عشرة ممثلين وممثلات: سلمان شريبة، وهاشم غزال، وسوسن عطاف، ورغداء جديد، وكمال قرحالي، ونضال عديرة، وغربا مريشة، ومصطفى جانودي، وخالد حمادة، وراما قرحالي، حاولوا اشتغال أدوارهم بلهيبٍ وجودي ناعم، حاولوا التألُّق، فعاينَّا شيئاً من وميض روحهم، ولكن لا فعلَ حيَّ على الخشبة، إذ لا خيط إخراجي يشدُّ الحكاية: رجلٌ ثريٌّ يموت فيتباكى عليه ورثته، وحتى تُفتح الوصية بعد أربعين يوماً يقوم الورثة بـ(تعفيش) المنزل، وسرقة محتوياته، فتحصل مُفارقات ضاحكة تبدو مُفتعلة، حتى يفتح المحامي الوصية؛ فيتفاجأ ورثته بأنَّ الميراث بكامله قد آلَ إلى الخادمة، كما خطَّط المحامي.
لقد كان هناك صَدَعٌ في الإخراج، فلا جدَّ ولا هّزّل، ولا قرارات فكرية حاسمة، بل فيضٌ
الإخراج فعل كشف، فعل إيضاح، فعل تدقيقٍ وتحريض، والوعي بالإخراج الدرامي يتطلَّبُ قوَّة برهان في العرض، خطُّ سيرٍ متصاعد للفعل ينمو كما البذرة تشقُّ الأرضَ، وليس صورةً كلامية يتحوَّل فيها الفعل إلى ثرثرة وهذر.
"العائلة الحزينة" للكاتب برانسيلاف نوشيتش فَقَدَت مصداقيتها كنصٍّ واقعي تهكمي في الإعداد الذي فتَّتَ وقطَّعَ أفعالها، وفي حالاتٍ محاها. المُخرج المسرحي والدرامي عموماً هو مَنْ يقوم بتأليف العرض، ويحوِّله من شكل الخطاب الكلامي إلى صورة/ مشهد، فيوقع المُتفرِّج بين وضعين متَّسعين ومتعارضين - بين فعلين؛ فعل المؤلف وفعل المُخرج، فتولد تلك الصورةُ المشهدُ الغني بالدلالات، أوْ يبعثُ على الحزن، أوْ يبعثُ على الفرح، فنشوف حالات لأفعالٍ حياتيةٍ لأسرةٍ؛ عائلةٍ هي فعلاً تُمثِّلُ علينا ولنا كيفَ تُنازِعْ وتتَنازَع إِرْثَ مَيِّتِها، فنرى كيف يسيل النفاق والكذب واللصوصية من على جلدها وثيابها. ففي الوقت الذي يبهجها الفرح بموت المرحوم، يأخذها الحزن مسافاتٍ بعيدة في سؤال: مَنْ هو الذي ستكون له الحصَّة الأكبر من الإرث.
المُخرج مجد أحمد مزَّق الفعل، قلعه من جذوره، فلا فاجعة، ولا عاصفة، ولا بروق، ولا شمس، ولا قمر، ولا إعصار حركة ممثلين يتجاذبون، يلتحمون، يتفرقون، يسرقون محتويات المنزل، في انتظار أن يفتح المحامي الوصية، كما لو أنَّهم دُمَىً. المؤلف برانسيلاف نوشيتش حين كتب مسرحيته كان يسوق أفعالاً يكشف فيها عن أوضاع الناس، ويقوم بعملية تحليل
هنالك تبادلات، تعاكسات، انفجارات، إغواءات، داخلْ، خارجْ - علامة خطيَّة تَحدُثُ فيها تبدلات وتغيرات، فنضحك أو نبكي. والنص كما كتبه المؤلِّف برانسيلاف نوشيتش غنيٌ بهذه الأفعال، وكأنَّ المخرج مجد أحمد بدل أن يكشف عن حقائق الأفعال الإنسانية ودوافعها، راحَ
المسرحية، كما جاء في النص، تحملُ فكراً في غاية الامتلاء والواقعية النقدية، وعواطف من حِذْقٍ وحِدَّة، وتوتراً يشكِّلُ حيوية لشخصياتٍ في حالةٍ من التألُّق اللحظي للوعي بما تفعل، وهي تُدفعُ بالصراع نحو انفجاراتٍ تكشف مأساوية غفلة الإنسان حين تنوب الغرائز في التفكير عن عقله. المُخرج مجد أحمد شلَّ الفكر في العرض، لذا جاء الفعل عنده أعمى، ولا فعل بدون فكرٍ يقوده. فالفكر هو من يحرِّك الأفعال ويتركها مثل نبع تتدفَّقُ منها الأحزانُ والأفراح لتكشف عن التباين بين وجود الإنسان ووعيه بمصيره. فالصراعات في المسرحية تقوم على المستوى العقلي، وعلى تأزيمها درجة التوتر والغليان الذي يجوهر الشخصيات كانت شريرة أو تُشِيعُ فعل الخير.
*ناقد مسرحي سوري.