}

الثنائيات الغنائية بالموسيقى العربية: هل أبقى الرواد ما نقوله؟

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 4 يوليه 2020
موسيقى الثنائيات الغنائية بالموسيقى العربية: هل أبقى الرواد ما نقوله؟
تيسير، حجازي، الذهبي
بقيافة العمر العزيز، تُجري الفنانة الراحلة وردة اتصالًا هاتفيًا مع الفنان السعودي عبادي الجوهر، وتبدأ، وفق فيديو كليب الثنائي الغنائي (الدويتو) "زمان ما هو زماني" الذي قدماه عام 2012، بعد اعتكاف وردة الطويل وتوقفها عن الغناء، ببث شكواها من الزمان والخلّان، وتسأله إن كان يود أن يعرف علومها (أخبارها):

"عبادي لو تحب تعرف علومي ..... وكيف الهم من كاسه سقاني

على نفسي ترى عتبي ولومي ..... ولا بعتب ولا بشكي لثاني

أنا ايش اللي بقا لي غير يومي ..... لقيته في زمان ما هو زماني".

ليرد عليها الفنان الجوهر، بحسب الحوارية الغنائية (الديالوغ) التي كتبها لهما كاتب كلمات الأغاني طارش قطن، مخففًا عنها ومهدهدًا حزنها:

"يا وردة ما بها شيءٍ يدومي ..... دنيا والبشر فيها معاني

أحد تلقاه في سرّه كتومي ..... وأحد منه تعاني ما تعاني

ولا يهمك ولا نفسك تلومي ..... عزيزة يا صفا روح الأغاني".

تتوالى أحداث الكليب بعد ذلك، ويتوالى تماهي الكلمات مع المشهدية المقدمة، ليتجلى العمل بمختلف عناصره الدرامية والغنائية الموسيقية، بوصفه تمثلًا ساطعًا لبدايات الثنائيات الغنائية في نسختها العربية قبل زهاء قرن من الزمان، حيث بدأت، بمعظمها، داخل تجليات السينما المصرية، بقيادة عرّابها الأهم الموسيقار محمد عبد الوهاب، وبإنجاز رواد الغناء والتمثيل العربي عددًا لافتًا من الثنائيات الغنائية (الديو/ الدويت/ الدويتو/ الديالوغ)، ظلّ بعضها محفورًا في ذاكرة الأجيال التي تلت سطوع الجيل المؤسسين، مثل (حكيم عيون) الدويتو الذي كتبه حسين السيد وقدّمه عبد الوهاب مع راقية إبراهيم في فيلم "رصاصة في القلب" (1944): "حكيم عيون أفهم في العين/ وأفهم كمان في رموش العين/ أعرف هواهم ساكن فين/ وأعرف دواهم ييجي منين"، إلى آخر الدويتو/ الديالوغ المنوّع بين الحوار المحكي والمُغنّى، والمحمّل طرافة وجدانية وبساطة لحنية سهلة التلقي.
تجربة عبد الوهاب مع الثنائيات لم تقتصر على الدويتو الذي قدمه مع راقية إبراهيم، بل تواصلت مع ليلى مراد ونور الهدى وأسمهان ورجاء عبده وغيرهن، ومن ثنائياته: ديالوغ "ظال انتظاري لوحدي" كلمات أحمد رامي مع ليلى مراد من فيلم "يحيا الحب" (1937) الذي قدما فيه ثنائيًا آخر "يا دي النعيم اللي إنت فيه يا قلبي" أيضًا من كلمات أحمد رامي. وقبله مع نجاة علي قدم في فيلم "دموع الحب" (1935) ديالوغ "ماحلا الحبيب" الذي يُرجح بحسب معظم الدراسات المستند بعضها لحوارات مطوّلة أجريت مع موسيقار الأجيال، أنه أقدم ديالوغ لمحمد عبد الوهاب.

في فيلم "لستُ ملاكًا" (1946) قدّم محمد عبد الوهاب مع نور الهدى العدد الأكبر من ثنائياته مع مغنية/ ممثلة في فيلم واحد: "القمح"، "إضحكي وغنّي"، "شبكوني ونسيوني قوام/ وفاتوني ولا حتى سلام"، و"كنت فين تايه وغايب" في ختام الفيلم الذي لوحظ أن اثنتين من ثنائياته لم تحملا بعدًا حواريًا دراميًا: "القمح" و"شبكوني"، إذ اقتصر دور عبد الوهاب فيهما على ترديد مقطع كانت سبقته نور الهدى إلى غنائه، وافتقدت، بالتالي، الخصوصية، هنا التي يتحدث كثير من الموسيقيين حول ضرورة توفرها في الديالوغ الغنائي، أي بمعنى مراعاة الملحن حين يشرع بتلحين ثنائي غنائي، الجزء الذكوري الذي يؤديه المغني وما يحمله هذا الجزء من خصوصية واختلاف طبقات صوتية عن المغنية، وبالتالي، يصبح الدويتو أكثر إقناعًا وانسجامًا بين اللحن والكلمات وطبيعة الصوت الخاص بكل مقطع منه وما إلى ذلك. ففي "كنت فين تايه وغايب" يبدأ عبد الوهاب بهذا السؤال: "كنت فين تايه وغايب" ليأتي الجواب من نور الهدى: "قل لروحك قل لقلبك"، فيتبعها عبد الوهاب بـ"رحت أدوّر عالحبايب"، ليأتي الرد السريع: "والحبيبة.. والحبيبة.. عايشة جنبك". هنا البعد الحواري الدرامي المتصاعد المُنْتِج، يَظهر واضحًا ومفهومًا ومتسقًا مع اللحن الذي صيغ بمستويين، واحد يخص صوت الرجل/ العاشق في الحوار، وآخر يخص المرأة المعشوقة فيه. ونور الهدى لا تستعير هنا طبقة غيرها بل تستفيد من الطبقات النسوية في الغناء من الآلتو إلى السوبرانو وما إلى ذلك، في حين يذهب عبد الوهاب لخيار التينور وما يخص عمومًا الطبقات الصوتية الذكورية.
الفنانة والأكاديمية الموسيقية الأردنية د. ليندا حجازي تميل لهذا الاستنتاج، ورغم أنها لا تشترط تقاربًا في المستويات الأدائية بين المغني والمغنية، إلا أنها ترى أن الملحن ينبغي أن يراعي التباين الجنسوي في حالة عزمه تلحين (ديالوغ) غنائي، ذاهبة إلى أن الديالوغ يختلف عن الدويتو. فالديو أو الدويت أو الدويتو، هو بحسب تعريفها: غناء تبادلي بين شخص وآخر بغض النظر عن الجنس، المهم أن لا يزيد عددهما على اثنين. أمّا الديالوغ بحسب تعريفها فهو: حوار بين رجل وامرأة، بين شخص وآخر، والمونولوغ قالب غنائي انفرادي، شخص يحدث نفسه، ثمة حديث ولكن ليس مع شخص آخر، بل مع النفس.









الأفلام السينمائية كأرض خصبة
مما تقدم يتبين أن الأفلام السينمائية شكّلت الأرض الخصبة لمعظم ثنائيات الغناء العربي تاريخيًا، وهو ما يذهب إليه الفنان والأكاديمي الموسيقي الأردني د. أيمن تيسير الذي يرى أن "الأفلام السينمائية أسهمت بتعريف المشاهدين والمستمعين العرب على فن الديالوغ، وحتى على المونولوغ، فقد يبدأ الحدث بأن يغني الممثل أغنية منفردة (سولو) يبث خلالها أشواقه لحبيبته، ثم يلتقيان فيغنيان معًا أغنية ديالوغ، ثم تعود و(تزعل) منه فتقدم أغنية مونولوغ (بوح ذاتي داخلي)، إذ أن وجود هذا النوع من الغناء في الأفلام بحدِّ ذاته شكّل في وقته تطورًا أضيف لمسيرة الموسيقى والغناء العربية. وأصبحت هذه الثنائيات، بالتالي، جزءًا من قوالب الغناء العربي، فلم يكن هذا النوع موجودًا قبل ذلك". تيسير يستبعد، على ما يبدو، هنا، وجود الديالوغ ببعده الحواريّ الدراميّ، قبل وصول السينما إلى العالم العربي مطالع القرن العشرين.
وبناءً عليه، يشترط أيمن تيسير وجود بعدٍ حواريٍّ في الثنائيات الغنائية، لارتباطها بظهور السينما، التي كشفت الحاجة إلى وجود ثنائيات كون "أبطال الأفلام كانوا في معظمهم مطربين ومطربات، بالتالي أسندت لهم أدوار غنائية حوارية كُتبت بوصفها جزءًا من سيناريو الفيلم، خاصٍّ بهما وباللحظة الدرامية التي يمرّان بها لحظة انطلاق الأغنية ضمن أحداث الفيلم".
تيسير يتحدث هنا عن نصوص غنائية كُتبت خصيصا لمشهد تمثيليّ، وبالتالي شكّلت تلك الحواريات جزءًا من مشاهد الفيلم السينمائي، يقول: "شخصيا لم أشاهد ثنائيات لم تكن جزءًا من أفلام سينمائية. الأبطال كانوا مطربين ومنتجين، فعلى سبيل المثال محمد عبد الوهاب كان ينتج أفلامه، وبالتالي كان يحرص عند اختيار الممثلة التي ستلعب معه دور البطولة أن تكون تلك الفنانة مغنية إضافة إلى كونها ممثلة".
من جهته يختار الكاتب والمخرج والإعلامي السوري فارس الذهبي مسربًا مختلفًا في سياق قراءته لموضوعة الثنائيات الغنائية في الموسيقى العربية، يقول الذهبي: "الدويتو فن غنائي غير مرتبط (على الإطلاق) بأصوات المطربين، بل بكاتب الأغنية أو بملحنها، وغالبًا ما يكون الملحن مشتركًا أيضًا في كتابة الأغنية، وذلك لأن الدويتو هو فن أقرب إلى المسرح الغنائي أو ما تبقى منه، حيث يعتمد على القصة أو الحكاية بين الطرفين اللذين يقومان بسرد تلك القصة بشكل غنائيٍّ ولحن هارمونيٍّ لطيفٍ، خفيفٍ وسريع، كما في أغاني لويس أرمسترونغ وايلا فيتزجيرالد، حيث من الممكن أن تتطور الأغنية لتصبح أوبريت أو العكس".
الذهبي يعْزو قلّة المنتَج العربي من الثنائيات إلى النزعة التطريبية الفردانية في الأفق الغنائي العربي: "البنية الذهنية والعقلية اللحنية العربية قائمة على التطريب الفردي في مواجهة الجمهور، فلا حكاية ولا حوار، وبما يتقاطع مع مختلف نواحي الحياة المشرقية".


ثم، وإذا به يستدرك، قائلًا: "ولكن هذا لا يمنع أن نماذج رائعة من (الدويتوهات) العربية قد تحققت وأُنْجِزت واستمتعنا بها، وعلى رأسها عبد الوهاب ورائعته (حكيم عيون) ودويتو عبد الحليم حافظ مع شادية (علشان احنا مع بعضينا) حيث نلحظ الحوار والسؤال والجواب بين الطرفين وكأننا نستعيض عن الحكي بالكلمة المقفاة واللحن المرافق". 
يقول الذهبي: "في الدويتو نكتشف سحر المسرح الغنائي الذي يُبنى على حوارات شعرية ملحنة بشكلٍ أنيقٍ وجميل، مما يحقق سلاسة في الطرح وجمالًا في إيقاع الحكاية، حيث برع الرحابنة بشكل لافت في مثل هذه المسرحيات وفي بناء اسكتشات غنائية ثنائية وثلاثية، مثل دويتو وديع الصافي ونصري شمس الدين، ووديع الصافي وصباح، وفيروز ووديع ونصري، وملحم بركات وجورجيت صائغ وغيرها، مما يجعل الأغنية تقترب بشكل كبير من المتلقي وتصبح الحوارات أشد رسوخًا في الذاكرة والحفظ. في الدويتو تصعد الحكاية حاملةً إشكالية السؤال والجواب، فإن كان الأول سؤالًا فإن الثاني حتمًا سيكون الجواب، وإن كان قرارًا في الأداء فإن الآخر سيكون جوابًا فيه. تلك الألعاب اللحنية والكلامية تفيد بشكل كبير رشاقة الأغنية وخفّتها، وترفع من وتيرة تفاعليتها مع مستمعين كثر يمكن أن يرددوها لا مستمعًا واحدًا، وبالتالي تفتح باب التشاركية والجدل".
يستبعد الفنان د. أيمن تيسير الطرح القائل بخصوصية التوزيع الموسيقي المتعلق بالثنائيات، فالموزع يتعامل، بحسبه، مع لحن، بغض النظر إن كان هذا اللحن من أجل تقديم ديالوغ أو مونولوغ، أو من أجل أي قالب موسيقيٍّ كان.

وهو الرأي الذي تختلف معه فيه الفنانة ليندا حجازي التي تقول إن "التوزيع الموسيقي يتبع الحالة الدرامية والنفسية المتعينة التي يود الملحن أن يوصلها ويصورها في الثنائية". حجازي تتبنى، إلى ذلك، الرأي القائل بضرورة تحلّي اللحن الخاص بالديالوغ أو الدويتو بمواصفات خاصة، وأن يرسمه ويصمّمه الملحن بحسب المناطق الصوتية الخاصة بجنس المغني ذكرًا كان أم أنثى. وهنا، تقول ليندا: "لا بد أن يكون الملحن ذا دراية عالية بالعلوم الموسيقية والمقامات والمسافات والمناطق الصوتية والاختلافات بينها".
وحول ضرورة احتواء الديالوغ على بعد حواريّ، تستشهد ليندا حجازي بالتجربة التي خاضها الفنان العراقي كاظم الساهر مع المغنية أسماء المنوّر، ثنائي "المحكمة"، حيث قامت فكرة القصيدة كلّها على حوارية وجدانية عاطفية بين رجل وامرأة.
حجازي تتحسر على زمانٍ كان: "للأسف بدل أن يطوّر الغناء العربي ما أنجزه من ثنائيات قبل أكثر من مائة عام، استعاض عن ذلك بأن يتشارك مغن ومغنية تقديم أغنية أو (طقطوقة) يمكن أن يؤديها فنان واحد، بأن يتقاسما مقاطعها ويغني كل واحد منهما مقطعًا من الأغنية بحيث لو تبادلا المقاطع لما ظهر أي خلل في المعنى وفي مقاصد الجمل، فلا حوار فيها ولا بناء دراميًا. ولم يعد مهمًّا هنا أن يغنيها مغن مع مغنية بل يمكن أن يؤديها مغنيان أو مغنيتان".


من جهته، لا يرى الفنان أيمن تيسير ضرورة وجود مواصفات صوتية بعينها لمن يرغب أو ترغب تأدية دويتو/ ديالوغ من المطربين والمطربات، فـ"التلحين أصلًا يأخذ بعين الاعتبار الطبقات الصوتية الخاصة بالرجل وتلك الخاصة بالمرأة، ولا بد في هذه الحالة من وجود ملحنٍ قديرٍ قادرٍ على الانتقال من طبقات الرجل إلى طبقات المرأة والعكس صحيح، بالتالي لا يصح أن نأخذ أغنية مونولوغ (سولو) غناها مغن فقط أو مغنية فقط، ونطلب تحويلها إلى ثنائي، فهي بالأصل لُحِّنت لصوتٍ واحدٍ إما ذكر أو أنثى. كما لا بد من وجود تقارب بالتقنيات الغنائية الخاصة بالصوتين المشاركين في الثنائي، كي لا يطغى صوتٌ على آخر، ولا بد من تحقق عوامل مشتركة ومستويات إجادة واحترافية متقاربة بينهما".
الموسيقار العراقي نصير شمّه الذي يذهب في مقال نشرته له جريدة "القدس العربي" بتاريخ 15 نيسان (إبريل) 2016، تحت عنوان "دويتو وأكثر"، إلى أن الفنانة الراحلة شادية هي من أغزر الفنانات والفنانين الرواد في تقديم ثنائيات، يخلص في مقاله، وبعد جولة في عالم الثنائيات الغنائية العربية، مارًّا خلالها على تجربته الشخصية بتقديم ثنائيات موسيقية تأليفًا وعزفًا، إلى أن البعد الثنائيّ الجدليّ الحواريّ ليس شرطًا أن يقتصر على صوتيّ رجل وامرأة، فقد يتحقق بين ريشة عازف وريشة رسام، بين أوتار عود وقصائد شعر (تجربة محمود درويش مع الثلاثي جبران على سبيل المثال)، بين صورة فوتوغرافية ونصٍّ يقرأ تفاصيلها وجمالياتها.
الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يكن وحده الذي قدّم ثنائيات في أفلامه، أم كلثوم قدمت في فيلمها "عايدة" (1943) ثنائيًا غنائيًا مع إبراهيم حمودة حمل عنوان "أراك يا نور عيني" من تلحين رياض السنباطي. فريد الأطرش قدم عددًا من الثنائيات بعضها مع شادية أهمها "يا سلام على حبّي وحبّك" من فيلم "إنت حبيبي" (1957). وهو ما فعله عبد الحليم حافظ، وأيضًا بعضها مع شادية، منها "غنِّ لي لحن الوفاء" من فيلم "لحن الوفاء" (1955). وكثير من هذه الثنائيات من ألحان رياض السنباطي الذي فعلها بنفسه وقدّم مع هدى سلطان دويتو "عندي سؤال" في فيلم "حبيب قلبي" (1952) وهي التجربة اليتيمة له على صعيد التمثيل والغناء.



بعيدًا عن السينما
في سياقٍ بعيدٍ عن السينما، قدّم سيد شطا (أو سيد أفندي شطا) كما يُؤْثِرُ المصريون أن ينادوه، مع الفنانة الفلسطينية ثريا قدّورة (كروان فلسطين)، عددًا مع الثنائيات التي حافظت، كما كانت الحال في (دويتوهات) الأفلام، على البعد الحواريّ الدراميّ، منها: "يا حبيبتي راقبي ربّك" و"ياللي غرامك" وغيرها. لم تقتصر ثنائيات سيّد شطا على تعاونه مع كروانة يافا، بل امتدت لتشمل فنانات تونسيات عديدات منهن: فتحية خيري وشافية رشدي وزهيرة سالم وهناء راشد وحسيبة رشدي وغيرهن.


تقف المطربة اللبنانية نجوى كرم خاشعةً متبتلةً إلى جوار العملاق الراحل وديع الصافي، وعلى غير عادة معظم الثنائيات حيث الألحان الخفيفة والجمل اللحنية والشعرية القصيرة الأقرب للطرافة، يقدمان "وكبرنا" من كلمات عصام زغيب وألحان أنطوان الشعك، ثنائية حوارية محمّلة بمعانٍ عميقة ومشعة بآهات وشجن، في سياق أقرب ما يكون للطربيّ القديم المشبع باللحن والمقدمة الموسيقية والأجواء الكلاسيكية، وبمرافقة عددٍ كبيرٍ من الكمنجات والكمنجاتية والأوركسترا الكاملة شرقية وغربية، ورفقة جوقة ضخمة أضفت على الأجواء بعدًا أوبراليًا احتفاليًا تراتيليًا:

وديع: "ضميري مش مرتاح وقلبي مش مرتاح

حاسس إني ضايع ومضيّع المفتاح

أفكاري قلقانة وعينيّ سهرانة

حاسس إنك يا بنتي ما عدت إنتِ إنتِ

حاسس إنك تعبانة.. حاسس إنك زعلانة

عم بشوف بعينيك هموم سودا.. عم تشتي هموم

يمكن أنا غلطان يمكن إنتِ غلطانة".

وحين يأتي دور جواب هذه الأسئلة والهواجس كلّها، يصدح صوت نجوى، مفجرًا فضاء المكان:

"إحساسك بمحلّو يا بيي.. إحساسك بجلّو وعن إذنك بدّي إلّو

بنتك صارت صبية...".

ثم وبترقيصٍ رشيقٍ للحن تواصل:

"كل ما غيمة سودا قبالي.. مرقت شو بتخطر عا بالي

بتخطر عا بالي كلماتك.. بتخطر عا بالي نظراتك

وارجع عا رزنامة عمري.. براجع أول صفحة بعمري

صغيره وبتوعظ مني كتاب بيحكي الدنيا نعاج دياب

وما وافق يا بيي بيي وشو تعيّط عليّي".

يركضان معًا، الفنان اللبناني فضل شاكر (المعتزل عن الاعتزال) والفنانة اللبنانية يارا، في حقل الأحلام الساحرة، ويقدمان من كلمات إلياس ناصر وألحان طارق أبو جودة وتوزيع ناصر الأسعد ديالوغ "آخِدْني معك"، المتناوب التعبير عن كل واحد منهما وفق إحساس اللحظة التي يحياها مع المحبوب:

يارا: "آخدْني معك بالجو الحلو/ خلّيني معك إسرح يا حلو".

ليرد عليها فضل: "جمالِك جمال مش عادي/ وكلامِك كلام مش عادي/ وشو بدِّك دلال على صوت الدلال غفّيني/ وشو بدِّك غرام ليل الغرام هنّيني".

رومانسية شفيفة مشلوعة بصوتيْن دافئيْن مبحوحيْن آهات ولوعات.

وفي سياق لبنانيٍّ متصل، تظل الثلاثية (تريولوغ) الجماعية المشرقة في سهرية الحب أو سهرة حب التي قدمها الرحابنة بصوت فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين، تحفة متجددة التجليات لطالما وجد فيها سهّار الليل وعشّاق السّمر والرحلات والجَمعات واللقاءات العربية العربية، مساحة مضيئة يمكن أن يتشارك فيها عدد ممن لا يخشون أن تحرجهم أصواتهم أمام الآخرين.
رغم بعض الإضاءات هنا وهناك؛ مثل ثنائية نجوى مع وديع، ووردة مع عبادي الجوهر، وفضل شاكر مع يارا، وكارول سماحة مع مروان خوري "يا رب" من كلماته وألحانه، وغيرها، وغيرها، إلا أن الثنائيات الغنائية العربية المعاصرة، من وائل كفوري مع نوال الزغبي، مرورًا بتجربة شيرين مع تامر حسني، وليس توقفًا آسفًا عند دومينيك مع علي الديك، وغيرها، وغيرها، كما لو أنها تقول لنا إن الرواد لم يتركوا لنا ما نقوله، وإنهم في ترقيصهم ورق الشجر وارتعاشة السحر وزقزقة المدى، وتعبيرهم عن مختلف مواقف الحب ولطائف الهوى وعبرات النجوى، كما لو أنهم يقولون لنا لا تتعبوا أنفسكم، ولا تقدحوا مناجم إبداعكم، فقد فعلنا عنّا وعنكم كل شيء، تمثيلًا وغناءً وتأليفًا وعزفًا، ومن باب تحصيل حاصل أن الثنائيات كانت على قائمة ما أنجزناه، وربما انتهينا منه، وأرحناكم من تعب تطويره، والاستزادة فيه، والمراجعة حوله.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.