}

"لعبة الحبّار".. كيف يواجه البشر الاختيارات اللاأخلاقية

سارة عابدين 27 أكتوبر 2021


منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الحالي والمسلسل الكوري SQUID GAME أو "لعبة الحبار" يحتل المركز الأول على نتفليكس. يبدأ المسلسل مع أحد الأبطال وهو جي- هون، رجل في منتصف العمر ما زال يعيش مع والدته. لم يكن مثاليًا، فبمجرد أن تغادر والدته المنزل يسرق بطاقة الصراف الآلي الخاصة بها للمراهنة بمبلغ كبير من مالها في سباق الخيول. تتراكم الديون على جي هون بسبب تورطه مع بعض العصابات، بالإضافة إلى حاجته إلى المال لاستعادة حضانة ابنته وإعالة والدته المريضة.

ويقود هذا اليأس التام جي هون إلى مواجهة مع شخص غامض في مترو الأنفاق، يعرض عليه رهانًا بقيمة 50000 وون للتغلب عليه في مواجهة سريعة. يخسر جي هون مرارًا وتكرارًا دون أن يملك المال الكافي لسداد الرهان. يتحول الرهان إلى صفعات على وجه جي هون في حال خسارته. بعد تعرض وجهه للضرب والكدمات طوال الوقت، يقدّم له الرجل فرصة للانضمام إلى مسابقة، حيث يمكنه ربح مبلغ ضخم من المال. تراجع جي هون في البداية، لكنه في النهاية قرر عدم تفويت الفرصة ووافق على المشاركة في اللعبة، لتبدأ المواجهات.

يبدأ المتسابقون في تكوين تحالفات، ومن بين أبطال العرض الرئيسيين جي هون وصديقه القديم سانغ هون. تتناقض هاتان الشخصيتان تمامًا مع بعضهما البعض، حيث أن جي هون رجل ودود وجذاب، بينما سانغ هون براغماتي بارد. يخلق هذا التناقض ديناميكية مثيرة للاهتمام تتطور طوال حلقات الموسم بالكامل.

تتناول قصة المسلسل العديد من المواضيع، لكن يبدو أهمها وأكثرها تأثيرًا التفاوت الطبقي الكبير بين الفقراء والأغنياء، حتى أن الألعاب الدموية التي يشارك فيها الجمع ما هي إلا ترفيه لقلة مختارة من النخبة حول العالم، والذي لا يعرف كنههم أحد. يتحول كل المشاركين في اللعبة إلى أعداء، يقتل كل منهم الآخر من أجل الاستمرار في اللعبة والفوز في النهاية، بالرغم من أن الأعداء الحقيقيين في الواقع ليسوا هم المتنافسين في اللعبة، لكنهم الأشخاص الذين وضعوهم في هذا السيناريو الدموي.

تتعامل القصة أيضًا مع التلقي المختلف للحزن بالنسبة لكل شخص، لأن كل متسابق يأخذ وفاء زملائه أو منافسيه بشكل مختلف. يتجاهل البعض الأمر كأن شيئاً لم يكن، البعض يكون سعيدًا للتخلص من منافسيه، بينما البعض الآخر لا يستطيع التعامل مع خسارة الزملاء. الموت يجعل المخاطر تبدو واقعية أكثر لأن كل حالة وفاة تؤثر تأثيرًا عاطفيًا كبيرًا، حيث يفكر كل متسابق أنه ربما يكون التالي.

كاتب ومخرج العمل هوانغ دونغ هيوك



ذكريات الطفولة القاتلة

في ذلك الملعب الشاسع المجهول الذي نقل إليه المشاركون، تحت مراقبة الحراس الملثمين، نجد أن حتى أبسط ألعاب الطفولة في هذا المجتمع الشبيه بالسجن يمكن أن تتحول إلى مشهد مروع ودموي إذا خالف أحد اللاعبين التعليمات. إنه أمر مؤلم أن تتحول ذكريات الطفولة إلى منبع للألم، لكن الأكثر ألمًا هو مشاركتهم برغبتهم في ذلك الأمر، لأن مجرد التفكير في العودة إلى حياتهم القديمة ومواجهة ديونهم أمر مروع، لدرجة أن المخاطرة بحياتهم تصبح هي الاختيار الأفضل.

يرتبط المشاهد دون قصد باللاعبين، ويراهن عليهم مع الأثرياء الذين يديرون اللعبة. تتحرك الألعاب بوتيرة سريعة، وتصبح الحبكة أكثر قسوة، بشكل ربما لا يناسب المشاهدين الذين يتأثرون من مشاهد العنف المفرط، حيث يتم إطلاق النار على المشاركين بين أعينهم تمامًا، وتتراكم الأجساد الميتة، حتى يصل الآخرون للفوز. إنه المعنى الحرفي لجملة الفوز على جثث الزملاء.

يبقى هناك خيط مركزي واحد طوال كل الألعاب العنيفة واللحظات المؤثرة، وهو تداخل ذكريات الطفولة البريئة مع العالم القاسي الذي نضطر جميعًا لتحمله. مع أسئلة مستمرة عن كنه الخاطفين المقنعين الغامضين، وعن أسباب رغبتهم السادية في مشاهدة سلسلة القتل المستمرة.

بسبب العنف والسادية والدماء المتدفقة على مدار الحلقات، ربما يقرر بعض المشاهدين التوقف عن المشاهدة، لكن أغلب الظن أنهم يعودون مجددًا، لإكمال الحلقات نتيجة رغبتهم في معرفة من سينجو من اللعبة التالية ومن سيموت.

لقطة من المسلسل



بين الواقع والدراما

صرح المخرج وكاتب السيناريو الكوري هوانغ دونغ هيوك، أن المسلسل مستوحى بشكل ما من أحداث العالم الحقيقي. ليس حدثًا واحدًا، لكن مجموعة من الأحداث، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، شكلت في نهاية الأمر فكرة المسلسل. يذكر هيوك أنه في عام 2008 تعرّض بنك ليمان براذر الأميركي للإفلاس، ما أدى إلى تسريح ما يقرب من 25000 ألف موظف من فروع البنك على مستوى العالم. كان الاقتصاد الكوري متأثرًا بشدة في ذلك الوقت. ويضيف هيوك أنه تأثر في ذلك الوقت على المستوى الاقتصادي الشخصي.

يكمل هيوك حديثه قائلًا: كان هناك الكثير من المشكلات، أهمها وجود طفرة في العملات المشفرة، حيث بدأ الناس في جميع أنحاء العالم، وخاصة الشباب في كوريا، يستثمرون أموالهم في العملات المشفرة، بالإضافة إلى ارتفاع أسهم فيسبوك وغوغل.

في عام 2016 أثار حدث عالمي جديد خيال هيوك لتطوير عمله دراميًا، حين أصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. شبهه هيوك بالشخصيات الخفية في لعبة الحبار، كما لو أنه يدير عرضًا للألعاب، ويمثل وجوده مصدر رعب للجميع. بعد كل هذه الأحداث شعر هيوك أن الوقت ملائم لعرض المسلسل على الجماهير.

يبدو أن المخرج قد ترك النهاية مفتوحة في الموسم الأول بشكل متعمد، لكنه يقول إنه لم يفعل ذلك لأنه ينوي كتابة موسم جديد، لكنه وجد أن هذه الخاتمة المفتوحة مناسبة لأحداث المسلسل.

بنفس الأسلوب المعروف في الدراما الكورية، يقدم لنا المسلسل بشكل سريع ما حدث بعد مرور عام على انتهاء اللعبة، حيث يرفض البطل إنفاق كسبه المادي بسبب شعوره بالذنب، خاصة عندما وجد أمه قد ماتت، ما يجعل العرض إنسانيًا رغم العنف والدموية، وهو الطريقة التي يركز بها على اللحظات الهشة للإنسان، ولحظات الثقة بين اللاعبين والتي يمكن أن تختفي في لحظة عندما تتغير الظروف. لذلك ليس من الغريب أن تتمحور النهاية حول تداعيات هذه العلاقات بدلًا من التركيز على انهيار نظام اللعبة بالكامل.

عندما يفقد جي هون قدرته على الثقة في البشر، ويبقى محبطًا ومدمرًا لمدة عام كامل، لا يستعيد ثقته في الحياة سوى بعد إنقاذ الرجل المغطى بالثلوج من قبل دورية الشرطة. تشير القصة إلى أن البشر لديهم فرصة لتغيير العالم ولو بطرق صغيرة من خلال تواجدهم معًا، ليبقى التواصل الإنساني هو الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

لقطة من المسلسل



لماذا نحن مهووسون بعروض العنف والمعاناة!

يقول علماء النفس والمتخصصون إن التفاوت الاقتصادي الساحق والذي تفاقم بسبب الوباء العالمي خلال الأشهر الثماني عشرة الماضية، جعل الناس يدركون الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين الطبقات، وأصبحت الطبقات الأقل دخلًا، أكثر قلقًا مع تنامي شعورها بالضعف واليأس والقلق، بالإضافة إلى التناقض بين براءة ألعاب الطفولة وأحداث المسلسل السادية، والذي يضخم الإحساس بالرعب والعجز الذي نشعر به كمشاهدين.

يلتقط المسلسل أيضًا فرضية تبدو عادية ويضخمها بشكل ماكر وخفي، وهي أنه حتى ألعاب الأطفال بها نوع من القسوة في حد ذاتها. دائمًا هناك طفل خاسر. طفل لم يجد له مقعدًا عندما توقفت الموسيقى. طفل لم يجد لعبة مناسبة لنقوده القليلة. طفل رفض الجمع أن يشاركهم اللعب. الملعب في المسلسل هو صورة مصغرة من العالم المعقد الشرير اجتماعيًا واقتصاديًا ورأسماليًا.

تصبح المعضلات الأخلاقية التي تواجهها شخصيات "لعبة الحبار" مستعصية على الحل بشكل أكبر كلما تقدمت الأحداث، بحيث يجبرنا العرض كمشاهدين على النظر إلى الداخل والتساؤل عن رد فعلنا في المواقف المؤلمة المشابهة. يميل الناس في علم النفس الاجتماعي، إلى المبالغة في تقدير الخيار الأخلاقي الذي قد يتخذونه. لا أحد منا يريد أن يصدق أنه سيقف إلى جانب الظلم أو السادية، أو سيحافظ على ذاته مقابل التضحية بالآخرين كما تتطلب "لعبة الحبار".

توفر أفلام الرعب طريقة آمنة لنا لكي نتدرب عقليًا على كيفية التعامل مع الأخطار. إحدى النظريات التي تفسر ذلك تشير إلى أن بعض الناس يجدون متعة في مشاعر الراحة التي تأتي بعد الخوف الشديد، خاصة عندما يكون خوفًا آمنًا نجرّبه ونشعر به ونحن مطمئنين في منازلنا!

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.