}

الموسيقى التي تقاوم كورونا

أسعد عرابي 9 يونيو 2020
موسيقى الموسيقى التي تقاوم كورونا
عرض باليه من تصميم الفرنسي موريس بيجار
قسمت هذا المقال إلى جزأين متناظرين، يصل بينهما ما يتواصل بين التقرير الصحي، وقائمة الأدوية، أو المعالجات الطبية. فالمرض الأول يتمثل في الانزواء بين الجدران مخافة بطش الفيروس المستبد (مثل بعض الحكام العرب). أما ترياق هذا الحصار، فهو ببساطة مختارات من جعبة مكتبتي الموسيقية، تشفي غليل علّة الحال النفسية قبل الجسدية.

1 ــ الداء كورونا:
لم يصدق محجورو باريس أن خلوتهم القسرية القهرية قد أفرج عنها. (حتى لو حلفت السلطة ألف يمين ويمين). لعلّ هذه الكذبة موجهة للإغراء السياحي الذي لا حول له ولا قوّة. فقارتي السياحة، آسيا وأميركا لا يملكان سوى الالتصاق بغراء مصيبتهم المحلية (الصحية والمعيشّية)، والبحث العبثي عن حفائر للموتى في خلوات المدن.
ــ لا تزال، يا أعزائي، مفاتن باريس السياحية وسواها محجورة محجوبة بالأقنعة، ترفل في القفازات الواقية، وتتوضأ بأنواع المعقمات والمطهرات كل نصف ساعة، هو الإيقاع العزلوي الجهنمي الذي يثبت أننا محكومون بالعيش والتعايش مع شيطان كورونا: لا نراه، ولكنه يرانا، لا نعرف عنّه شيئًا (سوى منجل الموت والحصاد الجماعي)، ولكنّه يعرف خلايا أجسادنا

(خاصةً الرئوية)، كما يعرف وجهه في المرآة.
تمنع أنظمة الحجر الهروب إلى الغابات والشواطئ، وضفاف الترع والشلالات والسهول والجبال ومعارج المدينة وأسواقها. كل ما فيها ممنوعٍ ليس فقط تجمعات السينما والمسرح والأوركسترا والغناء وكل ما يُبهج الروح، لنتخيل مصيبة باريس دون مقهى! ودون بارات، ومحطات استراحةٍ في حدائق اللوكسمبورغ والتويلري والكونكورد! ما إن تراجع ضجيج السيارات والتّلوث حتى بدأت الأجناس الحيّة تستعيد مواقعها في الفراغ الذي انتزعه منها الإنسان، بسلاح التقدم والحداثة برمزيها الأوتوروت والمطارات. أقول حتى عادت انفجاراتها بأشد مما كانت، لكن الحجر الصحي لم يُرفع؟ كذب، وحلّ محل المطعم الوجبات الغذائية الجاهزة الاستهلاكية السيئة التحضير (وبأسعار فلكية)، ناهيك عن شيوع الألبسة والأقنعة الكورونية وخوذتها البلاستيكية، تشيع غربة العيش الخطر في كوكب المريخ المحروم من الجاذبية الإلكترونية، والفضاء، والأكسجين، وكل أسباب الحياة. تغرق مدينة النور في حداد مستديم. فقدت القدرة على العناق، وتبادل القبلات، واللقاءات. إن ما هو أشد مرارة (لأختم به هذا الفصل) هو منع الأجداد (وهو حالي) من لقاء أحفادهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وبصورة مفاجئة وقطعية، لأن المختصين يؤكدون على أن الصغار ينقلون العدوى بسهولة، ولا يصابون بها. بعكس المتقدمين في العمر، يتلقفونها بترحاب وهنهم حتى الموت. كثيرون مثلي، ومثل زوجتي، فضلنا العدوى والموت على مأساة الانقطاع عن الأطفال: كائنات المستقبل والأبديّة.

2 ــ الدواء: الموسيقى
لا يمكن مقاومة هذا الحصار الاكتئابي إلّا بعكسه: "الغبطة الموسيقية" بشمولية أعراقها وأصولها: من ذروة وجد ("سماعي" المقام العربي الإسلامي)، إلى عدمية الكافاليا الهندوستانية، (أو الراغا)، عبورًا من النرفانا البوذية (لواعج الزين واليوغا). ثمّ "الشيش مقام" في آسيا الوسطى (يتجلى في سماعي القوالين)، وهكذا. عبورًا من "كونتربوان" جان سباستيان باخ والباروك، والبقية الذين سيمر ذكرهم كمقترحات انتقائية شفائية، مرتبة وفق مألوف عاداتنا السمعية. قالوا قديمًا "من شبّ على عادة شاب عليها".
لن أبدأ من مصنفات التأسيس الموسيقي العربي للموصلي (بغداد)، وزرياب (قرطبة)، أو

الفارابي (الموسيقي الكبير)، أو الغزالي "آداب السماع" (في إحياء علوم الدين). وإنما من عصر التنوير، أو النّهضة، التي استمرت مع ابن الخديوي إسماعيل (مفتتح قناة السويس)، وهو الملك فؤاد. هو الذي عقد آخر مؤتمر للموسيقى العربية عام 1932 ميلادي، وجعل على رأس قسم الاستماع أعظم موسيقي عالمي معاصر (من أصل هنغاري)، هو بيلا بارتوك. هو الذي بعبقريته التوليفية قاد إلى جدل جوهري حول إمكانية إعادة توحيد الموسيقى الأفقية (اللحنية الشرقية) مع الموسيقى العمودية للبوليفوني، مع استمرار الحوار مع أساطين الأدوار والسماعي والوصلات: السنباطي - زكريا أحمد - أم كلثوم - صالح عبدالحي، وسواهم، توصل عند عودته إلى بودابست إلى صيغة توفيقية عُرف بها. سيجد القارئ المهتم وقائع المؤتمر ومحتوياته الموسيقية في الإنترنت على موقع: مؤتمر الموسيقى العربية 1932م - القاهرة - تسجيلات مختارة (المكتبة الوطنية الفرنسية).
لن يندم القارئ المدرب على متابعة مقترحاتي الموسيقية، فهي انتقائية، وليست إقصائية. في عام 1944 ميلادي، صدّر المختص بالموسيقى العربية، الفرنسي فريدريك لاغرانج، أسطوانة ضمن مجموعة: أرشيف الموسيقى العربية خص منها خمسة أدوار لسيد درويش، وعدها أجمل ما لُحّن وغنى في الموسيقى العربية النهضوية. العنوان بالفرنسية:
Sayed darwich - la musiquelogue : Fredric Lagrange 1944، ثم تصدر أسطوانة من أعمق ما أنشد لطفي بوشناق (تونس) عام 2002. بالفرنسية.SFB - Lotfi Bouchnak - Live in Berlin - Tunisia Wecmmusik Wergo.
أحب أن أودع مساهمة موسيقانا عن طريق شراكتها بفن الرقص المحرم حشماوتيًا واجتماعيًا اليوم، أحد أبرز تلاميذ الشيخ محي الدين ابن عربي، وهو مولانا جلال الدين الرومي، الذي استقر نشاطه الإنشادي والصوفي والمولوي في قونية، ليؤكد بأن "كثير من الطرق تقود إلى الحق، أما أنا فقد اخترت طريق الموسيقى والرقص".

سيد درويش (1892 - 1923)

الراقص الفرنسي الاستثنائي في موهبته "السينوغرافية"، موريس بيجار، ينخرط في "ذوقية" جلال الدين الرومي، ويؤلف فرقته في لوزان، حتى أصبح أشهر راقص محدث وصديق للموسيقى والرقص العربيتين. من أبرز أعماله المطبوعة تلك التي تمثل رحلة موسيقية حول العالم، متضمنة غناء لواعجي صوفي لأم كلثوم "تائب تجري دموعي ندمًا" يصاحبها رقص صوفي من تصميم بيجار.
خصّ لبنان بمحطة لإحدى حفلات هذا البرنامج، فقامت قيامة الإسلاميين بقيادة مفتي طرابلس، وطالبوا بإيقاف العرض، لأن صدور الذكور عارية، وفقد لبنان بذلك أبرز أصدقاء ثقافته. أقمت بعد عام معرضًا في بيروت بعنوان "تحية إلى موريس بيجار" (عام 2008) بالغ العناية

والاستلهام من أسلوبه في الرقص. يجده القارئ في الإنترنت، أو المكتبات، تحت عنوان:

DVD :M. Béjart, Ballet Lausanne - Le tour du monde en 80 minutes. 2008.
إذا راجعنا من جديد بيلا بارتوك نعثر ضمن حساسيته الغربية في كونشرتات البيانو (بما فيه العزف المزدوج على البيانو من الإيقاع) على نسمات رخيمة من هبات الألحان الشعبية المشرقية التي يعانقها أرشيفه، وذلك رغم حداثته المتطرفة المستقبلية في مختبره الصوتي الذي تفرعت عنه الموسيقى الإلكترونية، وإيقاعات "البربروس". أعماله متوفرة خاصة كونشيرتو البيانو الأول والثاني، مواطنه كوزاي مختص بعزفه.
في عام 2009 – 2010، أقام شنكار، وهو أشهر عازف آلة سيتار هندي في باريس، حفلة موسيقية تربوية يشرح عبرها أصول الموسيقى الهندية ما بين رقص وموسيقى معابد الشمال الهندوستاني ونظائرها في الجنوب (الراغا). مع إيقاعاتها البالغة التحول والتعقيد، رافقته ابنته العازفة آنوشكا، (مسرح باييل الأرحب)، كان حدثًا بركانيًا قبل وفاته، أكد فيه على أنه لا يمكن أن نحدّث الموسيقى ونعصرنها إلّا إذا كنا نعرف تفاصيل تقاليدها الراسخة. وبيعت الملايين من الـDVD الذي طبع عن هذه السهرة النادرة. يجده القارئ تحت عنوان: RAVISHANKAR: l'extraordinaire Leçon. (the extraordinary lesson).
=أما الـDVD الأشد ندرة، والذي لا يقدر يثمن يدعى: "La Dance de l'enchanteresse"  فيوثق موسيقى ورقص المعابد الأنثوية (الراغا) في الجنوب عام 2007 – 2008. ونجده على  موقع www.filmsduparadoxe.com - فيلم فيديو.

عازف السيتار الهندي الراحل رافي شانكار (npr.org)

أما الديسكات والـDVD الغربية الكلاسيكية فسأختم بها هذا القسم، لأني على ثقة بأن القارئ يعرف عنها مثلما يعرف المختص الكثير، مع سهولة الحصول على أصولها في مكتبات الفناك وسواها. اخترت مع ذلك هذه الأمثلة القليلة ليس لندرتها، وإنما لشدة عزيمة تأليفها في مجابهة كآبات الكورونا، وعلى رأسها واحدة من أجمل ما ألف راحمانينوف من سيمفونية تدعى بالراقصة: Sergi RAHMANI NOV Symphonic Dances OP 45
2010 Berliner Philharmoniker - Simon Rattle
أما القائد الأميركي العبري: برنشتاين، فقد قاد قبل وفاته أربع سيمفونيات للمؤلف جان سيبيليوس نجدها باثنتين DVD:
Leonard Berenstien - Wiener. Ph Sibelius 1865 - 1957
.2010  سجل في عام 1991، وطبع في عام Unitel Classica C Major   

سأختم المقال واللائحة الموسيقية بعازفة البيانو البرتغالية الأولى في القرن العشرين: ماريا بيريز (1944 لشبونة). توقفت هذا العام عن العزف، لكننا نحتاج إلى مكتبة كاملة لنوفيها حقها، ابتدأت بالاختصاص على بيانو موزارت، ثم شوبير، ثم عادت إلى جان سيباستيان باخ في عملين: Suit English N3 - Suit French N2، وهي ضمن مجموعة ألفتها لتدريب طلبتها. لا شكّ بأن أكبر تكريم لها كان تكريس ماريا بقية حياتها لتأويل أعمال باخ الشمولية. آمل أن تسمح مشاغل القارئ بسماع هذه القائمة، أو بعضها على الأقل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.