}

"يأس وأمل".. ذاكرة بصرية للحرب والتاريخ بلبنان والعالم العربي

دارين حوماني دارين حوماني 9 أغسطس 2020
تشكيل "يأس وأمل".. ذاكرة بصرية للحرب والتاريخ بلبنان والعالم العربي
معرض "يأس وأمل"- "متحف نابو"
"إن الصورة الشمسية لا تلتقط رائحة الموت، إنها لا تقول لنا القفزات التي يتحتّم القيام بها عندما ننتقل من جثة الى أخرى"- يكتب المسرحي والشاعر جان جينيه في نصّه "أربع ساعات في شاتيلا" الذي سنجده على أحد جدران "متحف نابو" ضمن معرض "يأس وأمل- عندما يتبصّر الفن الحرب والتاريخ" الذي انطلق في العشرين من حزيران/ يونيو المنصرم ويستمرّ حتى العشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل، وهو المعرض الرابع الذي تنظّمه مؤسسة "متحف نابو" (فداء جديد، بدر الحاج وجواد عدرا)، وحيث سننتقل بين اللوحات والمنحوتات والصور الفوتوغرافية والملصقات التي تجسّد فعل التوحّش الانساني واللّجوء القسري مفكّكين الذاكرة ورائحة الموت وذلك الوجه المرعب للبشرية في زمن الحروب. سوف ترافق نص جينيه أعمال الفنان ضياء العزاوي (1939) "لا نرى إلا جثثًا- 1983" مع أعمال للفنانين ليلى الشوّا (1940) من فلسطين، محمود العبيدي (1966) من العراق، أحمد معلا (1958) من سورية، جنان مكي باشو (1947) وألفرد طرزي (1980) من لبنان، مع ملصقات وصور فوتوغرافية (مجموعة عبودي أبو جودة) تصوّر دعاية الأحزاب السياسية والميليشيات إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) ثم ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في لبنان بالإضافة إلى ملصقات إحصائية عن حجم الفساد والهدر في الدولة اللبنانية بالتعاون مع "الدولية للمعلومات".

ألفرد طرزي  (لبنان)




















تأسّس "متحف نابو" منذ عامين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في منطقة الهري- شمال لبنان بتصميم خارجي فولاذي استثنائي يقاوم التآكل، على أيدي الفنانين العراقيين ضياء العزاوي ومحمود العبيدي، وقد اشتغل العزاوي على البعد السيميائي فتظهر الرسوم والنقوش التي تستند إلى معجم بصري أعدّه العزاوي على امتداد سيرته المهنية الطويلة في الرسم والنحت والطباعة، وفي باحة المتحف الخارجية ثمة أعمال فولاذية دائمة لهذين المبدعين وللفنان السوري مصطفى علي. سنجد روح العزاوي الجريحة ثابتة هناك في الخارج، ذلك الحصان الذي أطلق عليه العزاوي "الروح الجريحة" والتي تمثّل أرواح 450 عالمًا عراقيًا تمّ اغتيالهم على يد الموساد بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003.
يقول العزاوي في حوار سابق معنا: "ما حدث في العراق من استهداف للعلماء والمتخصّصين هو جزء من جهود للتخلّص من خيرة المتخصّصين، حدث ذلك في سورية، ممّا يدلّ على أن الموضوع له خصوصيّته في التخطيط والتوقيت وتتعارض مصالح هذه الدول مع ما يمكن أن يحقّقه هؤلاء العلماء من تغيير نوعي في المجتمعات العربية".
سنلتقي بحنظلة في باحة المتحف الخارجية أيضًا وهو يخاطبنا "صباح الخير يا بيروت" من خلال منحوتة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ ثلاثية الأبعاد بتوقيع العزاوي تكريمًا لناجي العلي ومعنونة بـ"توقيع الشهيد". ستلفتنا سيارة يطلّ منها رأس ملك على سطح المتحف هي "فورد 71"، عمل إبداعي آخر من أعمال المتحف الدائمة يمثّل فيها العبيدي المحتلّ الأميركي الذي جاء منقذًا للعراق فجلس على كرسيّها وحوّلها إلى خراب آخر، وبدل أن يمنح العراقيين استراحة من الرعب عمل لصالح موتهم رغم موتهم سلفًا بدل أن يعمل لصالح حيواتهم.



  محمود العبيدي (العراق)









 

طرق التعبير عن الحرب والتاريخ
يكتب منظّمو معرض "يأس وأمل" عند مدخل المتحف: "منذ انهيار الخلافة العثمانية قبل قرن من الزمن، تواجه منطقة بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين اضطرابات إقليمية ونزاعات داخلية. ويقف العالم العربي بأكمله اليوم عند مفترق الطرق على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد تقرّر تنظيم معرض "يأس وأمل" لأن مهمّة متحف نابو الأساسيّة لا تقتصر فقط على الحفاظ على تراث وثقافة المنطقة وتعزيزهما عبر تنظيم محاضرات ومعارض وبرامج تعليميّة وتدريبيّة، إنما أيضًا إعلاء صوت الناس ورفع مستوى الوعي لديهم بشأن الصراعات في المجتمع. يعكس هذا المعرض ظروف وطرق التعبير عن الحرب والتاريخ في لبنان وسورية والعراق وفلسطين فيتناول أحداث الحرب الأهلية في لبنان وما أصابه من تقهقهر نتيجة غياب فكرة الدولة والفساد المستشري، كما يعرض انعكاسات "إرث" اتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور من حروب وصراعات في المنطقة". وعلى أحد جدران المعرض عُلّقت خريطة التقسيم التي رسمتها اتفاقية سايكس- بيكو للمنطقة العربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية في عام 1916، كما سنجد صورة عن نص وعد بلفور الأساسي مع ترجمته إلى العربية، والذي تعهّد فيه وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 تشرين الأول/ أكتوبر 1917 إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية اللورد ليونيل والتر روتشيلد بإنشاء وطن قومي لـ"الشعب اليهودي" في فلسطين ليشكّل هذان الملصقان العنوان الرئيسي لهذه البقعة الملعونة من الأرض منذ مئة عام وتداعياتهما على شعوبها.
أربع منحوتات فولاذية وست لوحات معنونة بالقتل الجماعي ومشغولة بالأسود والرمادي وبالأكواتنت على ورق هي لوحات العزاوي "لا أرى إلا جثثًا"، التي تؤرشف الجثث المبهمة بعد تشويهها في مجزرة صبرا وشاتيلا في عام 1982 التي ارتكبها الصهاينة وحلفاؤهم في بيروت وراح ضحيّتها الألوف من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين معظمهم أطفال ونساء. للتاريخ موسيقى أخرى هنا ولا مكان للسلام، سوف نستحضر "قدّاس الموت" لموزارت ونحن نسمع جثثًا تتوجّع في لوحات العزاوي، وثمّة سكاكين وأطراف بشرية لا رؤوس لها، ومحاولات للهروب من شبابيك الموت. سيزور جان جينيه مخيّم صبرا وشاتيلا بعد أيام من المجزرة مع ليلى شهيد، مندوبة فلسطين في باريس، وسيجد نفسه يتخطّى بقدميه أشياء لا يمكن إحصاء حزنها، أصابع ووجوه تزيد عن حاجة المقبرة الجماعية التي أُعدّت لهم تحت أرض المخيّم، فكتب نصّه ليكون شاهدًا أمام العالم على أفراد فقدوا قدرتهم على الصراخ تحت التعذيب، يقول فيه: "الحب والموت، هاتان الكلمتان، تتداعيان بسرعة كبيرة عندما تكتب إحداهما على الورق. لقد كان عليّ أن أذهب الى شاتيلا لأُدرك بذاءة الحب وبذاءة الموت. فالأجساد، في الحالتين، ليس لديها ما تخفيه". سنتمشّى قليلًا لنعلق أمام كولاج لليلى الشوا بعنوان "الشجاعية" يحكي مأساة إنسانية أخرى موقّعة بنفس خط يد القاتل، ونشاهد مجسّمات لأشلاء أطفال غزة إثر المجزرة الاسرائيلية في عام 2014 في حي الشجاعية مشغولة مع خيطان وألوان تكثّف الأحمر الذي ارتكبه الإسرائيلي.

الروح الجريحة (ضياء العزاوي) مع صورة لـ"متحف نابو" 





















ذاكرة بصرية عن حقبة مفزعة
مع جنان مكي باشو نحن أمام سردية كاملة للوجع الممتد من العراق إلى سورية فلبنان. سوف نرى أسرى في أقفاص معدنية ومحمّلين على مركبات داعشية، وسنشاهد دبابات داعش وقوافل المهاجرين العرب نحو الغرب وفي كل الاتجاهات وفي أكثر من مكان في المعرض مصنوعة من الفولاذ والبرونز والخشب. ثمة منحوتة نستعيد معها مشهديّات الإعدام المثقلة بالرعب التي ارتكبها هذا التنظيم بالألوان نفسها التي التقطتها باشو من ذاكرتنا، العادم باللباس الأسود والمعدوم باللباس البرتقالي ممزوجًا بالدم. نحن أمام كائنات حديدية تشكّل ذاكرة بصرية عن حقبة مفزعة في تاريخ العالم العربي. تعمل الفنانة والنحاتة اللبنانية على تطويع الحديد منذ سقوط القذائف الاسرائيلية على منزلها في بيروت في عام 1983، يومها قرّرت أن تحوّل هذه الرصاصات إلى شكل آخر للأثر الذي خلّفته هذه القذائف. تكشف أعمال باشو العنف الذي اجتاح منطقة الشرق الأوسط وتصوغ ملحمة التهجير القسري من خلال لوحاتها البرونزية أو نحتها على الخشب، وكانت قد قدّمت هذه الأعمال ضمن معرضين سابقين لها في بيروت، "حضارة" (2016)، وفصول الهجرة اللامتناهية" (2019).


جنان مكي باشو  (لبنان)


















يقدّم العراقي/ الكندي محمود العبيدي عملين في هذا المعرض، "الفقاعة" و"القطار"، وهما جداريتان من مواد مختلفة على قماش من مجموعة "إصنع الحرب لا الحب" (2019) نفّذهما في مشغله المشترك مع ضياء العزاوي في بيروت، وتحاكي اللوحتان مأساة الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأميركية من قتل وتهجير للسكان الأصليين ومحاولة إفناء وجودهم ثم تكرار هذا كله بحق الفلسطينيين على يد الحركة الصهيونية، إنه تكرار لإيقاع الزمن حيث كان على الهاربين أن يرحلوا وحيدين من دون حقائبهم. نحن أمام منطقة كاملة من السواد الذي يتفسّخ بخطوط بيضاء، هكذا يختار العبيدي أمكنته حيث يقيم علاقات معنا فيها ويصحبنا شعور بقساوة المنفى وذلك في بعد تجريبي معاصر لكنه يحكي حكاية مأساوية مزمنة.
يشارك الفنان السوري أحمد معلا في حكاية اليأس والأمل في "متحف نابو" من خلال لوحتين، "تشجّعوا وقولوا نحن خائفون" (2015) و"ما الحرب إلا ما علمتم وذقتم" (2012) مشغولتين بالأكريليك على قماش. سوف نقرأ هذين العنوانين بالخط العربي بين الحشود المثقلة بالخوف والأسى داخل اللوحتين. حشود اشتغل عليها معلا الذي يعتبر أحد أبرز الفنانين التعبيريين في تيار ما بعد الحداثة في سورية، متبّعًا العرض المسرحي وكأن كائناته تتحدّث مع بعضها البعض وكلّ يروي حصّته من الدم. ذئاب وسيوف وكائنات أخرى في لوحتيه ستتحارب تحت حروف مستمدّة من نصوص دينية وشعرية. اختار معلا الأسود للوحتيه فيما يدخل الأبيض كظلال خفيفة بين الخطوط السوداء التي أراد لها معلا أن تعكس الخراب المادي والروحي الذي خلّفه تنظيم داعش في سورية وفي شعوب المنطقة العربية.





 ليلى الشوا (فلسطين) 





















لبنان- خريطة تتآكلها الطوائف

ماذا يفعل بنا ألفرد طرزي؟
إنه يبني سردياته من بقع سوداء من تاريخ لبنان منذ اتفاقية سايكس- بيكو وتحويله إلى "دولة لبنان الكبير". خريطة تتآكلها الطوائف كقطعة لحم تفترسها ذئاب فوق سطح قرن خائف من الزمن يوثّقها طرزي، فنجد أنفسنا في قاعة المعرض أمام ثماني عشرة طائفة وثمانية وعشرين عملًا من أعمال الكولاج والطباعة والفوتوغرافيا لطرزي يجمع في كل عمل صورًا متنوّعة توثّق المرحلة. يبدأ طرزي توثيقه مع "اتفاق الشرف 1943" و"دولة طائفية 1948" حيث سنشهد إرساء نظام سياسي قائم على تقاسم السلطة بين الطوائف. سنستعيد جمال عبد الناصر وفيروز وآخرين في "الجسر 1958" مع تطور النظام اللبناني ومنح النساء حق التصويت واجتياح موجة العروبة بقيادة جمال عبد الناصر، وسيبني الرئيس فؤاد شهاب هيكلية الدولة اللبنانية في "بناء الدولة 1961" ثم محاولة الانقلاب التي قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان يحارب التقسيم الاستعماري للشرق الأوسط وينادي بوجوب انتماء لبنان إلى سورية الكبرى. سيقف حافظ الأسد منتصرًا بين العسكر في "إخواننا السوريون 1963"، وسيبدو أمل ياسر عرفات والفدائيين كبيرًا في "إخواننا الفلسطينيون 1964"، ثم "الضيف الرهينة 1967" التي يسرد فيها طرزي حكاية الفلسطيني في لبنان عبر الانقسام الذي أحدقه وجودهم. سيتعرّض مطار بيروت الدولي في "حديقة دون سياج 1973" إلى الغارات الاسرائيلية في مشهدية ورقية وزمنية واحدة مع الرئيس سليمان فرنجية وملكة جمال الكون اللبنانية آنذاك جورجينا رزق. ستظهر "حركة المحرومين 1976" ويقف الإمام موسى الصدر على رأس مسلّحين بشعارات حركة أمل ونساء محجّبات على الطريقة الشيعية وما توحيه من تكريس للفكر الشيعي في لبنان بعد مجيء موسى الصدر من العراق. بعدها يحكي طرزي عن تأسيس كمال جنبلاط للحزب التقدمي الاشتراكي وتكرار حرب الجبل ومجازر أسلافهم المسيحية الدرزية في "الجبل 1977" ثم نشاط الطائفة المارونية في "المنطقة الشرقية 1978".

  فورد 71  (محمود العبيدي)























سنكون بعدها مع "السلام في الجليل 1982" مع مجزرة صبرا وشاتيلا يقودها آرييل شارون فيما سنرى ياسر عرفات محمّلًا إلى خارج لبنان. في "الملعب 1983" يوثّق طرزي للدخول الأميركي والفرنسي والإيراني وتأسيس حزب اللـه، وفي "حرب التحرير 1989" سيبدو الرئيس ميشال عون رافعًا إشارة النصر فوق وجوه زعماء ومسلّحين مصدومين ومحزونين. أما في "مهرجان الرعب 1990" فسنشعر بالأسى على عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين الذين كانوا ضحايا حرب فوضوية، ثم نرى كيف لملمت الأحزاب والميليشيات شملها لتكرّس وجودها سياسيًا في "السلام 1991" وتوقيع اتفاق الطائف وتقرير وصاية سورية على لبنان والعفو عن زعماء الحرب الأهلية وما ارتكبوه من جرائم بحق شعب لبنان. في "المقاومة الإسلامية 1992" سيتم حصر الدفاع عن الجنوب اللبناني المحتلّ بيد حزب اللـه وسنرى طائرات إسرائيلية ومقاتلين وأسلحة وجثثًا، وفي "إرث الحرب 1995" سيدفن زعماء الحرب قتلاهم في قبور جماعية أو في أماكن رمي النفايات وسيشتغلون على فقدان الذاكرة القسري عبر الاعتذار لبعضهم البعض من دون الاعتذار للبنانيين. سيحمل مقاتلو المقاومة الإسلامية شعار القدس في "الطريق إلى القدس 1996" ويبدأ بعدها عهد الحريرية السياسية الفعلي مع الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت في "لبنان الحريري 1998"، والاستقلال من الوصاية السورية في "ربيع بيروت 2005". تدمير ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة العدوان الاسرائيلي في عام 2006 سنشهده في "الشرق الأوسط الجديد 2006" والذي صرّحت به في ذلك الوقت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بقولها "إن ما نشهده هو آلام مخاضّ ولادة شرق أوسط جديد". "عودة الخلافة 2012" مع مسلّحي داعش ثم "أمة من المهاجرين 2014" والتي تشير إلى الانهيار اللبناني والعربي حيث باتت الهجرة السبيل الوحيد للخروج من الحروب وعدم الاستقرار.

تظهر الملصقات والصور الفوتوغرافية دعاية الأحزاب السياسية والميليشيات (مجموعة عبودي أبو جودة)



















يختار طرزي لكولاجاته العملة الوطنية كخلفيّة ثابتة مع تبدّلها وانهياراتها كشاهد على انهيار هذا الذي يمكن تحويله إلى أي شيء إلا إلى وطن لجميع اللبنانيين. هي كولاجات "لبنان الكبير" المرتبط بالمحيط العربي بكل مراحله والمخيف بخزّان طوائفه، هذه الطوائف التي استخدمها سايكس وبيكو لتحقيق أهدافهما التقسيمية والتدميرية للبنان وما أكمله أحفادهم عبر نفس التقسيم المذهبي والطائفي بما أمكن في العالم العربي.
لن تتوقف هنا حكاية لبنان الموجعة، فقد تمّ اختيار ما يوقظ فينا ذلك الماضي الذي لم يمضِ، وسنجد أنفسنا وقد عدنا بصريًا إلى أعلام وشعارات الأحزاب والميليشيات اللبنانية إبان الحرب الأهلية من مجموعة عبودي أبو جودة ومنها: "تل الزعتر عناق البطولة والشهادة"، "لبنان يدعوك كن درعه: القوات اللبنانية"، "وأعدّوا لهم ما استطعتم: حركة أمل"، "شمس العرب تشرق من الجنوب"، وسيشتغل معرض "يأس وأمل" أيضًا على ذاكرتنا القريبة التي فقدناها بفعل جائحة كورونا وما مرّ على اللبناني خلال هذا العام من بصمات على اقتصاد البلد لنفس زعماء الحرب ومن شاركهم في قيادة الدولة على مدى ثلاثين عامًا، هي شعارات الثورة التي نبتت في 17 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت ولم يسمحوا لها أن تكمل طريقها بنفس الصفاء والقوة والوجع: "الجوع أقوى ولا الطايفة"، "قبل ما موت بدي لبنان"، "لبنان يا قطعة جبنة"، "جوّعتونا"، "سرقتونا"، "إستقلالية القضاء محاسبة الفاسدين"، وغيرها من الشعارات معلّقة على جدران المعرض. سيحصي لنا معرض "يأس وأمل" بالتعاون مع "الدولية للمعلومات" عبر ملصقات على جدران المعرض الهدر الذي يفوق المئة مليار دولار والذي يشكّل الدين العام اللبناني الذي تسبّب به هؤلاء الزعماء من فسادهم ونهشهم لأملاك الدولة من شركات الإسمنت إلى الكسّارات والمقالع والخليوي، الأشغال العامة والطرقات، الأبنية الحكومية المستأجرة، استيراد المشتقات النفطية، الأملاك البحرية وغيرها أيضًا، وعلى رأس كل عنوان من هذه العناوين ثمة مسؤول وزعيم سياسي في الدولة يحكمها بعد أن اقتسموا هذه المرافق بين بعضهم البعض، والأكثر نفاقًا في هذا اللبنان الجائع ذلك المسؤول الذي يقف باكيًا مع شعبه.

"أرى فحمة سوداء من المحيط إلى الخليج"- كانت هذه الكلمات المعلّقة على أحد جدران المعرض مع قصيدته "الجسر" آخر ما كتبه الشاعر اللبناني خليل حاوي قبل أن ينهي حياته لأسباب قد تكون شخصية لكن دافعه الأقوى كان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في السادس من حزيران/ يونيو 1982 لأنه لم يتحمّل ذلك، فشكّلت كلماته الأخيرة رؤياه الممتدة على سطح البلاد العربية. لكن ثمة زيتونة وسط المعرض، هي الأمل، سوف يثبّت زائرو معرض "يأس وأمل" عليها ما أمكنهم من الأمل العربي عبر ملاقط خشبية مقابل كل ذلك الشقاء العربي والسواد العربي علّهم لا يموتون وحيدين في الأسفل حيث مات أجدادهم الذين يعيد هذا المعرض إحياء جثثهم.

كل عمل في معرض "يأس وأمل" هو بمثابة منشور من تحت التراب حيث دُفنت رؤوس بلا أجساد، ثمة عدّ عكسي للحياة علينا أن ننتبه له، ثمة احتمال لمشاهدة ذواتنا وقراءة العالم العربي من فوق للركون هادئين تجاه بعضنا البعض لبنانيًا وعربيًا، فـ"الحقيقة لا تحتاج إلى أثاث" كما يقول الشاعر السويدي توماس ترانسترومتر في إحدى قصائده، ويكمل "يريد الموتى أن يقولوا شيئًا/ يدخّنون لكنهم لا يأكلون/ لا يتنفّسون لكنهم لا يزالون يحتفظون بأصواتهم/ سوف أركض في الشوارع كواحد منهم".

# جولة في معرض "يأس وأمل": 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.