}

آدم حنين.. متصوف النحت

سارة عابدين 24 مايو 2020
تشكيل آدم حنين.. متصوف النحت
آدم حنين (1929- 2020)
غيّب الموت يوم 22 مايو/أيار الحالي الفنان المصري آدم حنين (1929- 2020) الذي كرس حياته لفن النحت، بجانب الرسم الملون بالتقنيات التقليدية.
ويعتبر حنين الأشهر بين النحاتين المعاصرين، وهو نحات حداثي على تواصل بتقنيات ومدارس النحت العالمي، كما أنه أسس سمبوزيوم أسوان الدولي للنحت.
ولد آدم حنين في حي باب الشعرية، في مارس/آذار 1929، لأسرة متوسطة تعمل في صياغة الحلي، ونفذ أول مشروع فني له في المرحلة الابتدائية، متأثرا بزيارة للمتحف المصري. لم تكن الرحلة في الأساس لغرض فني، بل لغرض تاريخي، لكنه اندهش وتأثر بمشاهدة الأعمال الفنية والمنحوتات الضخمة، وأخذ يتنقل بسرعة بين أدوار المتحف لاستكشاف كل أركانه، وشعر حينها بالانتماء إلى الحضارة المصرية القديمة.
يقول حنين في أحد حواراته عن تلك الزيارة: "لقد حررني الفن الفرعوني من وطأة الإحساس بالزمن، بمعناه المادي الواقعي الضيق، وفتح عيني على زمن آخر، هو زمن الأبدية والخلود والفن. هذه الهزة، هذه الخلخلة التي انتابتني في تلك السن الغضة، أعطتني إحساسا بأنني أقف على أرض صلبة. ومع تراكم الخبرة أصبح لدي مقياس قوي، أقيس عليه رؤيتي للفن والحياة، هذا الميزان هو الفن الفرعوني، وقد عصمني عن تشوهات بصرية وفنية، وعن الانضواء تحت راية مذهب أو تيار أو مدرسة فنية، كالانطباعية والسريالية والتكعيبية وغيرها، رغم أني أفدت منها جميعا، لكنني كنت أحس دائما بأنها غريبة عن طينتي وتربتي".




درس حنين في مدرسة الفنون الجميلة، بالتزامن مع ثورة يوليو والدعوات لإحياء الفن المصري، فكان له دور طليعي في ترسيخ الفن المصري في وقت تعددت فيه المدارس الفنية في أوروبا. وحصل على منحة لمدة عامين للبقاء في أتيليهات الأقصر التي أسسها الفنان والديبلوماسي المصري الراحل محمد ناجي (1888- 1956)، لتعزيز دراسة الفن المصري القديم كجزء من منهج مدارس الفنون بمصر. خلال تلك الفترة درس المقابر الفرعونية، والحياة اليومية بصعيد مصر. وانتقل بعد ذلك إلى أوروبا، وتعلم هناك كل شيء عن الفن الكلاسيكي، وعاد مع زوجته بعد 25 عامًا إلى مسقط رأسه مجددا.
بعد فترة وجيزة من عودته من باريس، التقى حنين الفنان كريم فرنسيس، صاحب إحدى قاعات العرض بالقاهرة، وبدأ التعاون بينهما في سلسلة من المعارض الخاصة بمنحوتات ولوحات حنين. في أوائل القرن الحادي والعشرين، أصبح فرنسيس هو أول من عرض لحنين وفنانين مصريين آخرين في معارض وقاعات دبي، وكانت تلك المعارض في طليعة سوق الفن الخليجي المزدهر حاليا. في أواخر عمر حنين أعربت قاعة تيت مودرن في لندن، وقاعة جورج بومبيدو في باريس، عن رغبتهما في عرض منحوتاته، ليوضع بين أهم وأشهر فناني القرن الماضي.





منحوتات حنين
بالنظر إلى منحوتات حنين نجدها مشبعة بالرقة بالرغم من صلابتها، وكان حنين مراقبا ومتأملا، ولديه ميل كبير للتجريد، مع ارتباط بالبيئة والحياة من حوله. أثناء بحثه عن طريقه الخاص، انغمس حنين في الفن الفرعوني وطرق تنفيذه، كما استعاد المواضيع التي اشتهرت في الفن المصري القديم مثل القطط والكلاب والطيور والأسماك، في منحوتات تجريدية بأحجام متباينة، بالإضافة إلى تجريبه للأكاسيد الطبيعية التي برع في استعمالها الفنان المصري القديم، مثل أكاسيد الحديد والمغنيسيوم والكروم. واختار تنفيذ منحوتاته بالجرانيت أو البرونز، وإلى جانب الفن المصري القديم، تأثر بالتراث الفني المصري على مر العصور، مثل الفن القبطي والفن الإسلامي، وكأنه كان يعيد استكشاف الفن المصري بشكل حداثي وأكثر شخصية. وظهر في لوحاته أبطال الملاحم والسير الشعبية، والشخصيات المصرية البسيطة.
بعد لغة التشخيص اندمج حنين مع الموتيفات المصرية، والرموز بدلالاتها المختلفة، وظهر ذلك في مجموعة دراسات نباتية نفذها بالحبر بدقة، وبعدها مجموعات حيوانية من خامات مختلفة مثل الجص، والرخام، والغرانيت، لتبدو منحوتاته ورسومه أحيانا كتمائم سحرية، وأحيانا يغلب عليها الطابع المصري القديم، خاصة في بداية حياته حين صور حيوانات البيئة المحيطة به بأجسام مربعة أو أسطوانية وبأقل قدر من التفاصيل. طور حنين بعد ذلك نهجا أكثر تجريدية ورمزية، حيث عاد إلى الرسم على ورق البردي في إطارات قائمة، ونتيجة لذلك أصبحت أعماله ثنائية الأبعاد، وأكثر خطية وتجريد.





متحف آدم حنين
أراد حنين أن يحذو حذو الفنان ويصا واصف، الذي بنى مركزا للفنون اليدوية المصنوعة من الصوف بقرية الحرانية الهادئة. بدأ الأمر ببيت صغير يسكنه، ثم مؤسسة فنية، ثم متحف كبير لأعماله بكل المراحل الفنية التي مر بها، لذلك يبدو المتحف كمكان تاريخي فني يوثق تجربة حنين الفنية، من خلال آلاف القطع النحتية المتباينة.


افتتح المتحف في 18 يناير/كانون الثاني 2014، بتمويل ذاتي من الفنان نفسه، حيث قرر الحفاظ على أعماله وجمعها في متحفه الشخصي بدلا من بيعها، أو وضعها في أماكن مغلقة، بل أراد أن يجعل فنه متاحًا للجمهور بعيدا عن قاعات العرض المغلقة. مساحة المتحف حوالي 700 متر مربع، وهو يتكون من حديقة تعرض فيها أعمال حنين، وثلاثة طوابق. ومن أشهر الأعمال الموجودة بالمتحف تمثال "حارس الأفق"، وهو تمثال ضخم يضع كفه على جبهته، وينظر إلى الأفق كأنه ينتظر شيئًا ما، بالإضافة إلى مركب ضخم من الغرانيت، مكتوب على قاعدته اسم زوجته الراحلة والتي حملها المركب إلى الجانب الآخر من الحياة، ويظهر في بنائه وفكرته تأثر حنين الواضح بمركب الشمس عند قدماء المصريين، بالإضافة إلى قطع نحتية صغيرة توثق تجارب مختلفة في مشوار حنين النحتي. وأضيفت قاعة جديدة إلى المتحف في عام 2019 تضم لوحات آدم حنين ليصبح المتحف حاضنة لتجربته الفنية بالكامل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.