}

معارض محمد عمران بين الرسم والنحت

أسعد عرابي 31 أكتوبر 2021
تشكيل معارض محمد عمران بين الرسم والنحت
نموذج من منحوتاته الفخارية بعنوان "جمهور"- من معرض "انتظار"
النحات السوري محمد عمران 




يقام حاليًا معرض للنحات السوري، محمد عمران، ذو أهمية متميزة أثار الاهتمام الإعلامي والنقدي في بيروت. ونقل من المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة اللبنانية، بعد أن استمر نجاحه شهرًا كاملًا سابقًا (أيلول/ سبتمبر 2021) تحت عنوان متنقل: "جمهرة ليل كموج البحر". عرض ثنائي يعانق تسع لوحات تصويرية (بأحبار الأسود ومشتقاتها على ورق كرتوني أبيض سهل النقل بعكس النحت، بقياس 65 × 50 سم). ونصوص للقصاص عدي الزعبي عبارة عن شذرات متباعدة بعكس الوحدة الأسلوبية المتماسكة في لوحات الرسم، ومتانة التخطيط، وعلاقة الفراغ بالامتلاء.
يعد عمران من أبرز فناني المهجر الباريسي، وأوسعهم شهرة. هو من مواليد دمشق 1979م، وخريج قسم النحت في كلية الفنون التابعة للجامعة السورية. استقر في باريس مع عائلته منذ عام 2014، ويعمل فيها مع زوجته الفنانة الفلسطينية المعروفة، بيسان الشريف (منخرطة في تيارات ما بعد الحداثة، وذلك بالتوليف الحر بين وسائطها، بما فيها "السبرنية"، هي الأقرب إلى "المفاهيمية").
استضاف المعرض الثنائي الراهن مهرجان "مينا" (الذي يضم معارض فنية وتوليفية، وعروض مسرح ورقص وسينما)، والمنبثق عن مؤسسة اتجاهات (دورة كل سنتين)، شارك في دعم المعرض مركز غوتيه في بيروت.

* * *

لا يقارن مستوى نحت عمران حتى بتصويره، ولا يقارن تفوقه هذا إلا بزميلته المفضلة رندة مداح. يكشف العنوان: "جمهرة"، بمعنى "الحشد"، مشروعه التبشيري الفني، منذ معرض نحته المذهل القديم، الذي لا يمثل لدى جالية الشتات النحتي المحلية والمقيمة في فرنسا سوى نقطة فاصلة، وانعطافًا محوريًا تحت عنوان "الانتظار" (أقيم في غاليري أوربيا عام 2017م).
هو انتظار جماهيري تحتشد فيه جماعات محبطة من البشر، "الآخر" بالنسبة إليه ليس فردًا وإنما جمعًا، هي الكتلة الديموغرافية (رغم كافكاوية وجوهها وسلوكها الهمودي) التي تمثل المجتمع الديمقراطي منذ عهد اليونان الأول.
" الجماهيرية" موضوعه التشكيلي النحتي والتصويري الفني الأصيل، وليس الأيديولوجي. لذلك يقول عن معرضه الراهن: "أملنا أن يقيّمه الناس بالمقاييس الفنية (أولًا وأخيرًا)، وليس بالمقاييس السياسية"، فحق التجمهر أصيل حتى في تاريخنا المعماري، مثل فكرة الميدان، وساحة، أو باحة الدار، أو حتى خطبة الجمعة في المسجد الجامع. إن من يراجع المعرضين، رغم اختلاف المكان والزمان، يدرك أن مشروع الجمهرة أساسي في حق العيش بسلام عن طريق الحوار المطهر من العنف، سبقه قبل الحرب معرض ثنائي أيضًا يحمل الصبوة نفسها "طين وطن"، لأحمد معلا، وحسان عباس، باعتبار أن المواطنية مشروطة بالحوار الجماهيري.

نوارس تدور على أبواب الجنة والنار (محمد عمران) 





















يعانق معرض النحت حشدًا من التماثيل البشرية المقزمة، تصل حتى ثماني عشرة مجموعة منطوية مسلوخة عن مجتمعها الإحباطي، تتربع عزلة كل منهم مقعدًا مكعبًا هندسيًا.
حشود منطوية على توحدها المجهري، مستقلة بطريقة همودية تذكر بسيماء أقنعة عرائس مسرح الظل، هيئات عصابية شبه عمياء مقنعة بنظارات ليلية كالحة يريم على خوائها صمت مريب كالذي يسبق العاصفة. شخوص يتمسكون بتلابيب العدم واللاجدوى والسيزيفية المزمنة، "وكأن على رؤوسهم الطير". هي لا تشي بأي معنى أو معاناة، يقمعها هاجس كابوسي عنيد: الانتظار العبثي المستديم. تذكر وحدة هيئاتها الرتيبة الشيطانية بحشود محاربي الفخاخير المدفونة تحت الأرض والمكتشفة في الصين.
تقع موهبة عمران بين جماهير اليوم الكرافيكية، ومجاميع الأمس النحتية.
ولعله من الجدير بالذكر أن معرض بيروت تأجل مرتين بسبب جائحة كورونا، ولم يعكر صفو المعرض سوى وفاة والد محمد عمران، بعد أيام من الافتتاح.
من الضروري استدراك أن تمايزه الأسلوبي في النحت يتظاهر منذ البداية بخضوع الكتلة للجاذبية الأرضية، وتمسكها عضويًا بأفقها، ناهيك عن الصياغة التكعيبية في التفاصيل، مما يؤكد الرتابة الوجودية القصدية في التعبير.
لا شك في أن المنحوتات، ونقلها وعرضها، وحتى اقتنائها، يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وتكاليف باهظة، هو السبب الذي يقع خلف تحول بعض المواهب النحتية إلى اللوحة، على غرار المعلم فؤاد دحدوح، وقبله منذر كم نقش، ولحسن الحظ، فإن محمد عمران يعمل في الميدانين بصيغة متزامنة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.