}

53 عاماً على ولادة النشيد غير الرسمي للانفصاليين الكاتالون

سمير رمان سمير رمان 15 مايو 2020
موسيقى 53 عاماً على ولادة النشيد غير الرسمي للانفصاليين الكاتالون
لويس لْياك إي غراندي/ Lluís Llach i Grande (يوتيوب)
يعد الفنان الإسباني ــ الكاتالوني الشهير، لويس لياك إي غراند، الموسيقي والمؤلف والمغني والكاتب، أحد أشهر ممثلي حركة "Nova cançó"/ "الأغنية الجديدة"، التي ضمّت موسيقيين ومغنين عبروا عن احتجاجهم ضدّ دكتاتورية الجنرال فرانسيسكو فرانكو، فأصبح بذلك رمز الحركة الذي تتردد أغنياته ذات الموضوعات السياسية، باللغة الكاتالونية، في وقتٍ كانت فيه اللغة والهوية الكاتالونية محظورة.

وككثير من المغنين والكتاب والنشطاء السياسيين والمثقفين، اضطر لْياك إلى مغادرة إسبانيا، لاجئًا إلى باريس حتى وفاة الدكتاتور الإسباني.
الظهور الأول للفنان كان في 22 من آذار عام 1967، وتحديدًا في مدينة تيراسّا، من خلال أغنية "العمود/(L’Estaca ، التي ألهبت حماسة أكثر من 100 ألف من المعجبين الذين ملأوا ملعب "كامب نو" عن آخره، حيث خاطب لياك الأجيال الحالمة بالحرية والانعتاق من نير الديكتاتورية، مذكّرًا بهشاشة الجدران التي يشيدها الطغاة، مشيرًا إلى أن هدمها يسهل بتكاتف الجهود، فشكّل لياك ظاهرة غنائية جديدة أصبحت معها أغانيه رمزًا لمعارضة ديكتاتورية فرانكو.
في العام التالي، كتب ألحانًا وكلماتٍ عن نضال المواطن البسيط في مواجهة النظام، وعن حتمية سقوط الديكتاتورية:

"إذا سحبتُ إلى هنا،
 وسحبتم إلى هناك،
 فسيسقط، سيسقط،
 ونستطيع عندها التحرّر".

في العام التالي لولادة أغنية (L’Estaca)، كتب عن عمودٍ ضعيف يكاد ينهار (في إشارةٍ

إلى النظام الشمولي)، لتصبح الأغنية نشيد الحركة الاستقلالية في كاتالونيا، التي رددتها الجماهير أثناء مسيراتها وتجمعاتها الاحتجاجية.
وأثناء الاستفتاء حول استقلال كاتالونيا، عام 2017، لم تخلُ مظاهرة واحدة من هذه الأغنية. تقول الأغنية التي صدحت بها حناجر مئات الألوف من الكتالونيين بصوتٍ واحد: أنّه لا يمكن خلع الأعمدة التي توثق إليها الحيوانات، ولا التخلّص من الديكتاتور، من دون وحدة الشعب.
في أيلول/ سبتمبر من عام 1979، أصبح لياك مغنيًا أول في الأوبرا، فقدّم عرضًا في مسرح لوسيو للأوبرا، وأطلق ألبومه باسم "Somniem". وأثناء أداء الأغنية عام 1967، هاجت الجماهير، التي ملأت مدرجات ملعب كرة القدم بالكامل، تصرخ حماسةً وهي تردد الأغنية وراء المغني الكتالوني ابن الـ28 عامًا.
كمغنٍّ، يعترف لْياك بتأثّره بأسلوب مغنين آخرين، مثل جاك بريل. تضمن إبداعه أغان رومانسية تقليدية، وأغانٍ أكثر تعقيدًا، سواءً الفلسفية، أو الساخرة. إلى جانب أغانيه الخاصة، قام بتلحين نصوص شعراء مشهورين، من ضمنهم كونستانتينوس كافافيس، ماريوسا توبيسا.
تعود شعبية نشيد المقاومة العالمي إلى التكرار الثلاثي البسيط، وترداد المقاطع تسعًا، والتكرار الثلاثي للكلمة. مع ذلك، يقال: منع نظام فرانكو للأغنية ساهم في انتشارها أكثر مما ساهم في ذلك جمال لحنها.
كان باتريك يوفي (Patrick Juvet) أوّل من سجّل الأغنية عام 1972، وغنّاها بالفرنسية جان – إميل ديشلم (1974)، وبلغة الباسك - غوركا كنور( 1976). وظهرت النسخة الكورالية الأولى للأغنية عام 1978، بأداء فرقة كورال Sant Marcal. وفي العام نفسه، استجابت فرقة Göteborgs visgrupp السويدية، وفرقة فاسيلي بابا

كونستانتين اليونانية. في الوقت الحاضر، هنالك أكثر من 150 نسخة للأغنية، سجّلت بأساليب متعدّدة، وتظهر في كل يومٍ مقاطع فيديو جديدة، وجرى تعديل النصّ مئات المرّات. وردّدتها حركة التضامن البولندية وراء ياتسك كوجمارسكي عام 1978.
إلى جانب أغنية Cant de la Senyera، التي تشيد بالعلم الكتالوني، وأُغنية  El cant dels ocells، وهو نشيد اللاجئين الكتالونيين، تعد (L’Estaca) واحدةً من أعظم الأغاني الشعبية الكاتالونية.
في كانون الأول/ديسمبر من عام 2017، قرّرت كاتالونيا الاحتفال بالذكرى الخمسين على انطلاق المسيرة الإبداعية لشاعرها ومغنيها الأول. وعلى هامش الاحتفالات بهذه المناسبة، شهد مركز مونيكا للفنون في برشلونة افتتاح معرض ضخم عن حياة وأعمال لويس لْياك، وأُطلق على 8 صالات تسمياتٍ من أغانيه الشهيرة، وعلى أشجارٍ بيضاء تتدافع أغصانها العارية نحو السماء. حفرت عناوين أغانيه وكلمات من أغنية "مثل شجرةٍ عارية/ (Сom un arbre nu)".
بإمكان المرء الاستماع إلى المجموعة بأيّ لغة يشاء، فيتخيّل نفسه مقيدًا إلى عمودٍ يجب التخلّص منه.
وعلى كلّ عمودٍ في المعرض، ثبِّتت كلمات أغانٍ المقاومة - التوأم، بدءًا  من أوّل أغنية أدّاها لويس لياك، وانتهاءً بترجمةٍ نرويجية من الفرقة العصريّة Ohnesorg. ثلاثون مسارًا موسيقيًّا بالإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبولندية، واليونانية، والألمانية، والباسكية. وفي المكان سماعات أذنٍ تشبه الحلقات المعدنية التي تربط بها الماشية إلى الأعمدة. يمكنك الاستماع إلى الإصدار بأيِّ لغةٍ بمجرد أن تربط نفسك أثناء الاستماع إليها إلى عمود يجب اقتلاعه:

إذا دفعت بكتفك،
وإذا التقت كتفانا معًا نحن الاثنين،
فستنهار الجدران، ستنهار
ستنهار، معًا سنتنفّس الحريّة!

في القاعة، يقبع بيانو أسود اللون، وعلى سطح غطائه نوتات، وإلى جواره لوحةٌ مربّعة عليها نصٌّ بخطٍ أحمر يحكي تاريخ الآلة الموسيقية التي ولدت منها أغنية L’Estaca. لوحاتٌ

أُخرى عن الرقابة والديكتاتورية في زمن فرانكو. وإنْ نزعت سمّاعات الأذن ستسمع موسيقى الأغنيات من دون كلمات.
لا يمكن الولوج إلى القاعة من دون المرور بممرٍ يسمّى "أنا هنا، لأنّك تريد أنْ تكون هناك/ (Jo hi sóc si tu vols ser-hi)"، وهو جزءٌ من المعرض يخالف الأجزاء التقليدية. تزين الجدران العتيقة 34 من أغلفة أسطوانات موسيقية، 25 منها ألبومات جرى تسجيلها ضمن الأستديو، ستة تسجيلات من حفلات موسيقية، وثلاثة تنتمي إلى الموسيقى التصويرية. جميعها، بالإضافة إلى الإصدارات الأجنبية والتسجيلات غير المنسّقة، تشكِّل إرث لْياك الذي ودّع الجمهور رسميًّا عام 2007، ولكنّه استمرَّ يغنّي الأغاني في مظاهرات الاحتجاج.
كما يضم المعرض "مقهى الأنتيك"، وهو عبارة عن صالةٍ تصوّر الحياة الشاعرية، كالتواجد خارج المنزل في مأوى متهالك يرتاده الأدباء متنقلين بين أشكال الرفض والتسجيلات المنجزة على عجل. صور المؤلفين التي غنّى كلماتهم لويس لْياك، ترافقه الموسيقى أحيانًا. نصوصٌ أغانٍ معلّقة على الجدران في أُطرٍ مذهّبة، وأسطرٌ كُتبت مباشرةً على الطاولات. إلى هذا المكان يتوافد شعراء كتالونيين غير معروفين للقارئ العادي بعد. ولكن يتواجد أيضًا مشاهير، أمثال غوركا، وكافافيس. وكثير من المرايا مختلفة الأشكال تزيّن الجدران، مما يتيح إمكانية توسيع الفضاء الشاعريّ.
تعكس القاعة الرئيسية الرغبة في الحبّ والدخول في حديثٍ مع النجوم من خلال أغنية Аlé المنارة بلونٍ أزرق. وهنا بركانٌ ربما، أو منارة، أو ربما شجرة الحياة المصنوعة من أشياء خشبية عتيقة دهنت باللون الأبيض. الظلمة تلُفّ جميع من يلج إلى الداخل، وكشريطٍ يمرّ عمرٌ بكامله أمام أنظار الداخلين، بدءًا من الولادة، مرورًا بالطفولة والنضوج، وكثير من الموسيقى والحبّ... بسلاسة، يتحول الفضاء إلى علبةٍ موسيقية، ليصبح بعدها قاعة رقصٍ تضجّ بالحركة والشغف، وتشعّ بذكرياتٍ عن الحبيبة عازفة الجيتار، مرافقة الأغاني لاورا آلميريك... وتتحوّل عشرات القطع الموسيقية إلى سجادةٍ موسيقية يمكن افتراشها تحت السماء المليئة بالنجوم.
تصدح في أحد أقسام المعرض أغنية "إيتاكا"، التي كتب كلماتها كونستانتين كافافيس، لتتحدّث عن رحلة الحياة، وهي أهمّ من وجهة الرحلة ذاتها. في هذا القسم من المعرض، نجد "المستلزمات الثقافية"، حقائب، شاشات عرضٍ بيضاء، مع صورٍ شخصية وأقوالٍ مأثورة لأناسٍ ذوي تأثيرٍ على الصيرورة. هنا سلفادور أنتيك، الفوضوي والمعادي للفاشية، الثائر تشي غيفارا، الكتّاب: ماريا كابامني، وجوزيب إسبيناس؛ مغنّون من فرنسا، إديت بياف، جاك بريل، موسيقيون من كاتالونيا، لاورا ألميريخ، كارلوس كيسيس، لاعب كرة القدم، والمدرب، بيب غوارديولا، وغيرهم كثير. كما وضعت نظارات ثلاثية الأبعاد 3D في خدمة الزائر، ليتمكن

من "رؤية" لْياك وهو يعزف البيانو، وقد أحاطت به معدات التصوير التي تسجّل كلّ حركةٍ من حركاته.
عندما يدخل الزائر إلى الغرفة المزينة بإعلانات "Amor Particular/ حبّ خاصّ"، ينتابه إحساسٌ بأنّ الغناء مكرّسٌ لشكر المشاهدين المعجبين بموهبة المؤلّف.
أمّا صالة "Rar/ الغرائب"، فهي صالة الفضول، حيث تستعرض بقية أنشطة لْياك الاجتماعية من خلال ملصقٍ فنيّ، يظهر الفنان فيه مؤلفًا لموسيقى المسرح والسينما، مطربًا غنائيًّا، كاتبًا، سياسيًّا، وصانع نبيذ. في القاعة أيضًا، بيانو أزرق، ومستلزمات المسرح التي استخدمها لْياك في عروض المسرح، وصناديق تحتوي كتبًا وملصقات.
تخطت شهرة أغنية L’Estaca حدود إسبانيا، لتغدو نشيد الاحتجاجات في كثير من البلدان. وفي روسيا أصدرت هيئة تحرير المجلة الموسيقية "Rock& roll"، المشاركة في تنظيم المعرض، عددًا خاصًّا في عام 2018، مكرّسًا للمعرض المذكور، وللذكرى الخمسين لإطلاق أغنية L’Estaca. لدى المشرف على المعرض، يمكن الحصول على نسخة من كتالوغ يحتوي سيرة ذاتية مصوّرةً عن لْياك. يحتوي هذا العدد من المجلة أيضًا على اقتباساتٍ عن

كيريل ميدفيديف: تحوّلت L’Estaca، التي يؤديها مع فرقة "أركادي كوتس" إلى نشيد حركة الاحتجاج الشعبي المدني في روسيا.
وأخيرًا، يتبادر إلى الأذهان سؤالٌ: لماذا تتلقف ملايين الجماهير في بلدٍ ما أُغنيةً، بينما نسمعها بلدانٍ أُخرى فقط في محطات مترو الأنفاق، ومحطات الحافلات، وأثناء اللقاءات الجماهيرية الصغرى؟ لماذا لم تُردّد نسخة الأغنية ذاتها باللغة البيلاروسية لـ"أندريه خادونوفيتش" سوى مجموعات صغيرة، بينما تلقَّفت مئات آلاف الحناجر الكاتالونية الأغنية؟ ولماذا لعبت الأغنية دورًا هامًّا في بولندا، وساهمت في حشد الجماهير وتوحيد الصفوف في مواجهة الاستبداد، بينما كان تأثيرها في روسيا وبيلاروسيا محدودًا، أو شبه معدومٍ؟ وكيف استغنى الحراك الأوكراني عن الأُغنية؟ يمكن الحصول على الإجابة في معرض لْياك في برشلونة في مركز مونيكا للفنون، الذي أغلق حاليًا بسبب الحجر المفروض بعد تفشي جائحة كورونا، والذي ينتظر عشاق الفنّ والحرية إعادة افتتاحه بفارغ الصبر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.