}

بافتا 2021: تنوع حقيقي في عالم افتراضي

سناء عبد العزيز 18 أبريل 2021
سينما بافتا 2021: تنوع حقيقي في عالم افتراضي
"الهدية" للفلسطينية فرح النابلسي فاز بجائزة أحسن فيلم قصير
كان من المتوقع أن يختلف حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام هذا العام عنه في العام الماضي. وليس ذلك بسبب ما فرضته الموجات المتتالية لفيروس كورونا من أجواء شديدة العزلة، بل بالأحرى، نتيجة للتحول المذهل الذي شهدته الجوائز على مدار العام السابق بأكمله، وهو ما أمكن استشفافه عبر قوائم البافتا القصيرة قبل الإعلان عن نتائجها النهائية، متمثلًا في اتساع نطاق المرشحين وتنوعهم، وترشيح 16 شخصًا ضمن 24 من ذوي البشرة الملونة، وأربع من المخرجات لأول مرة في تاريخ الجائزة.

 

نماذج من جوائز بافتا المقدمة من الأكاديمية البريطانية للأفلام 


لم تقتصر هذه التغييرات على ترشيحات الأفلام فحسب، بل امتدت إلى العضوية، والمصوتين، ودور الحكام في التصفيات النهائية. كأن الهيئة المانحة للجوائز تبرهن على براءتها من رد الفعل العنيف لهشتاغ #BaftasSoWhite، الذي انتشر في العام الماضي. وبقدر ما تشير هذه التغيرات إلى تطورها الإيجابي بعد أن اتهمت بالتحيز للمشاهير من ذوي البشرة البيضاء، تفتح طريقًا غير مسبوق نحو الهامش.



بدء الحفل الافتراضي
عوضًا عن الحفل السنوي المعتاد، بثت الأكاديمية البريطانية للأفلام حفلها الافتراضي هذا العام على مدار ليلتين، 10 ـ 11 أبريل/ نيسان، من قاعة رويال الملكية بلندن، من دون جمهور، أو سجادة حمراء. التقى فيه المشاركون عبر الفيديو، لمتابعة التتويجات بالجوائز، ولتجاوز الخلل الفني في جوائز "غولدن غلوب"، التي أعلنت قبل أسابيع، قام فريق بافتا بفاصل زمني مدته ساعتان ونصف الساعة بين الحفل الفعلي وبثه، لتفادي مشاكل زووم من جهة، ومحو الألفاظ الخادشة من جهة أخرى.

خصصت الليلة الأولى لتوزيع الجوائز التقنية التي غالبًا ما يتم تجاهلها، أو حذفها، ببساطة من الحفل، بعد تكريم اسم الأمير الراحل فيليب، دوق إدنبرة، وأول رئيس لـ"بافتا"، الذي توفي قبل يومين من الحفل. وشملت جائزة أفضل مؤثرات بصرية لفيلم الإثارة والخيال العلمي "عقيدة/ Tenet"، من تأليف وإخراج كريستوفر نولان، وهو أول فيلم لنولان بعد غياب طويل. كما ذهبت جائزة أفضل طاقم تمثيل لبطلات الفيلم الدرامي البريطاني "روكس/ Rocks"، رغم ميزانيته المنخفضة، ورغم أن طاقمه من الفتيات المراهقات يقف معظمه أمام الكاميرا للمرة الأولى، إخراج سارة غافرون. بينما فاز فيلم الدراما الأميركي "رقصة ما ريني/ Ma Rainey’s Black Bottom" بجائزتين؛ أفضل تصميم ملابس وأفضل مكياج وتصفيف شعر، بطولة الممثل الراحل تشادويك بوسمان في دوره الأخير الذي ترشح عنه لأكثر من جائزة. أما "مانك/ Mank"، للمخرج الأميركي ديفيد فينتشر، الذي يتناول حياة كاتب سيناريو فيلم المواطن كين، هيرمان جي مانكيفيتش، فبعد أن تصدر السباق إلى جوائز الأوسكار، فاز بجائزة أفضل تصميم إنتاج، وفاز بجائزة الصوت وأفضل مونتاج الفيلم الدرامي الأميركي "صوت المعدن/ Sound of Metal"، من إخراج داريوس ماردر.

بطلات الفيلم الدرامي البريطاني "روكس/ Rocks"


شملت الليلة الأولى، أيضًا، الإعلان عن جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير، التي ذهبت إلى الفيلم الفلسطيني "الهدية/ The Present"، المرشّح للدورة الثالثة والتسعين من الأوسكار، وهو التجربة الإخراجية الأولى لفرح النابلسي. وتدور أحداثه حول معاناة الشعب الفلسطيني في اجتياز المعابر، ونقاط التفتيش الإسرائيلية، من خلال رحلة أب مع ابنته الصغيرة نحو بلدة قريبة لشراء هدية لأمها بمناسبة عيد زواجهما. وفي كلمتها التي وجهتها عبر الإنترنت، شكرت النابلسي القائمين على الجائزة، وفريق العمل الذي ساعدها على إنجاز هذا الفيلم، وأهدت الجائزة للشعب الفلسطيني الصبور. وحصل فيلم "البومة والقطيطة/ The Owl and the Pussycat" على جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة قصير، قبل أن تختتم بافتا ليلتها الأولى بمنح جائزة أفضل مساهمة بريطانية في السينما للممثل والمخرج والمنتج وكاتب السيناريو، نويل كلارك.



جولة أخرى
وزعت الجوائز الـ 17 المتبقية في الليلة التالية على قناة "بي بي سي 1"، وكان من نصيب الفيلم الأميركي "نومادلاند" 4 جوائز، منها: جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل تصوير سينمائي، ومنحت بطلته فرنسيس ماكدورماند جائزة أفضل ممثلة دور رئيسي. لم تكن ماكدورماند حاضرة افتراضيًا، غير أنها بعثت برسالة نقلها المقدم ريتشارد إي غرانت، وتقول فيها: "شكرًا أيها الشعب البريطاني العزيز، أقبل بتواضع هذه الجائزة نيابة عن قبيلة نومادلاند". وبفوز مخرجته كلوي تشاو، دخلت التاريخ باعتبارها ثاني امرأة تحصل على هذه الجائزة، والأولى منذ سنوات طويلة. سبق لـ"نومادلاند" أن توج بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، وما زال ينتظر جولة أخرى مع جوائز الأوسكار بعد أيام.

مع الإتيان على ذكر "جولة أخرى"؛ الفيلم البارز والممتع والرهيف، الذي فاز بجائزة البافتا لأفضل فيلم أجنبي، ظهر توماس فينتربيرغ مرتديًا بدلة رسمية ومحاطًا بزملائه وعائلته في كوبنهاغن، وهو يقول: "راودتني قليل من الشكوك حول أن يعجب البريطانيون بفيلم عن الشرب"، ثم شكر ابنته إيدا، المؤيدة المتحمسة للمشروع التي ماتت بشكل مأساوي في بداية تصوير الفيلم، مشيرًا إلى أن "التكريم الذي حظينا به يعني لنا أكثر مما تتخيلونه".
كان لفيلم الكوميديا السوداء "شابة واعدة/ Promising Young Woman" الذي كتبته وأخرجته وشاركت في إنتاجه إيميرالد فينيل، حظّ في جائزتين؛ جائزة أفضل سيناريو أصلي، وأفضل فيلم بريطاني، تسلمتهما فينيل من منزلها، موجهة الشكر لبطلته كاري موليجان على براعتها في الأداء، وهو ما أسهم في نجاح الفيلم. 



زهايمر الأب وحكمة الجدة في "ميناري"
لعل محبي الممثل الشهير، أنتوني هوبكنز، توقعوا له الفوز بكثير من الجوائز عن أدائه المميز في فيلم "الأب/ The Father"، منها جائزة "غولدن غلوب"، التي ذهبت بضربة قدر للراحل تشادويك بوسمان عن "رقصة ما ريني"، لكن بافتا في نسختها الـ 74 منحت هوبكنز جائزتها عن أفضل ممثل رئيسي في الفيلم الذي نال استحسان النقاد والجمهور، وحصل، أيضًا، على جائزة أفضل سيناريو مقتبس. وفي اجتماع عبر الإنترنت، شارك هوبكنز صناع فيلمه سعادته بفوزه الذي قد يجرب مرة أخرى مع الأوسكار، ونشر على صفحته الشخصية مقطعًا منه.

من فيلم الدراما الأميركي "رقصة ما ريني/ Ma Rainey’s Black Bottom"


في فئة جائزة أفضل ممثل مساعد، نال دانيال كالويا جائزة عن دوره في فيلم "يهوذا والمسيح الأسود/ Judas and the Black Messiah"، وهي الجائزة المرشح لها في الأوسكار عن الدور نفسه، بينما تستمر بطلة فيلم "ميناري/ Minari" الكورية يون يوه جونج، في تحقيق إنجازاتها غير المسبوقة، بحصولها على جائزة أفضل ممثلة مساعدة، لتصبح أول امرأة آسيوية تفوز فيها. وفي مقطع طريف، أثار ضحك الجميع، ذكرت أن اختيارها ينفي إشاعة أن الشعب البريطاني "متغطرس"، كما يصفونه.



زمالة بافتا.. أعلى وسام تقدير
منحت الأكاديمية جائزة زمالة بافتا هذا العام، وهي أعلى وسام تقديرًا لـ "الإنجاز المتميز في الصورة المتحركة"، للمخرج التايواني، آنج لي، الحاصل على ثلاث جوائز أوسكار، فضلًا عن عدة جوائز أخرى.



وفي مقطع فيديو، أبدى "لي" تقديره الخاص لهذا الحب، لأن بريطانيا كانت "السوق الوحيدة" التي حقق فيها فيلمه "عاصفة ثلجية/ The Ice Storm" أية إيرادات. "أنا مدين لهم بكثير، إذ جعلوني أتجرأ على المغامرة في العديد من أنواع الأفلام الأخرى، وأمدوني بالشجاعة لتوسيع آفاق رؤيتي وفتح قلبي. بالنسبة لي، هذا ما تدور حوله صناعة الأفلام: الشجاعة على جعل أنفسنا تنفتح على الحقيقة من خلال القصة ومن خلال المشهد والصوت المنعكس على تلك الشاشة الفضية. هكذا تواصلت مع العالم، وهذا ما أحب أن أفعله. إن الحصول على هذه الجائزة يمثل تقديرًا للأشخاص الذين يتواصلون بالطريقة نفسها".



بافتا في ثوب جديد
على مدار العشرين عامًا الماضية، حرصت الأكاديمية البريطانية للأفلام على أن يقام حفلها قبل أسبوعين من حفل الأوسكار، وهو ما أكسبها ذيوعًا خاصًا، ومع إرجاء موعد إقامة الحفل هذا العام لمدة شهرين، وبدء المرحلة النهائية للتصويت على جوائز الأوسكار، باتت هي الفرصة الأخيرة للفت انتباه أولئك الذين لم يصوتوا بعد على ترشيحات الأوسكار. مع كل ذلك، فإن شيئًا من المغالاة يشوب تلك التغييرات الإيجابية الطموحة، وبخاصة بعد أن انتقدت في عام 2020، بسبب قائمتها العتيقة التقليدية والمثيرة للإزعاج، فإذا بها تنفض عنها غبار الماضي في نسختها الـ74، بنحوٍ، وإن بدا مبالغًا فيه، يكشف عن مدى التصلب في جوائز أخرى، ويفضي إلى تنوع حقيقي في حفل افتراضي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.