكاتير من الكويت ولبنان والإمارات والسعودية واليابان، بينما حلت دولة الكويت كضيف شرف الملتقى لهذا العام.


"ناظر مدرسة المشاغبين"
اسم الفنان المُكرّم بالكامل هو محمد عبدالمنعم رخا، المولود في محافظة القليوبية سنة 1910، ويعتبر أول رسام كاريكاتير في الصحافة المصرية وهو الأب الروحي لهذا الفن؛ حيث بدأ في نشر أعماله الفنية بجريدة "الفنان" في منتصف أوائل القرن الماضي، وقام بإنشاء الجمعية المصرية لرسامي الكاريكاتير عام 1984، وانتشرت الكثير من شخصياته الكاريكاتيرية مثل

"رفيعة هانم، ابن البلد، بنت البلد، حمار أفندي" والتي كان من خلالها ينقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد، حتى أنه تعرض للسجن عام 1933 لأربع سنوات بتهمة الإساءة إلى الملك فؤاد ليُطبق عليه لقب "ناظر مدرسة المشاغبين" تلك المدرسة الانتقادية التي ضمت العديد من أسماء الكتاب والرسامين.
تتلمذ على يديه العديد من رسامي الكاريكاتير في مصر والوطن العربي كان على رأسهم شاعر العامية صلاح جاهين ومصطفى حسين وجورج البهجوري.
عن بداياته يحكي رخا في كتاب "صور ضاحكة" ولم يكن هناك تواجد مصري بعد لهذا الفن الحديث: كان فرسان الساحة ثلاثة هم الإسباني "سانتس" في مجلة "الكشكول" والتركي "رفقي" في "دار الهلال" والأرمني "صاروخان" في "روز اليوسف"، وكانوا عمالقة.. سانتس كانت خطوطه راسخة، وقد تأثرت به في البداية وحاولت تقليده ووجدت صعوبة شديدة، كان أستاذاً كبيراً، أما رفقي الذي كان ضابطا في الجيش التركي وجاء هارباً إلى مصر بعد انقلاب أتاتورك فهو صاحب الخطوط البسيطة والمعبرة جدا، وقد بهرني جدا وهو الذى غير مفهومي عن رسام الكاريكاتير؛ فقد كنت أتصور أن رسام الكاريكاتير المتمكن هو الذي يرسم خطوطا أنيقة وتكوينات تشكيلية، لكن الأستاذ رفقي جعلني أغير مفهومي وأعرف أن الصورة الكاريكاتيرية هي تعبير أولاً وأخيراً.
يقول عنه الفنان التشكيلي حسين بيكار في كتاب "آفاق الفن التشكيلي": صديقنا رخا صاحب الريشة التي هزت وجدان الملايين من قراء الصحافة العربية طوال خمسين عاماً وأكثر، فلقد استطاع أن ينفرد بطابعه الشخصي الرشيق الخفيف الظل، الجذاب رغم قوته وصرامته، وأن يطل علينا من خلال خطوطه الواثقة الفصيحة التي تعرف طريقها دون تردد أو تلعثم أو لجلجة، وأن يشدنا إليه بأسلوبه المصري ذي المذاق البلدي النكهة الذي هو صنو خشونة صوت نجيب الريحاني وعمق أنغام سيد درويش وصدق نبرات بيرم التونسي. فقد عاصر هؤلاء الأقطاب جميعاً وعايشهم وواكبت خطوطه خطوات إبداعهم، وكان يمثل في موقعه أحد أركان التعبير الجماهيري الخطير في ذلك الوقت، يترجم خواطر الناس ويعبر عن آرائهم بواقعية جريئة مباشرة وصريحة.


ندوات ومعارض موازية
يستمر قصر الأمير طاز باستضافة الأعمال المشاركة حتى الواحد والعشرين من الشهر الجاري، إلا أن الفعاليات العملية للملتقى دارت على مدار خمسة أيام بما فيها يوم الافتتاح؛ حيث أقيمت بعض الندوات التعريفية بتاريخ فن الكاريكاتير لبعض الدول، مثل كندوتي

توموكازو تاباتا من اليابان، والفنان البولندي داريوش دوبروفسكي، بالإضافة إلى ندوة "الكاريكاتير في الكويت" والتي تحدث فيها رئيس جمعية الكاريكاتير الكويتية.
كما استقبلت صالات عرض معهد جوتة الألماني بالقاهرة ودار الأوبرا المصرية معرض "كاريكاتير من كوبا" ومعرض "لاو تسي في عيون العالم" والذي ضم أكثر من 40 لوحة تتناول حياة الفيلسوف الصيني وبعض أفكاره.



مجموعات بورتريهات لمحفوظ
لعل أكثر ما تم تداوله إعلامياً والتركيز عليه هو مجموعة بورتريهات لكاتب نوبل العالمي نجيب محفوظ، وقد استعارت وزارة الثقافة بعض هذه البورتريهات في افتتاح متحف محفوظ منذ أيام، والذي تزامن ميعاد افتتاحه مع فعاليات الملتقى وبدأ التفكير بإنشائه منذ عام 2006، وتم إسناد إدارة المتحف للروائي يوسف القعيد، وسط انتقادات كثيرة اعتراضا على هذا الاختيار؛ إذ يطالب المثقفون بتمكين الشباب وإتاحة الفرصة لهم وتجنيب بعض الأسماء من كبار السن الذي يحتلون المشهد الثقافي المصري منذ عقود، لا سيما وأنه غير كاف أن يكون سبب تولي القعيد للمتحف فقط قربه من محفوظ في سنواته الأخيرة.
إلا أن التركيز على اسم صاحب نوبل في ملتقى الكاريكاتير كان بمثابة التحلية أو الرهان الرابح الذي لعب عليه المنظمون؛ فمعظم بورتريهات محفوظ في الملتقى جاءت واحدة تقريبا، اعتمدت على فكرة نوبل في العموم؛ فرسم الكثير من الفنانين محفوظ ومعه قلادة الجائزة، ولم يُقدم عمل واحد على سبيل المثال عشرات الشخصيات الشعبية التي زخرت بها روايات محفوظ.



الثقافة الارتجالية
وقد شهدت القاهرة الشهر الماضي عودة بينالي القاهرة الدولي للفن التشكيلي، بعد غياب دام ثماني سنوات، وتلقى البينالي آراء مختلفة حول دورته الجديدة ما بين مؤيد ومعارض، إلا أنه يجب التوقف عند إشكالية طرحها الفنان التشكيلي والناقد المصري عز الدين نجيب، حين أصدر بيانا عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك - ثم انتشر في الجرائد والمواقع- يُطالب فيه بتوقيعات وتأييد الفنانين التشكيليين اعتراضا على ما أسماه "إغلاق المتاحف وإخلاء متحف الفن المصري الحديث"، على خلفية احتلال البينالي لمعظم أماكن عرض القاهرة على حساب مقتنيات الصالات الأساسية من لوحات أصلية لفنانين عالميين ومصريين.
وفي سياق ملتقى الكاريكاتير، صرح الفنان فوزي مرسي - رئيس الملتقى - بأن موضوع هذه الدورة يناقش فكرة الثقافة، حيث دعا فناني الكاريكاتير إلى الاهتمام بالثقافة من خلال أعمالهم الساخرة التي هي أحد الركائز الأساسية في بناء الأمم، وأضاف أن الثقافة والفنون الراقية هما القوى الناعمة التي تدفع الشعوب للتقارب ومزج الحضارات، ومد جسور من العلاقات الجيدة التي تؤتي ثمارها فيما بعد على كافة الدول بالرخاء والتنمية؛ الأمر الذي يدعو إلى الوقوف والتأمل فيما تحمله مثل تلك الكلمات المعتادة من مسؤولي الثقافة والفن في بلادنا العربية؛ فكيف يمكن مد هذه الجسور ولا تزال بعض الفنون تبحث عن أماكن لتواجدها ومن ثم يُصبح التالي بعد ذلك مناقشة مدى فعاليتها في الوصول للمتلقي وإحداث التغيرات المرجوة، من تنمية ورخاء تؤتي أكلها ولو بعد حين؟!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.