}

في رحيل ميادة بسيليس.. الصوت الماسي

راسم المدهون 21 مارس 2021
موسيقى في رحيل ميادة بسيليس.. الصوت الماسي
ميادة بسيليس (1967 ـ 2021)

صوت ميادة بسيليس العذب والرائق والمحمَل بشجنه الخاص والفريد لن يفارقنا رغم غيابها النهائي من عالمنا قبل أيام قليلة. بسيليس التي صارعت المرض في سنواتها الأخيرة، قدمت للفن السوري والعربي أفقًا مختلفًا، نظيفًا وراقيًا ويستحق انتماءه إلى عصرنا وإلى المستقبل معًا، فهذه الموهبة المميزة عاشت أجواء الغناء وفنونه في مدينة حلب العريقة، صاحبة التاريخ الحافل بالأصوات الغنائية والموسيقيين، بل وتقاليد حفلات الغناء التي نهلت منها كما فعل أغلب من احترفوا الغناء والموسيقى من العرب، وعلى رأسهم الخالد سيد درويش، وموسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب، وهي ميزة تجعل من يمتلكونها يقبضون على مفردات فن الغناء وتلاوينه الصعبة التي تؤهل للارتقاء والصعود إلى مكانة عالية، تتأكد في جاذبية الصوت، وفي إمكاناته التقنية القادرة على الوصول بالجملة اللحنية إلى قلوب المستمعين.
بدأت الراحلة رحلتها مع فن الغناء في التاسعة من عمرها، ومنذ ذلك العمر المبكر جابت دروب النغم كلها، من غناء الطرب، إلى الإنشاد الديني، والتراتيل الكنسية، وأطلقت لصوتها العنان في الانتقال من تجربة غنائية إلى أخرى. المهم في هذه الرحلة الشاقة والممتعة معًا هو مشاركاتها الكثيرة في المسابقات الغنائية، كما مساهمتها في الحفلات الغنائية الكبرى، ومنها حفلات في "دار الأوبرا المصرية".

أبرز محطات حياتها الفنية كانت مع أغنيتها "يا قاتلي بالهجر"، التي كانت افتتاحية جميلة ومميزة لألبوماتها اللاحقة التي حملت تنويعًا بين ألوان الغناء المختلفة، والتي كانت أغنية "كذبك حلو" ذروتها، إذ ذاع صيتها، ونالت عنها جائزة أحسن أغنية عربية عام 1999، ما فتح أمامها طريق الوصول والشهرة لتتابع من موقع التفوق والنجاح تقديم فنها الأصيل والراقي، وترفده يومًا بعد يوم بالجديد والمتطور. هي بهذا المعنى فنانة دؤوبة لم يخدعها النجاح والشهرة، بل واظبت على تحقيق المزيد منه للوصول بأغنياتها إلى حالات متصاعدة من التألق.

هي مطربة الذوق الرفيع التي مزجت الغناء الراقي والمتطور بالروح الشعبية والموروث الغنائي والموسيقي، فحققت على مدار سنوات تجربتها نجاحات وضعتها في مقام ومكانة مختلفين عن غيرها من مجايليها. بسيليس التي أصدرت أربعة عشر ألبومًا غنائيًا حمل أغنيات فردية دافئة ساهمت أيضًا بالغناء في الأعمال الدرامية السورية، فقدمت شارات افتتاحية وختامية غنائية ناجحة ومميزة ارتقت بتلك الأعمال وبعنصر الدراما ذاته. ما يميز تجربتها ويمنحها أهميتها الاستثنائية أنها وقعت في زمن "الفيديو كليب"، أي تمامًا في زمن "سطوة الصورة"، وما تضيفه من "توابل" و"محسنات" ليست من فن الغناء ومفرداته. صوت بسيليس نبتة واقعية الانتماء إلى أجيال الغناء الأصيل في حلب الشهباء، عزَزت هذا الانتماء وأضافت إليه الدراسة المتأنية، والتدريب الصبور والطويل، على حرفية الأداء التي تحافظ في الوقت ذاته على عفويته وسلاسته، وهو صوت يتجاوز في غنائه ذائقة النخبة من المثقفين وذوي الاهتمام، ويصل إلى قلوب الجمهور العريض. نرى كثيرًا من هذا في حضور غناء بسيليس خلال العقدين الماضيين بالذات، وهي السنوات التي ازدحمت فيها الساحة الغنائية بالأصوات المتفاوتة الأهمية والحضور، بما قدمته تلك الأصوات من تعددية وتنوع غنائي لم ينل من مكانة صوت ميادة وغنائها، بل هو على العكس من ذلك عزَز تلك المكانة وأعلى من شأن غنائها وتجربتها، باعتبارها تجربة امتلكت سحرها الخاصة، كصوت مفرد أولًا، ولكن، أيضًا، كصوت امتلك حرفيته الفنية العالية، وهنا بالذات يبدو فضل زوجها الموسيقي الكبير والمعروف، سمير كويفاتي، الذي واظب على تدريب صوتها سنوات طويلة، ونجح في تأهليه لأداء مختلف ألوان الغناء وفنونه، وزوَده بالقدرة على التكيف مع مختلف الألحان والمقامات العالية والمنخفضة.
ميادة بسيليس عاشت سنوات حياتها الأخيرة تصارع المرض الخبيث، وغابت في "منتصف العمر"، وهي في عامها الرابع والخمسين، فخسرت الساحة الفنية بغيابها نجمة ساطعة وزاهية في حياتنا وفننا.
أحيت بسيليس عددًا كبيرًا من الحفلات داخل سورية وخارجها، بينها حفلة في مجمع "قصر الفنون الجميلة" في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، وأخرى في دار الأوبرا في مدريد بإسبانيا ودار الأوبرا المصرية.
وحصدت الراحلة عبر مسيرتها الفنية عددًا من الجوائز المحلية والعربية، منها الأورنينا الذهبية ثلاث مرات، والجائزة الأولى في مهرجان الموسيقى العربية في الدار البيضاء، والجائزة الذهبية لأفضل أغنية مصورة، والذهبية في مهرجان القاهرة، وغيرها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.