}

شغف شمس الدين بلعربي بالملصقات يقوده إلى هوليوود

صدام الزيدي صدام الزيدي 16 يونيو 2020
تشكيل شغف شمس الدين بلعربي بالملصقات يقوده إلى هوليوود
شمس الدين بلعربي مع ملصق فيلم من تصميمه

وجد الرسام والفنان التشكيلي الجزائري، شمس الدين بلعربي، نفسه متصالحًا مع العزلة في ظروف انتشار وباء كورونا، فانهمك في تصميم ملصق إشهاري لفيلم سينمائي عالمي يضاف إلى حزمة ملصقات سبق له إنجازها في السنوات الماضية، إضافة إلى الاشتغال على رسومات ولوحات تشكيلية. بلعربي هو آخر عربي وأفريقي يصمم ملصقات أفلام السينما بالطريقة التقليدية الكلاسيكية، في وقت حملت فيه التكنولوجيا الرقمية هذا النوع من الفن إلى المتحف، وفتحت الباب واسعًا لآلية تصميم جديدة تقوم على البرمجة والإبداع إلكترونيًا.
أنجز شمس الدين منذ سنة 2014 تصميم 14 ملصقًا إشهاريًا لأفلام عالمية، نذكر منها  WATCH THIS ،HONOR ،THE NEWS ،GARRA MORTAL ،THE BOX ،ROBOTS AND ALIENS، وملصقات أخرى. منتجون عالميون ما زالوا يتواصلون به لتصميم ملصقات أفلامهم ومشاريعهم السينمائية، وإن أنجزت على الطريقة الكلاسيكية، إلا أن إبداعه في التصميم ينفرد بلمسة عصرية خاصة تنال إعجابهم، وهذا ما قفز برسام جزائري مغمور إلى النجومية، إذ يكون، غالبًا، العربي الوحيد في طاقم فيلم سينمائي بمواصفات عالمية من بطولة نجوم هوليوود.
عملية تصميم ملصق واحد قد تأخذ من الفنان بلعربي من خمسة عشر يومًا إلى شهر، تشمل الفكرة والتخطيط والرسم والتركيب وكتابة العنوان، وصولًا إلى اللمسة الأخيرة، لكن شغف الرجل وتعلقه بهذا الفن تعود جذوره إلى شغف قديم، إذ استهوته حصة الرسم في الصفوف المدرسية الأولى، فكانت أهم مما سواها، ولاحقًا كان يعود من رعي الأغنام حاملًا جريدة، أو صحيفة تحتوي صورًا لنجوم السينما العالمية، وملصقات إشهارية لأفلام، عادة ما يعثر عليها

مرمية بمحاذاة الطريق، ليقضي معها قصة محاكاة ومحاولات لرسم الوجوه، بأدوات رسم بدائية خاصة بالأطفال لا تزيد عن الألوان المائية والطباشير، فهو من عائلة فقيرة، وليس لديه مال كافٍ لاقتناء أدوات رسم حديثة. رويدًا رويدًا وجد نفسه يكتب الرسائل إلى شركات إنتاج عالمية، متحديًا لحظة عوز وعزلة جغرافيا. ومن هنا بدأت الانطلاقة الأولى مع فن تصميم الملصقات (أفيش بالفرنسية.. بوستر بالإنكليزية)، عندما تلقى ردًا من أحد المنتجين الأميركيين، أسند إليه مهمة تصميم ملصق فيلم يشتغل عليه، وكانت البداية والامتحان معًا...
قبل ذلك، في طفولته، أعاد شمس الدين رسم كثير من ملصقات الأفلام الشهيرة، منها فيلما "الرسالة"، و"عمر المختار"، للمخرج مصطفى العقاد، رحمه الله، كما أعاد رسم ملصقات أفلام أبطال الحركة، مثل فان دام، وجاكي شان، ومايك تايسون.

 

مراسلات وانتظار
لم تكن البداية محمولة على طبق من ذهب، لأن تصاميم ورسومات كثيرة بعثها شمس الدين بلعربي في سياق تواصله مع شركات إنتاج حول العالم لم تكن لتلقى استحسانًا وتفاعلًا فوريًا... فكان عليه أن يواصل مراسلة المنتجين والشركات في هوليوود. وبعد سنوات من الشغف والإصرار معًا، تشكلت ملامح البداية في حياة رسام عليه أن يجرِّب فن تصميم

"البوستر". يقول بلعربي متحدثًا لـ"ضفة ثالثة" عن حكاية إنجاز ملصق الفيلم الأول: "واصلت إرسال الرسومات إلى شركات الإنتاج السينمائية في هوليوود، وبدأ الناس (هنا) ينعتونني بالمجنون، لكني واصلت المثابرة والعمل.. مرت سنوات ولم أتلق أي رد، وبعدها دخلت في مرحلة صعبة جدًا، إذ شرعت أعمل في المعامل، فتدهورت صحتي، وأدخلت المستشفى لمدة ثلاثة أشهر. بعد خروجي من المستشفى، بدأت صحتي تتحسن تدريجيًا. وفي أحد الأيام، وصلتني رسالة من أحد المنتجين الأميركيين، قال فيها إنه أعجب بأعمالي الفنية، وقدمها إلى منتجين ومخرجين في هوليوود. ومن هنا بدأت المغامرة: تلقيت طلب إنجاز ملصق إشهاري لفيلم بعنوان "watch this"، والفيلم من بطولة الممثل الأميركي الشهير"Harrison page".

ثلاث ملصقات لأفلام من تصميم الجزائري شمس الدين بلعربي 

نال الملصق إعجاب المنتجين هناك، والجماهير حول العالم. بعدها تلقيت طلبات من منتجين وشركات أخرى، كما أنه تم تسجيل اسمي في القاموس العالمي للسينما (IMDB)، كآخر فنان في العالم العربي، وآخر أفريقي، ما زال يصمم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، أي عن طريق الرسم والفن التشكيلي. بعدها، دعاني الممثل الهوليوودي الشهير TONG POO إلى لقاء خاص على هامش المهرجان الدولي للفيلم في مدينة الدار البيضاء المغربية، وتم تكريمي من قبل نجم الملاكمة والكوميديان البلجيكي JIMMY GOURAD،  يضيف بلعربي.

 

ملصق للسينما الجزائرية
مؤخرًا، تلقى بلعربي طلبًا لإنجاز ملصق لفيلم جزائري، وهو يعمل على الملصق حاليًا، ويأتي هذا التواصل بعد طفرة نجومية حققها عبر تصميمه لـ"أفيش" حزمة أفلام عالمية. وإلى ذلك،

يواصل "فنان الأفيش العربي الوحيد/ والأخير" شغفه الإبداعي، بعد سنوات من التضحية. يقول بلعربي: "في البداية، عملت مجانًا لكي تشتهر أعمالي عند المخرجين والمنتجين، وبعدها عملت بمبلغ رمزي كنت أتلقاه من بعض الفاعلين في مجال السينما، لقاء تصاميمي. وأعمل، الآن، على ملصقات لأفلام كبيرة سوف تنجز في نهاية العام الحالي. الشغف هو من شكل بداياتي، ولا بد أن هناك مقابلًا ماديًا لقاء هذا الشغل، بحسب إيرادات كل فيلم".

 

ملصق جديد
حيث يقيم في مدينة مستغانم - بلدة عين تادلس، يعمل شمس الدين بلعربي، حاليًا، على ملصق الفيلم الوثائقي التاريخي (Chinese Hercules: The BOLO YEUNG Story) . في هذا الفيلم يحكي فيه الممثل الأسطورة، بولو يونغ، عن مسيرة حياته السينمائية منذ بدايتها إلى اليوم، كما أن الفيلم يتحدث عن كواليس فيلم "عملية التنين"، حيث اشتغل مع الأسطورة بروس لي، وسيحكي عن أهم محطات حياته الفنية الطويلة، وعن سجل أعماله، بالإضافة إلى أنه سيشارك في الفيلم كثير من نجوم هوليوود الذين شاركوا وعملوا إلى جانبBOLO ، من بينهم الممثل الشهير، ريتشارد نورتون، والممثل والبطل العالمي، دون ويلسون، وكثير من الممثلين. هذا الفيلم من إخراجPAVEL NYZIAK ، ومن المقرر أن يُصوّر في هونغ كونغ، وفي الولايات المتحدة الأميركية. "للإشارة، أنا العربي الوحيد المساهم في هذا العمل الضخم"، ينوه بلعربي، مبينًا أنه في فترة الحجر، وفي ظروف انتشار عدوى كوفيد-19، يشتغل على ملصق هذا الفيلم كما يشتغل في الوقت نفسه على رسم لوحات فنية تشكيلية.
ومتحدثًا عن "عزلة الفنان"، يذهب شمس الدين بلعربي إلى القول إن: "الفنان التشكيلي لا تؤثر عليه الأزمة الكورونية كثيرًا، لأن طبيعة عمله تتخذ طابعًا منزليًا. كما أن "الفنان التشكيلي يحب العزلة، حتى يجد الهدوء المناسب لبناء الأفكار والعمل بتركيز. من ناحية أخرى، لا يجد الفنان متنفسًا له لأخذ قسط من الراحة والخروج إلى الشارع. ومن هنا يبقى حبيس ورشته، وهذا يبعث جوًا من الملل، لابد".

 

فنٌ في المتحف
يتطلع شمس الدين بلعربي لفتح مدرسة في العالم العربي تستقطب كل المواهب الشابة التي لم تجد فرصة لتفجير طاقتها الفنية. وعن واقع "فن الأفيش" عربيًا وعالميًا، يرى بلعربي أن هذا الفن الكلاسيكي "بدأ يتراجع مع بروز التكنولوجيا الرقمية، لكن، عالميًا، تم تطويره، وأُسست مدارس لتعليم أسسه وأدواته"، مشيرًا إلى أن هناك كثيرًا من الفنانين أصبحوا معلمين لهذا الفن، مثل جون ألفين، ولورين مالكيت، وباتريك غانينوا، لكن بالنسبة للعالم العربي لا توجد مدرسة واحدة لتعليم هذا الفن، وبات مكانه المتحف. وبما أنني حاليًا العربي والأفريقي الوحيد الذي مازال يصمم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، أي عن طريق الرسم، أتمنى أن يتم الاهتمام بهذا الفن الجميل، ومساعدتي لفتح مدرسة فنية للشباب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.