}

"الهم العربيّ" بطل "كان" الافتراضي لـ"جوائز الأفلام العربية"

وائل سعيد 10 يوليه 2020
سينما "الهم العربيّ" بطل "كان" الافتراضي لـ"جوائز الأفلام العربية"
ملصق متداول للفيلم التونسي "نورة تحلم"

تأثرت الدورة 73 لمهرجان كان السينمائي الدولي، كمعظم المهرجانات العالمية هذا العام، بجائحة كورونا، التي تسببت في إلغاء مهرجانات عديدة، إلا أن مهرجان (كان) حاول جاهدًا تمرير هذه الدورة الجديدة بأقل الخسائر الممكنة، فأطلق نسخة افتراضية جزئية منحت شعار المهرجان لعام 2020 لأكثر من 50 فيلمًا، وبموجب هذا الشعار تستطيع هذه الأفلام الصعود للمشاركة في مهرجانات عالمية أخرى.
لعل الفعالية الأكثر تحققًا في دورة هذا العام كانت مسابقة جوائز النقاد للأفلام العربية، التي ينظمها مركز السينما العربية، وتقام منذ عام 2015 على هامش المهرجان. وضمت لجنة التحكيم 141 ناقدًا من 57 دولة قاموا بالتصويت على ثمانية أفلام في القائمة النهائية

لترشيحات إنتاج 2019، وفازت فيها خمسة أفلام من ثلاث دول: حصل المخرج الفلسطيني إيليا سليمان على جائزتي أفضل مخرج، وأفضل فيلم روائي، عن "إن شئت كما في السماء". وحازت السودان على جائزتي أفضل فيلم وثائقي- "الحديث عن الأشجار"، للمخرج صهيب الباري، وأفضل سيناريو- "ستموت في العشرين" لأمجد أبو العلا. فيما حصدت تونس جائزتي التمثيل لأفضل ممثلة وممثل، فحصدت هند صبري جائزة التمثيل عن فيلم "نورة تحلم"، وحصد سامي بوعجيلة جائزة التمثيل عن فيلم "بيك نعيش".
تنوعت الأفكار والمواضيع المطروحة في الأفلام الخمسة الفائزة، كذلك مستويات أداء الممثلين، وصناع الفيلم، إلا أن ثمة خيطًا هامًا جمع في ما بينها، لا نستطيع حصره في أفكار محددة، كالقضية الفلسطينية، أو الأوضاع العربية، ولا حتى مشاكل القارة السوداء؛ ولعل "الهم العربي" هو ذلك الخيط الذي اجتمعت حوله الأفلام الخمسة.



"إن شئت كما في السماء"..
أزمة الإنسان المُعاصر
يأتي فيلم "إن شئت كما في السماء" للمخرج إيليا سليمان ليُكمل ثلاثيته الفلسطينية التي بدأها بـ "سجل اختفاء" (1996)، وتبعها بفيلميه "يد إلهية" (2002)، و"الزمن الباقي" (2009). ورغم أن الفترة الفاصلة بين الأفلام الثلاثة كانت حوالي سبع سنوات؛ فالجزء الرابع وحده صدر بعد عشر سنوات كاملة، مكنته من التخلص من سمة "المباشرة" التي هيمنت على الأجزاء الثلاثة.
في العموم، لا تسير هذه الأفلام وفق ما هو معهود في الأفلام المُجزأة؛ وكل ما يجمعها هو المخرج نفسه، على مستوى التأليف، وكتابة السيناريو، وشخصية (البطل) الصامتة في مراحل عمرية مختلفة، ولكن بمساحة أكبر في فيلمه الأخير. أيضًا، مسرح الأحداث فلسطين، وتحديدًا مسقط رأسه، الناصرة، وإن تخطى هذه المرة المكان، منتقلًا إلى فرنسا، وأميركا، ليعود إلى الناصرة مرة أخرى.

الممثل والمخرج إيليا سليمان في لقطة من فيلمه "إن شئت كما في السماء"        

يبتعد الفيلم كثيرًا عن الطريقة المعتادة في طرح القضية الفلسطينية؛ بجعلها مرتكزًا لرسم صورة أكبر لقضية جديدة بمعطيات هذا العصر، حيث يتساوى الجميع في المعاناة، ما يغري بصنع عالم ساخر ومفارق، بدءًا بالمشهد الافتتاحي لموكب من المصلين يرددون ترتيلة "المسيح قام من بين الأموات، وداس الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور"، يتقدمهم الكاهن وبعض الرهبان، في طريقهم هابطين درجات بعد درجات (رغم أن المجد في الأعالي)، ليصلوا في النهاية إلى بابها في الأسفل، الذي من المفترض أن يقوم بفتحه خدَّام من الداخل حين يصيح الأب "ليدخل ملك المجد".
لا أحد يجيبه، حيث يتبين أن من في الداخل في حالة سُكر تجعلهم يمتنعون عن المشاركة ككل

مرة في إتمام الطقوس، فلا يجد الأب مفرًا من خرق ذلك الجدار الإيهامي، بتحطيم الباب الجانبي للكنيسة، ليضرب السكارى، كما يظهر من الأصوات القادمة من الداخل، ثم يفتح الباب داعيًا موكب المصلين للدخول.
ينقسم الفيلم إلى عالمين مختلفين: عالم النشأة "فلسطين"، والعالم الحالي الذي يتنقل عبره "فرنسا، أميركا"، في رحلة بحث عن تمويل لفيلمه الجديد، تعتذر فرنسا عن إنتاجه، لأن ما يطرحه الفيلم يختلف تمامًا عن طريقة طرح القضية الفلسطينية؛ فكل ما ورد فيه من معاناة يحدث في أي مكان، مع التأكيد على موقف فرنسا الداعم للفلسطينيين. في حين يسخر الجانب الأميركي من فكرة الفيلم وعنوانه "السلام في الشرق الأوسط"، وتخبره مُنتجة الشركة بأن فيلمًا بهذا العنوان لا بد وأن يكون كوميديًا.
يعقد المخرج سلسلة من المقارنات بين هذين العالمين: ففي بلده يضيق بجاره المقتحم، وزحمة الشوارع بشباب المقاومة، والعداء غير المبرر من بعض المواطنين، فيما تمتلئ شوارع باريس بالبشر، ولكنهم معزولون عن بعضهم بعضًا، ولا يخلو عالمهم الباهر من العدائية التي يصوبها له أحد الشباب في عربة المترو أثناء تجواله.
غلبت اللقطات الواسعة على افتتاحيات المشاهد، ولما كانت جميع المشاهد تُسرد من وجهة نظر واحدة "المُخرج"، فقد حافظ على وضعية ظهوره في منتصف الشاشة تمامًا، مستخدمًا ذلك في اللقطات الواسعة والمتوسطة، وحتى إن كانت "كلوز أب  "Close Up لقطات قريبة جدًا.
تخدم هذه المركزية الفكرة على مستويين: أولهما تقصي أفضل وضعية للرؤية العادلة، بغرض الحكم المجرد على الأشياء، وفي الوقت ذاته ترسخ هذه المركزية لحالة من الحيادية التامة إزاء ما يحدث؛ على الرغم من انفعالات البطل في استقبال بعض الشخصيات، أو المواقف، عبر سير الأحداث، والإدانة الموجهة حتى لنفسه، فمع شيوع الألم، بات من المضحك البحث عن عالم بلا آلام، إن شئت ذلك؛ فهو في السماء!



السينما السودانية.. مرثية ومقاومة
"ستموت في العشرين".. فخ الشكل والمضمون
"ستموت في العشرين" هو أول فيلم روائي طويل للمخرج السوداني الشاب أمجد أبو العلا، اشترك في كتابته مع السيناريست يوسف إبراهيم. بدأ أبو العلا مشواره الفني منذ مطلع الألفية الجديدة بعدد من الأفلام القصيرة حاز بعضها على جوائز عالمية، ومنها ما عده النقاد عودة للسينما السودانية، عن طريق الإنتاج المستقل.
السيناريو عن قصة "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب السوداني حمور زيادة، ويبدأ بذهاب سكينة (إسلام مبارك) بابنها الرضيع مزمل (مصطفي شحاتة) لمباركته عند أحد الأولياء الذي يقبع ضريحه عند قدمي الجبل. أثناء المباركة، تحدث حالة وفاة فجائية لأحد المُريدين، فيخبرها خادم الضريح أن هذا نذر معناه بأن ولدها سيموت وهو في العشرين من عمره (لا نعلم لماذا 20 تحديدًا؟). تعيش الأم وابنها في ما بعد في ترقب الموت، وانتظاره طوال عشرين عامًا، وينغلقان على بعضهما في مواجهة الموت، وغياب الأب، الذي يختفي من حياتها فور إعلان النبوءة، ولا يعود إلا والطفل على مشارف العشرين.

من الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"                         

الفيلم أيضًا هو السابع في تاريخ الفيلم الروائي في العموم للسينما السودانية، ويأتي بعد غياب طويل قارب عشرين عامًا بعد آخر عرض لفيلم سوداني. تاريخ طويل من الحصار والمقاومة للسينما السودانية سيتعرض له الفيلم الوثائقي "الحديث عن الأشجار"، وهو من إنتاج العام الفارق للسينما السودانية 2019. على ذلك، تم استقبال العملين بحفاوة تتجاوز التقييمات الفنية قليلًا، وتزخر بالمشاعر.
استطاع المخرج التماس مع عالم الميثيولوجيا الأفريقية، من خلال عدة موتيفات، كالجبل،

الموت، النبوءة، هيمنة الخرافة وتسلطها. وتضفير ذلك بالموروث الديني الشعبي بداية من اسم البطل "مزمل"، باستحضار حالة الرسول أثناء نزول الوحي، ثم الإحالة لشخصية مريم العذراء، وتضفيرها مع الأم سكينة، بتغييب الأب.
إلا أن ذلك ظل على مستوى الشكل إلى حد كبير؛ تماس من الخارج، من دون الغوص فيه. وهو لا ينفي وجود معالم واضحة لمخرج واعد يملك القدرة على تحريك واستخدام أدواته، فمن خلال الصور البصرية لأماكن التصوير استطاع استخدام مفردات البيئة الصحراوية استخدامًا ملائمًا، ملاحقًا عدسته بانسياب يلائم انسيابية الرمال المترامية على مدى البصر، وتعامل برهافة محترفة مع بعض المسكوت عنه في علاقة الأم والابن، وسيطرة فكرة الأسطورة على القرية.

 

"الحديث عن الأشجار"..
قبلة الحياة للسينما
تأتي السينما الوثائقية في المرتبة التالية في اهتمام الجمهور، ولكن ليس في تلك الحال، فالجمهور السوداني متعطش للسينما منذ عقود، والمخرج الشاب، صهيب الباري، بفيلمه الوثائقي "الحديث عن الأشجار"، يعود بالانتاج السينمائي السوداني إلى الحياة بعد غيابٍ طويل.
يتبع الفيلم رحلة أربعة مخرجين قدامى في محاولة لإعادة الحياة إلى السينما السودانية من خلال البحث عن دار عرض يمكن افتتاحها في مدينة "أم درمان"، بعد أن تم غلق دور العرض والمسارح عقب حكم البشير أواخر الثمانينيات. يستعين المخرج بأربعة أسماء حقيقية من جيل الرواد: إبراهيم شداد، وسليمان إبراهيم، والطيب المهدي، ومنار الحلو، الذين جمعتهم صداقة قديمة، وتشابه في التجارب والمصائر؛ حيث درسوا جميعًا السينما خارج البلاد، وعاشوا بعيدًا بسبب الملاحقة المستمرة للنظام، فيما حصدت أفلامهم تقديرًا دوليًا وعالميًا.
ينطلق الفيلم من قصيدة للشاعر الألماني، برتولت بريشت، بعنوان "أولئك الذين ولدوا لاحقًا" يقول فيها: "أي زمنٍ هذا؟ الحديث عن الأشجار فيه يوشك أن يكون جريمة، لأنه يعني الصمت على جرائم أشد هولًا".

     من الفيلم السوداني "الحديث عن الأشجار"                               

تجولت الكاميرا في شوارع المدينة وحواريها، ناقلة تفاصيلها الكثيرة، وعوالمها الصاخبة التي لا تتلاءم مع حالة الموات المطروحة. واتَّخذ المخرج بعض الرموز البصرية في صناعة

المشاهد برهافة تخدم الشعور الدرامي، كاستخدامه أمتارًا من الشرائط السينمائية ملقاة وسط خراب دار عرض مهجورةـ كمعادل لأمعاء خرجت من جسدها بعد التحلل، كما يُشبه الأصدقاء الأربعة بالأشجار التي تموت واقفة.
فيما يأتي استحضار الجِمَال كرمز مواز للشخصيات، بوسعه اختزان مؤونته، والعيش على الاجترار في أيام الجدب، وهو ما تم بالفعل مع المخرجين الأربعة، فهم يجترون أحلام الشباب السينمائية. وفي حديث إذاعي حول وضع السينما السودانية؛ يُصرح أحدهم بأن "السينما ماتت موتًا طبيعيًا".
في نهاية المطاف، يعثرون على مبنى لسينما قديم يُدعى "الثورة"، فيقررون البدء في ترميم وإصلاح هذه الثورة المهجورة منذ عقود. وأثناء ذلك، يصطدمون بحقيقة تقدمهم في العمر، وبأن الجهد المبذول في إعادة الإحياء يفوق قدراتهم البدنية الآن، وأنهم في حاجة إلى مساعدة جيل الشباب من السينمائيين، هذا الجيل الجديد القادر على إعطاء "قبلة الحياة" للسينما، لا سيما وهي تبدأ من جديد، حيث افتتحت سينما الثورة بعروض للأفلام الصامتة القديمة؛ إشارة إلى الميلاد الجديد، ولو بأقل الإمكانيات.



"نورة تحلم" و"بيك نعيش"..
 ميلودراما تونسية
تنحاز الكاتبة والمخرجة التونسية، هند بوجمعة، إلى النسوية "الجندرية"، عبر فيلمها الأخير "نورة تحلم"، الذي كتبت له السيناريو أيضًا. وفيه تناقش قضية انتهاك حقوق المرأة، من خلال قصة نورة (هند صبري)، المرأة العاملة في مغسلة إحدى المستشفيات، والأم لثلاث أطفال تعاني في تربيتهم، وفي حمايتهم من مضايقات المحيطين بها، في ظل غياب الزوج جمال

(لطفي العبدلي) المحكوم عليه بالسجن. يركز السياق الدرامي على مدى حاجتها النفسية والجسدية للحب والشعور بالأمان، مما يجعلها تقع في علاقة مع زميلها في المستشفى، الأسعد (حكيم بومسعودي)، الأمر الذي يضيف إلى حياتها عبئًا جديدًا لإخفاء هذه العلاقة عن العيون.
يبدأ الفيلم بابتسامة نورة (هند صبري) أثناء حديثها في المحمول، كلوز أب على فمها تحديدًا، وأسنانها الظاهرة من انفراجة الابتسامة. تتوالي اللقطات التعريفية للشخصية من خلال تجزيئها؛ جانب الوجه، مداعبتها لشعرها، وعينيها الضاحكتين من الفرحة، صورة مغايرة تمامًا لما ستكون عليه الشخصية طوال الفيلم، من تجهم وحزن وترقب مستمر، وخوف مجهول.
يخرج الزوج من السجن بعفو رئاسي قبل انقضاء المدة، فتنقلب حياة نورة، التي تجد نفسها متهمة من قبل الحبيب، وفي الوقت نفسه تعاني من شكوك زوجها أمام مشاعرها الرافضة له، لكنها لا تستطيع مصارحته.
غلب على الفيلم الطابع المأساوي الميلودرامي في تناول قضية تلك المرأة الكادحة؛ الأمر الذي أثر كثيرًا على أداء هند صبري، الذي شابه بعض المباشرة الانفعالية، لا سيما حين تتصاعد الدراما، ونرى وطأة الانتهاك الذكوري عليها لتصبح منتهكة لنفسها هي الأخرى؛ فحين يعلم الزوج بعلاقة زميل العمل يدبر لها كمينًا، وتساعده هي مضطرة بمكالمة تليفون، يثأر الزوج من غريمه بمعاونة بعض الأصدقاء، وذلك باغتصابه بكراج سيارات، فيقوم الحبيب بسرقة محتويات الجراج، وبالتالي يساق الجميع إلى قسم الشرطة، وهناك تتفاجأ نورة بموقف زميلها العدائي، ومن بعده إدانتها بجرم العشق من قبل الزوج والشرطة، وحتى أطفالها، ثم يتخلى عنها نهائيًا في مواجهة أخيرة، رافضًا استمرار علاقتهما.
يُحسب للفيلم طرح هذه العلاقة الشائكة بين الزوجة وزميلها في العمل؛ إلا أن المخرجة تنهي الفيلم بمكالمة تليفون أخرى مجهولة إلى نورة في بيتها، وسط أولادها، في الصباح عقب استيقاظها من النوم، تعاودها الابتسامة من جديد، ما يترك مساحة بين التخييل والواقع، ما إذا كان ما مرت به مجرد حلم، أو أنه الحلم الذي يراودها ولا يتحقق.
علي جانب آخر، يُقدم المخرج مهدي البرصاوي ميلودراما مغايرة في فيلمه الروائي الأول "بيك نعيش"، والسيناريو للمخرج نفسه. وهي سمة تكررت في أكثر من فيلم هذا العالم، من خلال طرح مأساة إنسانية تتعلق بحياة الابن الوحيد لإحدى العائلات الصغيرة العائدة من فرنسا عقب اندلاع ثورة تونس في 2011، مُسلطًا الضوء على بعض التغيرات المجتمعية والثقافية التي لحقت بالشعب التونسي.

لقطة من الفيلم التونسي "بيك نعيش"                 

يعود الأب فارس (سامي بوعجيلة) بصحبة زوجته مريم (نجلاء بن عبد الله)، وابنهما الطفل عزيز (يوسف الخميري). ولما كان ينتمي إلى الطبقة البرجوازية، فقد كان مسكنهم يقبع في غرب تونس، وهي منطقة تخص الأغنياء كثيرًا. وحين يقررون قضاء عطلة في الجنوب،

تتعرض سياراتهم لإطلاق نار على الطريق من قبل مسلحين، وتصيب الطفل رصاصة طائشة يفقد على أثرها 80% من كبده، ليعاني الأبوان طوال الفيلم في بحثهم عن متبرع لإنقاذ طفلهما، الأمر الذي يزج بهما في عالم تجارة الأعضاء الخفي.
استخدم الفيلم الرمزية على مستوى أسماء الشخصيات الرئيسية، بداية من اسم الأب فارس، الذي يحمل معاني الفروسية والنبل القديمة التي لم يعد لها مكان في هذا العالم الملوث، ثم اسم الطفل عزيز، وتماسه مع اسم البوعزيزي، مُفجر الثورة التونسية، ومن بعدها الربيع العربي، بانتحاره حرقًا جراء صفعة من شرطية في النظام القديم لزين العابدين بن علي، فيما تأتي حادثة الطفل لتفتح عالمًا خفيًا لتجارة الأعضاء البشرية التي يُستخدم فيها أطفال مهجرون من بلدانهم بسبب الحروب. أيضًا، يحمل اسم مريم إحالة لاتهام العذراء بعد ميلاد المسيح؛ حين يكتشف الأب في النهاية بأن الطفل ليس ابنه الشرعي، لكنه لا يتردد في القيام برحلة إنقاذه رغم ذلك.
كما أشار السيناريو إلى الأطفال المنتهكين من قبل تجار الأعضاء البشرية بأرقام متسلسلة، من دون ظهور للأطفال أنفسهم؛ حيث لا يمثلون للتجار سوى صفقات لجني المال، واستبدال أرقامهم المتسلسلة بما يعادلها من أرقام المبالغ المالية المدفوعة في أعضائهم.
في رحلته مع قوائم الانتظار الطويلة للمستشفيات الحكومية، وبين السباق مع الزمن، لا يجد الأب أمامه سوى الاختيار بين حياة طفل مهجر، وبين حياة عزيز، فكبد الأول سيكون طوق إنقاذ للثاني، حياة مقابل حياة.
أصر مخرج الفيلم على زيادة جرعة الدراما في الأحداث، وحشد أكبر قدر من المشكلات المجتمعية، سواء على مستوى الأسرة الصغيرة، أو على مستوى المجتمع بأكمله؛  فبرغم أن الأسرة كانت خارج البلاد أثناء الثورة، إلا أنها لم تكن بذلك في معزل عن أخطارها، الأمر الذي تتبينه فور عودتها من الخارج. ومن جانبه، قام بطل الفيلم بوعجيلة بضبط إيقاع هذا التصاعد الدرامي المتسارع، من خلال أداء سلس يتماشى مع الحالة النفسية للحدث، من دون حدة، أو افتعال.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.