}

البورتريه: وجه أم قصة؟

تغريد عبد العال 11 فبراير 2021
تشكيل البورتريه: وجه أم قصة؟
سيلفيا فون هاردن ـ أوفيلياـ الموناليزاـ أديل باور

نساء كثيرات حضنتها أعمال فنية كبيرة، كانت هناك قصة وراء اختيار الفنان لشخصيتهن، والبعض الآخر أصبح البورتريه نفسه هو القصة ولم تعد المرأة في البورتريه مجرد وجه جميل أمامنا، فقد أصبحت هناك بمثابة سر ما وراء اللوحة. فنحن لا ننسى ابتسامة الموناليزا ولكننا أحيانا نتيه أمام سؤال من هذه المرأة التي جسدها ليوناردو دافينشي في تلك الابتسامة؟ ومن هي سيلفيا فون هاردن وأديل باور وأوفيليا؟


ليزا غيرارديني

 "موناليزا"














إنها "موناليزا"، أكثر عمل نوقش في تاريخ الفن. وبقيت ابتسامتها موضع دراسة، وسؤال هل هي حزينة أو مبتسمة؟ سؤال يحتاج إلى بحث علمي وتاريخي. استطاع فريق من العلماء أن يكتشفوا سر تلك الإبتسامة وأنها كانت سعيدة بنسبة ثلاثة وثمانين بالمئة حيث قاموا بإخضاع اللوحة للمسح الضوئي، وقاموا بالتحليل بالاعتماد على برامج الكمبيوتر. وبينت نتائج التحليل أن الإبتسامة تدل على أنّها سعيدة. فمن هي هذه المرأة التي تحمل هذه الإبتسامة الغامضة والتي ظنّ الكثيرون أنّها ليست حقيقية وأنها من اختراع الفنان نفسه؟ أو كما اعتقد البعض أنها لوحة لذات الفنان مع بعض التعديلات.
إنها ليزا غيرارديني، زوجة فرانسيسكو جيوكوندو، والتي سميت اللوحة باسمه الجيوكندا. ولدت ليزا عام 1479 وفي عمر الخامسة عشرة تزوجت التاجر فرانسيسكو الذي كان يتاجر بالإناث العبيد، ويفسر بعض الباحثين أنّ عمل زوجها كان سبب تلك الإبتسامة الحزينة.  فقد عثر الباحث الإيطالي جوزيبي بالانتي على أن أحد الأماكن التي التقى فيها ليوناردو بليزا كان في كنيسة "سانتيسيما أنونزياتا"، وحسب البحث كانت ليزا تحضّر قدّاس الأحد فيها، وأن من المؤكد أنّها كانت ملهمته. أكمل ليوناردو اللّوحة عام 1506، ومات في عام 1519 ولم تكن لوحة الموناليزا مكتملة بعد. وأما ليزا فقد ماتت في عام 1542، ولكن اللوحة غير المكتملة لم تجعلها أيقونة إلا بعد قرون على رحيلها. والآن تجلس الموناليزا في اللوفر وتحمل في تلك الإبتسامة ألف سؤال عن حقيقتها وحقيقة ابتسامتها المثيرة.


سيلفيا فون هاردن

سيلفيا فون هاردن 















سيلفيا هي شاعرة وصحافية وكاتبة ألمانية من هامبورغ، كتبت للكثير من الصحف الألمانية، واشتهرت عالميا بفضل البورتريه الذي رسمه لها الفنان أوتو ديكس بعنوان: "صورة الصحافية سيلفيا فون هاردن" عام 1926. كانت اللوحة مثيرة للجدل، لأنها تصور المرأة الجديدة التي ظهرت بين الحربين العالميتين، ولكن الأهم في اللوحة هو المظهر الرجولي للمرأة. حيث تبدو امرأة متحررة لما يعنيه التحرر آنذاك. فهي امرأة بشعر قصير، تدخن وتجلس على طاولة لوحدها، وهذا يعكس مدى استقلاليتها. وهي تلبس نظارة كان يلبسها الرجال في ذلك الوقت.
وحين رسمها ديكس كانت سيلفيا فون هاردن تبلغ من العمر 32 عاما، وقد كتبت عام 1959 مقالا بعنوان "ذكرى مع أوتو ديكس" حكت فيه عن قصة الصورة، فقد قابلها ديكس في الشارع، وصاح "يجب أن أرسمك" إذ اعتبر أن صورتها تمثل حقبة كاملة، حقبة لا تهتم بجمال المرأة الخارجي، فقط بل بحالتها النفسية.
سيلفيا فون هاردن هي امرأة مثيرة في هذا البورتريه، ليس لأنها فقط تعكس مفهوم المرأة الجديدة والذي يشير الى النساء اللاتي تخلين عن القناعات التقليدية حول مكانة ودور المرأة، بل بسبب الصخب الذي تعكسه الألوان حولها، فرغم يديها الكبيرتين، وأنفها الطويل، إلا أن الألوان الحمراء أعطتها أنوثة ما. كانت سيلفيا قد قالت لديكس عندما طلب أن يرسمها: "أنت تريد أن ترسم عيني الباهتتين، وأنفي الطويل، وشفتي الرقيقتين، وساقي القصيرتين، وقدمي الكبيرتين وهذه الأشياء تخيف الناس مني". لفون هاردن ديوان شعري والعديد من المقالات، وقد غادرت الكاتبة ألمانيا عام 1933 واتخذت من إنكلترا منفى اختياريا. وتثير هذه اللوحة سؤالًا مهمًا عن طبيعة البورتريه الذي لا يرسم الوجه وجماله بل القصة خلفه وهي الحرية.


أوفيليا

 أوفيليا 















أما أوفيليا فقد أتت من المسرحية وبقيت هناك في اللوحة، فقد رسم جون إيفيرت ميليه أوفيليا عام 1851، وهي شخصية من مسرحية شكسبير "هاملت"، التي جنت لأن عشيقها  هاملت قتل والدها، فقررت أن تضع حدا لحياتها. وتعتبر لوحة «أوفيليا» التي رُسمت بالزيت على القماش بين عامي 1851 و1852، والمعروضة في متحف «تيت مودرن» في لندن، أشهر أعمال ميليه، وأكثرها براعة وجمالًا، وفيها يُبرز الرسام الإنكليزي الطبيعة البِكر، بكل ما تحتويه من تناقضات تزيدها جمالًا، إلى جانب تركيزه على الجمال البشري، وإظهار أدق التفاصيل، بما في ذلك ملامح الحزن والكمد التي تبدو جليّة على وجه الشابة «أوفيليا»، فضلًا عن إيلاء اهتمام بالغ بالمشهد الطبيعي من حول الجسد الغارق في الماء، وتشير التقديرات إلى أن رسم النباتات والأزهار وحدها استغرق أكثر من 4 أشهر.
ويُجمع نقاد ومؤرخو الفن على أن الورود التي تطفو على الماء حول جسد الفتاة الغارقة، ليست لمجرد الزينة، ولإضفاء جمالية على اللوحة، بل إن لكل وردة أو نبتة منها انعكاسات ودلالات نفسية مختلفة عن الأخرى، وتُجسّد الطبيعة البشرية بمختلف معانيها الحسِّية، والوجودية. رسم الكثير من الفنانين أوفيليا، لكن اللوحة التي رسمها ميليه تعتبر من أفضل اللوحات التي تصور مشهد انتحار الفتاة الحسناء، ابتداء من المنظر الطبيعي إلى ملامح الفتاة التي صورتها الملحمة بأنها كانت تغني وترك فمها مفتوحًا، في حالة استسلام حيث تبدو مثل ملاك يطفو على صفحة الماء.


أديل بلوخ باور

  أديل بلوخ باور 















رسم الفنان النمساوي غوستاف كليمت أديل بلوخ باور بتكليف من زوجها، رجل الأعمال الثري فرديناند بلوخ باور، عام 1907، واستغرق الفنان ثلاث سنوات ليكمل اللوحة، ثم رسم الفنان بورتريه آخر لأديل عام 1912، فكانت الشخص الوحيد الذي يرسمه كليمت مرتين. ولدت أديل في فيينا، عام 1881 وهي الابنة السابعة لموريس باور الذي كان يعمل في البنك، وفي عمر صغير ولكي تهرب من بيت والديها تزوجت أديل من فرديناند بلوخ. في صيف 1903، طلب فرديناند من كليمت أن يرسم زوجته أديل، ليهديها كهدية لوالديها.
عند وفاتها عام 1925 أوصت أديل بلوخ باور زوجها بأن يتبرع باللوحات إلى المتحف القومي النمساوي، لكن عندما اجتاحت القوات الألمانية مدينة فيينا أثناء الحرب العالمية الثانية هرب الزوج من المدينة، فتم الاستيلاء على اللوحات وكافة ممتلكات العائلة من قبل القوات النازية عام 1941.
عام 1945 بعد الحرب استردت الدولة النمساوية اللوحة واحتفظت بها في المتحف القومي تبعًا لوصية أديل لكن زوجها كان قد أوصى أن يرث اللوحات ابن أخيه وشقيقاته.
كتبت العديد من الكتب عن هذه اللوحة وتاريخها الحافل كما صنع فيلم شهير عنها عام 2015 بعنوان "سيدة الذهب".
هكذا تحولت هذه الوجوه في البورتريهات السالفة إلى أكثر من وجه نتأمله، فصار هناك مسار آخر قادتنا إليه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.