}

لويس بونويل.. صناعة الأفلام بعيداً عن هوليوود

محمد بنعزيز محمد بنعزيز 21 يناير 2020
سينما لويس بونويل.. صناعة الأفلام بعيداً عن هوليوود
لويس بونويل (1900- 1983) في نيويورك (17/10/1972/Getty)
ضمن فعاليات مهرجان سينما المؤلف في الرباط (نوفمبر 2019)، عرض الفيلم الوثائقي الإسباني "بونويل بعد العصر الذهبي" 2019، للمخرج سلفادور سيمو. للإشارة، وصل فيلم "بونويل بعد العصر الذهبي" إلى المرحلة الأخيرة من جوائز النقاد العرب للأفلام الأوروبية، وقد ذهبت الجائزة التي أعلن عنها في مهرجان القاهرة إلى الفيلم المقدوني "الإله موجود واسمه بترونيا ،"من إخراج تيونا ستروجر ميتيفسكا.
"بونويل بعد العصر الذهبي" فيلم عن المخرج الإسباني لويس بونويل، الذي عمل في ظروف صعبة، وسبق له أن أخرج فيلم "الكلب الأندلسي" 1929، الذي عرف نجاحاً كبيراً، فصار لعنة على مبدعه.
 

كيف يمكن أن يكون فيلم ناجح لعنة لمخرجه؟
كانت تلك حالة فيلم العصر الذهبي "الكلب الأندلسي"، الذي أثار ضجة ولعنة حاصرت لويس بونويل، حتى أن بابا الفاتيكان غضب من الفيلم. لقد كان لدى مسيحيي البحر المتوسط، وخاصة الإسبان، اعتقاد أنهم حصن الكاثوليكية القويمة ضد هرطقات شمال أوروبا (حسب جون جوليوس نورويتش في كتابه "المتوسط تاريخ بحر ليس مثله بحر" ص324)، لذا شهدت إسبانيا أشد حملات القمع للصوت المخالف، وكانت محاكم التفتيش الإسبانية المنشأ تتويجاً لذلك الاعتقاد. وهذا يشرح السياق الثقافي الذي اشتغل فيه بونويل، وهو مخرج مزعج للمنظور اللاهوتي.
حسب بات كوبر، ولين دانسايجر، في كتابهما "كتابة سيناريو الأفلام القصيرة"، فإن بونويل قدم الفيلم القصير الأكثر تأثيراً في تاريخ السينما، فيلم "الكلب الأندلسي"، الذي يعارض التقاليد السينمائية الروائية، ويستثمر في السريالية، ويسخر من الكاثوليكية. وهذا ما لمّح له الفيلم بلقطة أم لويس بونويل تستعطف البابا.


بونويل سينمائي ضد الفاشية
التي تسببت في جيرنيكا
استجابت الأفلام بشكل أفضل لمتطلبات السريالية. في هذه المرحلة، تعاون الإسبانيان بونويل، ودالي، وقدما الكلب الأندلسي، والعصر الذهبي (كتاب "الدادائية والسريالية" لديفيد هوبكنز، ص30). ولاحقاً، تجاوز بونويل لعنة الفيلم المغضوب عليه، بفضل النحات، رامون آسين، ليحل المشكل الذي تسبب فيه العمل مع الرسام سالفادور دالي.
بفضل ذلك الحظ، ذهب بونويل إلى منطقة معزولة، ليصور وثائقي "أرض بلا خبز" عن إسبانيا القروسطية.


كيف يشتغل المخرج؟
يطالع طيلة الوقت، ويرسم على أوراقه ما سيصوره، ثم يحلم بما سيصوره ليلاً، ويصير قلقه كابوساً. من ذلك الأرق، ينبلج الإبداع. المخرج الواثق من كل شيء منذ البداية سيصور قشرة، لا لب، شخصياته، وسيسبب الملل للجمهور.


طريقة عمل بونويل
كان بونويل المهووس بتحقيق حلمه يعاني من الكوابيس، تهاجمه أحلام عنيفة يظهر فيها أبوه

يخنقه، وأمه توبخه. في يقظته، يعمل ساعات طويلة. كان بونويل يكتب صيغاً متعددة للسيناريو نفسه. وحسب مساعده، جان كلود كاريير (في حوار على إذاعة فرنسا الثقافية بتاريخ 20-11-2019)، الذي تعاون معه لمدة عشرين سنة، كان يؤدي بونويل بعض المشاهد أثناء كتابتها للتأكد من قابليتها للتصوير، حتى أنه في كثير من الأفلام تظهر بصمة تداريب بونويل في أداء الممثل. وفي كل تدريب عن المكتوب، هنالك قدر من الارتجال. وكان بونويل يؤدي دور "جميلة النهار"، ويناديه السيناريست يا حبيبتي.
يبدأ الفيلم "جميلة النهار Belle de jour"، من بطولة كاترين دونوف، بلقطة مشهد تزيد مدتها عن دقيقة، تقترب العربة التي تجرها الخيول، ومع اقتراب البطلين يقترب أيضاً صوت وقع الحوافر، ورنين الأجراس الصغيرة التي تزين بها الجياد... في الجمل الأولى من الحوار، يعبر الزوج عن أمانيه، يريد أن يكون كل شيء كاملاً. يقول لزوجته لدي تجاهك حنان غير محدود. ترد: وماذا سأفعل بالحنان؟
الفيلم مقتبس من رواية بالاسم نفسه لجوزيف كاسل، صدرت عام 1928. وفيلم لويس بونيل "جميلة النهار" الحاصل على الأسد الذهبي في فيينا 1967 يحكي عن زوجة طبيب غني عنين ترفض الدخول في مغامرة جنسية عابرة، ثم تجد نفسها تقصد بيتاً للدعارة لتعمل من الثالثة إلى الخامسة يومياً. تسير الأمور جيداً، إلى أن جاء صديق للطبيب ليكتشف ما تفعله المدام. حينها قررت أن تتوقف، لكن زبوناً شاباً ذاقها يرفض أن يفارقها، يكتشف سكنها، ثم يطلق الرصاص على الطبيب... فيلم قديم يمر خفيفاً ساحراً، حين ينتهي تشعر بالشوق للمزيد.
إن فيلم الرسوم المتحركة "بونويل بعد العصر الذهبي" وثائقي تخييلي، لأن الفيلم يصور المخرج أثناء تصوير فيلمه، فيلم يستبدل الممثلين بالرسوم المتحركة،  وهذا تحدٍ فني. للإشارة، لقد قدمت الرسوم المتحركة Comics خدمة هائلة للسينما، وما زالت شركة مارفل تنهل منها أفلاماً مربحة.
في المقارنة بين اللوحة والرسوم المتحركة والسينما، تقدم اللوحة حدثاً واحداً، بينما تقدم الرسوم المتحركة متوالية أحداث في سلم لقطات متباين، يقترب البطل من عين المشاهد، ويبتعد عنها،

تبعاً للمنظور الذي يحدد سلم كل لقطة ترسم. الاكتشاف هو أن الرسوم المتحركة أكثر حاجة للقطع ellipse من السينما، فالرسام يعجز عن رسم كل ما يجري كما تفعل الكاميرا بسهولة. لذلك يلجأ الرسام إلى القطع بكثافة، ليقدم في صفحة واحدة أربع لقطات توجز كل الحدث بإظهار محطاته الرئيسية سردياً. وسبق لرسامي عصر النهضة أن رسموا قصص العهد القديم على جداريات الكنائس بالطريقة نفسها، رسموا مراحل الطوفان، والعشاء الأخير للمسيح قبل أن يخونه يوحنا المعمدان، ورسموا قبلة الخيانة، كما فعل جيوتو Giotto  دي بوندوني (1267-1337).
سبقت الرسوم المتحركة السينما، وهي تقدم سرداً متماسكاً، رغم الفواصل بين الرسوم. تعتمد الرسوم المتحركة على القطع ellipse بكثافة، لأن الرسام يجد صعوبة في رسم كل ما جرى. الرسوم المتحركة أنسب للأفلام السريالية، لأن الرسام يعيد تشكيل الواقع بدل تصويره واستنساخه كما هو حرفياً. استعارت السينما القطع من الرسوم المتحركة، لكنه صعب ونادر في السينما. حتى لقطة القطع ellipse، التي يرمي فيها القرد عظماً، وبعد ملايين السنين يصير مركبة في فيلم "أوديسا الفضاء" 1968، اقتبسها ستانلي كوبريك من رسوم متحركة صدرت في 1916.
في "بونويل بعد العصر الذهبي"، نشاهد في الفيلم المخرج الإسباني الشهير لويس بونويل

(1900- 1983) يصور فيلمه "أرض بلا خبز"، مع عرض الصعوبات التي واجهها. فيلم وثائقي يصور أبطالاً يعيشون حياواتهم الحقيقية بكل حيويتها، كأنه فيلم درامي. فيلم عن صناعة الأفلام بعيداً عن هوليوود، وبالضبط في إسبانيا، زمن صعود الفاشية. قي مثل هذه الأجواء، يبدو "كان ذات يوم في هوليوود" لتارانتينو مجرد نزهة.
للإشارة، تم تصوير "أرض بلا خبز" سنة 1933، وكشف الفيلم جوع وبؤس وتخلف الشعب الإسباني. في 1936، أعدمت قوات فرانكو رامون آسين، الذي مول الفيلم. وفي 1953، أعدم فرانكو زوجة رامون. يبدو أن تبعات تراجيديا إنتاج الأفلام بعيداً عن هوليوود أشد وطأة من تلك الأفلام نفسها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.