لم يمهل القدر الضيف أحمد عُمراً طويلاً، كما أصاب جورج سيدهم المرض منذ أكثر من عشرين عاماً ليختفي تماماً خلالها عن الأنظار، بعدما كان استمر في تقديم بعض الأعمال مع سمير غانم بعد رحيل الضيف، أشهرها مسرحية "المتزوجون".
من هنا، أنت لن تتذكر للضيف أحمد أعمالاً كثيرة خارج سياق "الفرقة"، كما لن تتذكر لجورج سيدهم أعمالاً كثيرة خارج السياق ذاته، أو خارج ثنائيته القصيرة مع سمير غانم. وقد يستطيع المهرة في الأرشيف الفني تقديم خطوط مختلفة في تتبع مسيرة جورج سيدهم، غير أن هذه السطور تترك نفسها لعفوية التلقي. عن نفسي لا أتذكر له بعيداً عن رفيقيه سوى دور جميل مع محمود عبد العزيز في فيلم "الشقة من حق الزوجة". مع ذلك، لم يمنع ضيق المساحة التي تحرك فيها جورج سيدهم أن يجلس في الذاكرة مرتاحاً، تاركاً مجموعة لا بأس بها من الابتسامات.
وفرقة ثلاثي أضواء المسرح، التي يعرف الجميع أن عقلها المدبر كان الضيف أحمد، أسسها في الستينيات المخرج التلفزيوني محمد سالم، الذي اكتشف الأصدقاء الثلاثة بعدما تعارفوا كزملاء دراسة في الجامعة، وقدمهم، قبل تأسيس الفرقة، في أول حلقات فوازير تلفزيونية كتبها الشاعر الكبير حسين السيد، وفق ما حكاه الفنان سمير صبري، الذي يتميز بكونه ذاكرة حية لتاريخ نجوم السينما والتلفزيون والإذاعة في مصر.
أسس محمد سالم الفرقة بعد نجاح الفوازير، وقدم معهم مجموعة من المسرحيات شاركتهم فيها سهير البابلي، بعدها سيشاركون بتميز في عدد من الأفلام، منها: "شاطئ المرح"، "30 يوم في السجن"، "القاهرة في الليل"، "الزواج على الطريقة الحديثة"، "رحلة السعادة"، "المجانين الثلاثة"، "شباب مجنون جداً"، وغيرها، قدموا فيها، فضلاً عن أدوارهم، عدداً كبيراً من الاسكتشات الغنائية المشهورة. وبينما استمر النجاح اللافت عشر سنوات، توقف مشوار الفرقة برحيل الضيف أحمد، حيث رفض سمير وجورج ملء فراغه بأي ممثل بديل. وبعد فترة قليلة سيأخذ سمير غانم منحى مختلفا، شكلاً وموضوعاً، عما اشتهر به في سياق "الثلاثي". وفي إحدى حلقات برنامجه المهم "الموهوبون في الأرض"، يتحدث الكاتب المصري بلال فضل باستفاضة عن هذه النقلة في حياة سمير غانم باستفاضة، وكيفية نجاحه في تكريس صورته الجديدة، ليصبح بعد قليل واحداً من ملوك ما يسمى بكوميديا "الفالص"، أو الكوميديا العبثية، وكيف أن الأجيال الجديدة وجدت لدى هذا النوع من الفن ملاذاً بعدما تحطمت لديهم المعاني العميقة والأهداف التي حرص البعض على أن يطعّم بها حالته الكوميدية كالوعظ وما إلى ذلك.
قد يكون ابتعاد جورج سيدهم عن التمثيل بسبب المرض، وحرمانه من استكمال المشوار، هو من أشكال سوء الحظ، وقد تقول زاوية نظر مختلفة إن الابتعاد أحياناً في لحظة النجومية، قد ينقذ الفنان من التهالك التدريجي أمام أعين المحبين، وربما كان مرض جورج سيدهم المبكر هو ثمن غال للصورة التي تستدعيها مخيلتنا كلما تذكرناه.