}

زمن كورونا بمصر.. عن فيلم "يوم وليلة" والمُمرضات الحزينات

هشام أصلان 25 أبريل 2020
سينما زمن كورونا بمصر.. عن فيلم "يوم وليلة" والمُمرضات الحزينات
بوستر فيلم "يوم وليلة"
بات معروفاً لسكان الكرة الأرضية أن العاملين في الحقل الطبي هم أبطال اللحظة، وإن رأينا بعض المشاهد القليلة البائسة والحزينة، كواقعة اعتراض أهالي إحدى القرى المصرية لجنازة طبيبة توفيت بالكورونا خوفاً من نشر العدوى، واضطرار قوات الأمن لفض التجمهر بالقوة لإتمام إجراءات الدفن. وقائع قليلة كهذه لا يطلع عليها نهار إلا وتكون الدنيا قد وقفت على أطراف أصابعها ترد الاعتبار لمن تم انتهاك حرمته أو مشاعره بسبب من جهل. الجميع يصفق للأطباء والتمريض، ويقف احتراماً لما يعانونه من بداية الأمر، لدرجة انتشار وصفهم في مصر بـ"الجيش الأبيض" في إدراك متواضع لأفكار بلادنا حول مفهوم التقدير. وبينما يحدث ذلك، يتفرغ بعضهم لاختلاق أزمات وهمية، في شكل لا يشير لغير استغلال اللحظة لجذب الانتباه ربما الشخصي أو لكسب رصيد لدى بعض من مجتمع متحفز وخائف، أو حتى تثبيت مكانه بطريقة استعراضية، أو أنه الجهل في أفضل التفسيرات.
فجأة، وجد صناع فيلم "يوم وليلة" أنفسهم طرفاً في معركة مع نقابة التمريض، بعدما اتهمتهم الدكتورة كوثر محمود، نقيب عام التمريض في مصر، بالإساءة لسمعة ستمائة ألف ممرضة مصرية، عبر شخصية ممرضة لعوب تجسدها في الفيلم الممثلة التونسية درة. وتساءلت نقيبة الممرضات والممرضين منفعلة، في مداخلة مع برنامج الإعلامي وائل الإبراشي "التاسعة مساء": "هي الدراما المصرية مش هترحمنا؟ ليه مصر والعالم في وادي وهي في وادي تاني؟" معتبرة أن عرض الفيلم على يوتيوب في هذه اللحظة يسيء، بوصفها، "لمعنويات الجيش الأبيض الذي يخوض الآن حرباً لمواجهة انتشار فيروس كورونا". طبعاً، ليس لدى الدكتورة نقيبة التمريض في مصر فكرة عما تعانيه شركات الإنتاج السينمائي لتحول دون قرصنة أعمالها وعرضها على يوتيوب، أو عما يتسبب فيه من خسائر للشركات أو ما إلى ذلك من هذه البديهيات، فذهبت تواصل مداخلتها بثقة الجالس على مقعد بطل المرحلة، وطالبت الرئيس السيسي أن ينقذ الموقف ويتدخل بنفسه لمنع عرض الفيلم على موقع يوتيوب، مؤكدة أن "الريس مبيتأخرش عننا أبداً"، بينما طالبت الممثلة درة بأن تعود إلى بلدها تونس وتسيء لسمعة الممرضات التونسيات كما تشاء.

الفيلم، الذي ألفه يحيى فكري وأخرجه أيمن مكرم وأنتجته "المرايا للإنتاج الثقافي والفني"، تقوم ثيمته على سؤال إنساني حول تركيبة النفس البشرية حين تكون مقهورة مجتمعياً، وكيف يسيّر المقهورون أحوالهم فيما بينهم. الجميع مدفوع للفساد بشكل ما وإن كان مضطهداً، ميالاً لواقعية تبتعد عن ملائكية المظلوم. الفتاة المسيحية التي تعاني عنصرية المتشددين تمارس سلطة وظيفتها البسيطة على المواطنين، وبينما أخيها المُعلم يجد اضطهاداً من زملائه المتشددين دينياً، يمارس هو الآخر فساد بيزنيس الدروس الخصوصية، وهكذا يأتي دور الممرضة المقموعة فقراً والمطاردة بالديون تجد هي الأخرى حلولاً بسيطة ليمشي الحال، مثل بيع الأدوية في السوق السوداء أو منح المتعة مقابل المال.

 درة وحنان مطاوع في مشهد من فيلم "يوم وليلة"

شركة المرايا وأسرة الفيلم أصدرتا بياناً رصيناً، بدا عليه بوضوح مراعاة حساسية اللحظة التي قد تكون مناخاً جيداً لمحبي المزايدة. وأكدتا على "الاحترام المطلق لمهنة التمريض وللدور المحوري الذي تقوم به الممرضات في هذه الأجواء العصيبة"، قبل أن يلفت البيان إلى أن الفيلم أنتج في العام الماضي "وبدأ عرضه في دور العرض يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي، وانتهى عرضه في الغالبية العظمى من دور العرض قبل أن تبدأ أزمة كورونا بأسابيع، وقبل وقف العروض السينمائية"، ثم تطرق البيان لتوضيح أمور لطالما أمل المرء مع كل معركة شبيهة أن نكون قد تجاوزناها ولو بحكم التكرار، فيقول: "من طبائع الأمور أن تضم مهنة التمريض، التي تحمل رسالة سامية وتجسد قيمة العطاء، بين صفوفها نماذج مختلفة ومتنوعة من البشر بينهم الصالح والطالح، مثلها في ذلك مثل أي مهنة أخرى. وبالطبع تعرض الأعمال الدرامية الجوانب السلبية والإيجابية لشخصيات العمل الدرامي في إطار موضوعه، ودائما ما تتناول الأعمال السينمائية، المصرية والعالمية، شخصيات تمتهن مهناً مختلفة، تحمل جوانب سلبية ما، دون أن يعني ذلك أنها تقوم بوصم كل العاملين بالمهنة بتلك السلبيات"، موضحاً أن الفيلم، إذ ينتمي إلى تيار الأفلام الواقعية، لا تحمل شخصياته أي دلالات رمزية، أو أبعاداً تتجاوز حدود الشخصية الدرامية الموجودة في العمل. و"شخصية الممرضة ميرفت، التي جسدتها الفنانة درة، شخصية مكافحة لها أبعاد مركبة، فهي أم مطلقة تتحمل منفردة مسؤولية تربية أطفالها، كما تتحمل مسؤولية أخيها وأسرته بعد أن يتم طرده من العمل، وتحت ضغوط حياتها الصعبة وقسوة الواقع، تضطر إلى ممارسة بعض الأمور السلبية التي تُدفع إليها دفعا، والفيلم لا يدين الشخصية بل إنه يتعاطف معها بوضوح، وينحاز لهمومها وأزماتها"، بينما يأسف بيان "المرايا" أن يكون هناك اضطرار، ونحن في عام 2020، إلى إعادة ترديد البديهيات، "وأن يضطر صناع السينما في مصر، وبعد مرور قرن من الزمان على انطلاق الصناعة، إلى شرح ما لا يحتاج للشرح، وإلى الدفاع عن حقهم في تقديم رؤاهم وإبداعاتهم دون وصاية".

على نقيبة ممرضات وممرضي مصر ألا تحزن. الفن ليس مصفاة للأخلاق، ودرة لم تؤد دور الستمائة ألف ممرضة. هي أدت دور فتاة تحمل ما يحمله البشر، كل في ظروفه، وتمارس مهنة التمريض، عليها أيضاً ألا تقلق بعدما طمأنها الإعلامي وائل الإبراشي إلى أن المستقبل يحمل خيراً، وأن الدور التاريخي الذي يقوم به العاملون والعاملات في التمريض، من المؤكد أنه سيكون في اعتبار صناع السينما والدراما مع أعمالهم المقبلة.

# الإعلان التشويقي لفيلم "يوم وليلة" بطولة خالد النبوي ودرة: 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.