}

رفقاً بالحالمين حتى لا يصبحوا جميعاً "مفتاح وشهرة"

هشام أصلان 11 يناير 2020
مسرح رفقاً بالحالمين حتى لا يصبحوا جميعاً "مفتاح وشهرة"
لقطة من العرض المسرحي "مفتاح شهرة"
خرجنا من مسرح الفلكي، الملحق بالمقر القديم للجامعة الأميركية، قبل أسابيع قليلة، بينما أسأل عن مواعيد العروض القادمة لمسرحية "مفتاح شهرة". أردت مشاهدتها مرة أخرى، وتنبيه الأصدقاء إلى ضرورة مشاهدتها، لأعرف أنها لن تعرض ثانية هذه الأيام، وأن العرض الذي شاهدناه قبل قليل هو الوحيد في هذا الموسم. لماذا؟ يجيب صديق بأن أعضاء فرقة "اللعبة" المسرحية لا يستطيعون تقديم العرض لأكثر من ليلة واحدة، لأنهم يتحملون كافة تكاليفه من دون جهة إنتاج أو دعم، بما في هذه التكاليف قيمة إيجار المسرح، وأنه تم عرضها في مواسم سابقة لليلة أو اثنتين بحسب ما تيسر. العرض تأليف وإخراج دعاء حمزة، وبطولتها مشاركة مع عماد إسماعيل، وموسيقى حازم شاهين.

الجميع تحدث عن خسارة ألا يجد العرض طريقاً سلساً إلى جمهور أكثر اتساعاً مما تتيحه ليلة واحدة، ذلك أنه من أجمل ما شاهدنا على خشبة المسرح في العام الماضي برغم أن العام رأى تألقاً في الأيام المسرحية إعلامياً ونقدياً، سواء خلال مهرجان المسرح القومي، خصوصاً مع تكريمه عدداً من الأسماء المحترمة في الثقافة المصرية، أو مهرجان المسرح التجريبي أو على مستوى العروض التي لم تشارك في الفعاليات الرسمية للطلبة والفرق المستقلة.

ترخيص رقابي
فضلاً عن الصعوبات المالية التي واجهت الفرقة، تحدث البعض عن صعوبات واجهت أعضاء الفرقة في الحصول على الترخيص الرقابي، وعن سبب الاحتياج إلى العرض على الرقابة من الأساس، ذلك أن العمل تم ترقيبه في مواسم عرضه السابقة.
تذكرت حكاية "مفتاح شهرة" بينما أتابع جدلاً واسعاً يدور هذه الأيام بين عموم الأوساط الفنية في جميع مجالاتها، بالأحرى بين كل من يعمل في الفن ويحتاج إلى تصريح رقابي، وذلك بعد قرار وزيرة الثقافة، الفنانة إيناس عبد الدايم، بزيادة رسوم الرقابة على المصنفات الفنية. القرار وضع تسعيرات مختلفة لرسوم الترخيص بتصوير السيناريوهات السينمائية والدرامية والغناء والرقص الشرقي والعروض المسرحية وما إلى ذلك.
كثيرون يتحدثون حول أن هذا القرار لو لم يمثل عبئاً كبيراً على شركات الإنتاج السينمائي والدرامي أو حتى على منتجي الأغاني فإنه سيكون عبئاً كبيراً جداً على شريحة كبيرة ممن يعملون في الفنون على اختلافها، وهي الشريحة التي تكونها أعداد كبيرة من الفنانين المستقلين من طلبة وهواة وفرق صغيرة غير مدعومة وغيرها، باختصار ستقف هذه الرسوم المالية عائقاً أمام كل من ينفقون على أعمالهم ويحتاجون تصريحاً رقابياً.
بعد جدل كثيف وواسع ومناشدات للدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، قال مهتمون إنه سيتم تدارك بعض ما جاء في القرار وصولاً إلى صيغة أفضل. وأعلن خالد عبد الجليل، رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، تلك الصيغة النهائية أخيراً، وتتضمن بنداً يوضح أنه فيما يخص ترخيص النصوص والعروض المسرحية "يسدد الهواة والفرق المستقلة عشرة بالمئة من قيمة الرسوم التي يتم تحصيلها لتصريح الأعمال التي لها أهداف تجارية، مع إعفاء جميع عروض الدولة وذوي القدرات الخاصة تماماً من الرسوم". وهو بند يبدو عليه المرونة والاستجابة ورغبة في احتواء المسألة، غير أن دردشة مع صديقة تعمل في الإخراج المسرحي وتدرّسه في أكثر من جامعة أشارت إلى تفصيلة صغيرة مهمة، وهي أن موظفي الرقابة، شأن الموظفين الحكوميين عموماً، يتعاملون روتينياً مع الأوراق وليس المُسميات، هكذا لن تجد فرقاً واضحاً، على الورق، بين كل من يعملون خارج دولاب الدولة: "الأوراق الحكومية لا تعرف فرقاً بين فرق القطاع الخاص والفرق المستقلة، بالتالي أنت كفنان ليس لديك جهة إنتاج يتم التعامل معك مثلما يتم التعامل مع شركات الإنتاج الخاصة"، وهو أمر مفهوم، حيث توصيف "مستقل" هو تعبير أطلقه المثقفون والفنانون على من قرروا شق طريقهم خارج الطرق التقليدية للإنتاج الثقافي والفني في مقاومة لشروط الروتين الحكومي أو السوق التجارية.

أحلام قديمة
في مسرحية "مفتاح شهرة" ينسى فريق عمل فيلم سينمائي اثنين من مجاميع الكومبارس بداخل غرفة الملابس. في البداية يشعران بالرعب، ويضطران إلى أن يتحمل كل منهما الآخر على مضض. "شهرة" تتعامل مع واقع حياتها الصعب باستسلام وسخرية حزينة، كيف بدأت طموحة وأدركت سريعاً أنها ستظل محض كومبارس، بينما لا يعترف "مفتاح" بواقعه البائس. يعرفه ولكن لا يعترف. وفي حوالي الساعة، مدة العرض، تمنحهما غرفة الملابس فرصة الحياة بداخل أحلام قديمة طحنتها الظروف. وفي فقرات سريعة يقدمان مجموعة من مشاهد سينمائية معروفة، وهي فكرة تم استخدامها بأكثر من صيغة في عروض مختلفة، غير أننا هنا أمام براعة في الكتابة والمعالجة والتمثيل والحضور وحالة كوميديا إنسانية لافتة.
يعود باقي فريق عمل الفيلم ويحاول فتح غرفة الملابس، ليتحول رعب مفتاح وشهرة من السجن بداخلها إلى رعب الخروج منها، بالأحرى الاستيقاظ من الحلم. ونحن نأمل، جميعاً، أن يتسع صدر المسؤولين للحالمين في هذا البلد. الحالمون بالفنون ليسوا خطراً على السلم العام، ونأمل ألا يأتي عليهم يوماً يسعون فيه إلى تحقيق أحلامهم أمام المرايا التي بداخل غرف الملابس.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.