}

"لا وجود للشيطان" بأيام فلسطين السينمائية.. صرخة الحريّة الفردية

ندى الأزهري ندى الأزهري 21 أكتوبر 2020
سينما "لا وجود للشيطان" بأيام فلسطين السينمائية.. صرخة الحريّة الفردية
أسرة فيلم "لا وجود للشيطان" (AFP)

بعد أربعة أيام من فوزه في مهرجان برلين الأخير (20 شباط/ فبراير- 1 آذار/ مارس 2020) بالدّب الذهبي عن فيلمه "لا وجود للشيطان"، استُدعي المخرج الإيراني محمد رسول آف للمثول أمام قضاء بلده لتنفيذ حكم سابق بالسجن عليه، التهمة هي قيامه بنشاط "يُخلّ بالأمن القومي والدعاية ضد نظام جمهورية إيران الإسلامية".
الحكم الذي صدر في تموز/ يوليو 2019 على رسول آف كان السجن لمدة سنة ومنع الانضمام إلى حزب أو منظمة سياسية فضلًا عن مغادرة البلاد، لسنتين، بسبب محتوى أفلامه عامة وخلفيتها السياسية التي وصفت بأنها "دعاية" ضد النظام. لكن صاحب "رجل نزيه" (2019)، حقق فيلمه الأخير، وإن لم يستطع الذهاب لاستلام الجائزة في برلين. في الواقع من الصعب تخيل أنه حققه بالسر مع كل هذا الفريق الضخم من العاملين فيه ومواقع تصويره المتعددة. لكن يبدو أن ذلك قد حصل بتواطؤ والتزام فريق كامل، حيث تمّ تقديم الفيلم إلى السلطات الإيرانية كأربعة أفلام قصيرة منفصلة لمخرجين شباب مختلفين، وهكذا لن تشاهدها الرقابة للموافقة عليها.

  محمد رسول آف 
















لن ندخل في تفاصيل تحيط بها نقاط غموض منها علاقة النظام الإيراني مع مخرجيه الممنوعين عن العمل ومنهم جعفر بناهي ومحمد رسول آف وقيامهم على الرغم من هذا بتحقيق الأفلام. لكن من المؤكد أن صاحب "لا وجود للشيطان" مُصرّ على توجه سياسي لأفلامه واختيار مواضيع لها علاقة بنظام الحكم سواء بفضح الفساد والرشاوى أو بقمع المعارضين وكلّ هؤلاء الذين لا يتبعون الخطّ نفسه والقيم المفروضة، أو بدفع الناس للهجرة هربا من الضغوط النفسية التي تطبق عليهم. وحين يقول أحد أبطاله "إنه مجتمع ينتهي بإفساد أبنائه رغما عنهم" فهذا لكي يدين كل تأثيرات نظام يعتبره مستبدا على الأفراد. وهو هنا في فيلمه هذا لا يحيد عن ميوله ومبادئه بكشف كل عيب وخلل يراه في المجتمع والنظام وإن كلفه هذا رقابة إضافية عليه ومنعا وربما حبسا، ولكن أيضا مكانة على خارطة المهرجانات الدولية وجوائز مهمة، يستحقها على أي حال.
في "لا وجود للشيطان"، الذي يُعرض في النسخة السابعة لأيام فلسطين السينمائية (20 - 26 تشرين الأول/ أكتوبر) في عدة مدن فلسطينية، يستكشف رسول آف قضية الحرية الفردية في ظل نظام عقوبة الإعدام المطبقة بكثرة في إيران والتي تحتجّ عليها من وقت لآخر الهيئات الدولية والمدنية، وفي مواجهة التهديد والاستبداد والسلطة والقمع. في أربع قصص مختلفة كتب السيناريو لها رسول آف وتدوم ساعتين ونصف الساعة، أقدار عدة شخصيات يقاتل فيها أفراد لتأكيد حريتهم، يتمّ تناول قضية الإعدام من وجهة نظر الجلادين والضحايا. أين يذهب حشمت كل صباح؟ هل سيطيع بويا أمر القتل؟ وما هي معضلة جواد الذي جاء ليطلب يد حبيبته للزواج؟ وما سر بهرام الطبيب الممنوع من ممارسة مهنته؟

 لحظة إعلان فوز فيلم "لا وجود للشيطان" بجائزة الدب الذهبي في البرلينالة (رويترز)

















قصص مختلفة بمحتواها وفي القوة المعنوية لأبطاله، يجمع بينها سؤال: كيف يعيش الجلاد؟ كيف يفكر وما الذي يدفع إنسانًا لارتكاب أو لعدم ارتكاب فعل شنيع كهذا؟ قد يكون من اليسير ربط أربع قصص بموضوع واحد ولكنه ليس دون مخاطرة، قد يقود هذا إلى افتعال ما في خلق الحدث أو خلق هذا الرابط مع بقية القصص بحيث يصبح هو المحرك لكل حبكة وتطور في السيناريو ليلتقيا عند نفس النقطة التي تتجمع حولها بقية القصص. وهو ما قد يضعف السرد لناحية إقناعه المشاهد بالسبب والنتيجة.
لكن رسول آف مع إخراج متمكن بواقعيته وسرد سلس وإيقاع متوتر يعرف كيف يُنسي هذه المعضلة حين تحدث، بالأحرى كيف يجعل المشاهد يتناساها. وفي كل قصة يجذبه بأمر ما، بالتأمل مع بطله وطرح نفس التساؤلات، بمفاجأة قاضية. لهذا اختار ترتيبا معينا لسرد القصص.


"لا وجود للشيطان" هو الآن في أيام فلسطين السينمائية ضمن برنامج غني بأفلام جديدة وذات مستوى فني مميز، في حدث سنوي تنظمه مؤسسة "فيلم لاب" كل عام، ويهدف إلى وضع فلسطين على خارطة صناعة السينما العالمية والمشهد السينمائي




على سبيل المثال لم يكن ممكنا للقصة الأولى أن تأتي في أي ترتيب آخر وإلا لكانت فقدت أهم عنصر وربما الأوحد في نجاحها، وهو المفاجأة. لقد كانت افتتاحية مباركة وتمهيدا قويا لبقية القصص عبر هذه العائلة المترابطة المحبة والعادية بل العادية جدا لدرجة الملل أحيانا. مع حشمت زوج محبّ ومثالي متفرغ لزوجته وابنته وحماته، مستعد لكل خدمة وطلب، يحلم بزوجته بثوبها الأخضر المكشوف ولكنه يستغرق في نوم عميق مبكرا، إنه مجهد ولكن ما الذي يجهده؟ لا شيء عن مشاعره، المخرج أوحى لنا بالشخصية وتركنا نضجر من عاديتها ليفاجئنا بنجاح.
في القصة الثانية تمكّن بويا من فعله، مع أن العنوان "قالت: لا يمكنك فعله"، ولكن ما هو هذا الذي تمكّن من فعله؟ يترك السرد للنهاية أن تكون مفتوحة لجندي يرفض باصرار تنفيذ حكم بالاعدام على إنسان مهما كانت فعلته. هنا حيث لا خيار يخلق رسول آف توترا دراماتيكيا طوال الفيلم لا ينهيه حتى مع أجمل مشاهد الفيلم في انطلاقة من جدران رمادية إلى عتمة خارجية، حيث أمل مؤقّت مع موسيقى أغنية إيطالية، الموسيقى التي استخدمها رسول آف في كل القصص للتعبير عن كلمات غير محكية أحيانا.


قصص مختلفة بمحتواها وفي القوة المعنوية لأبطاله، يجمع بينها سؤال: كيف يعيش الجلاد؟ كيف يفكر وما الذي يدفع إنسانًا لارتكاب أو لعدم ارتكاب فعل شنيع كهذا؟ قد يكون من اليسير ربط أربع قصص بموضوع واحد ولكنه ليس دون مخاطرة





في "يوم الميلاد" تأمّلٌ في القدرة على قول "لا" في مساحات مكانية طبيعية خلّابة. هو الفيلم الأجمل بلغته البصرية وبهذا التفاوت بين نور وعتمة في تصوير يذكّر في أحد مشاهده بلوحات رامبرانت حيث إضاءة تركز على وجوه غارقة في ظلام حولها. غير جمالية هذه المشاهد هي كانت كذلك حيلة ذكية من محمد رسول آف للتغطية على شعور غير مغطاة، في عشاء عائلي يبدو فيه وضع الحجاب منفرا. هو الفيلم الأجرأ أيضا على صعيد اللمس، تحرر فيه المخرج من قيود رقابة إيرانية صارمة تمنع أي تلامس بين امرأة ورجل.
ولا يختلف الأمر مع "قبّلني"، القصة الأخيرة، حيث أسرار تكشف قبل فوات الأوان وحيث فائدة قول الحقيقة وحيث تعبير "الجبر والإجبار" يدفع من جديد إلى التأمل في قدرة الإنسان على الرفض، رفض ارتكاب ما يشين.
كل النهايات هي أجمل ما في قصص الفيلم حيث تتجاور مأساة مع سعادة ناقصة.
"لا وجود للشيطان" هو الآن في أيام فلسطين السينمائية ضمن برنامج غني بأفلام جديدة وذات مستوى فني مميز، في حدث سنوي تنظمه مؤسسة "فيلم لاب" كل عام. ويهدف إلى وضع فلسطين على خارطة صناعة السينما العالمية والمشهد السينمائي، وإلى الترويج للأفلام المحلية والدولية عبر عدة أماكن في مدن مختلفة داخل فلسطين.

# المقطع الدعائي الرسمي لـ فيلم "لا وجود للشيطان" : 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.