}

النظام الطبقي في الهند.. لا خلاص للمنبوذين حتى بالموت!

ندى الأزهري ندى الأزهري 8 أبريل 2021
سينما النظام الطبقي في الهند.. لا خلاص للمنبوذين حتى بالموت!
لقطة من فيلم "الشجرة المرّة" Kaajro (يوتيوب)
على كتفيه جسدٌ فاقد الروح خرج به مطرودًا من قريته، دار به زمنًا بحثًا عن مكان لدفنه هو المنبوذ طبقيًا المنتمي لهؤلاء "الممنوع مسّهم" في الهند.
فيلم "الشجرة المرّة/ كآجرو/ 2019"، للهندي نيتن بَسكار، الفائز مؤخرًا في جائزة أفضل فيلم عن ولاية غُوا، ضمن لائحة الجوائز القومية للسينما في الهند، يمسّ قضية حساسة لها جذورها القديمة في الهندوسية، وترتبط بنظام التصنيف الاجتماعي، أو التراتبية القائمة على الانتماء الطبقي (الكاست).
نظام التراتب الطبقي في الهند لا يزال ساريًا في العُرف، والحياة اليومية، على الرغم من إلغائه في القوانين، ووجود مبادرات وتشريعات لإعطاء الطبقات الدنيا اجتماعيًا، وليس بالضرورة اقتصاديًا، مزيدًا من الحقوق والحصص في المناصب الحكومية والتعليم، من دون أن يعني هذا السماح بانتقال تصنيف الفرد من طبقة إلى أخرى، فمَنْ في الطبقة العليا يبقى فيها مهما كان فقيرًا، ومن في الدنيا يظل منعوتًا بها مهما اغتنى. هكذا يقسّم الأفراد في فئات اجتماعية متفاوتة "القيمة"، ثمّة من في الأعلى، ومن في الأدنى، بدءًا من البراهمة (رجال الدين)، مرورًا بالكشاتريا (المحاربون)، والفايشا (التجار)، وانتهاءً بالشودرا (الحرفيون). لكن بعضًا منهم، ويُسمّون "الداليت" لا يحق لهم "شرف" الانتماء لأي طبقة، وهم الذين "لا يُمَسّون"، أي المنبوذون من قبل المنتمين إلى الطبقات العليا.

من فيلم "الشجرة المرة" - الاحتفالات بعيد دوشرا 

"الشجرة المرّة" الناطق بلغة كونكاني المحكيّة في ولاية غوا، أول فيلم يرسم لوحة لحياة وطقوس لا يعرفها إلا قليلون لمناطق ريفية محاطة بمدينة غوا السياحية العصرية. "تيلغيا"، الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو مزارع بسيط يعيش مع زوجته في كوخ بائس كبؤس حاله، يقع في منطقة معزولة على أطراف القرية. يعمل، أيضًا، كطبّال يعزف في المعبد الهندوسي خلال الاحتفالات الدينية في قريته. في يوم "دوشرا"، وهو عيدٌ سنوي هندوسي يجسّد انتصار الإله راما على الشيطان رافانا، ويرمز بذلك إلى نصرة الخير على الشر، كان مضطرًا إلى التنقّل بين مكان الاحتفال، حيث عليه أن يكون مشاركًا في العزف أثناء الطقوس، وبين زوجته المعزولة بمرضها ووحدتها.
السرد مقسمٌ إلى مرحلتين تجريان في اليوم نفسه، في زمن يقارب الساعتين. في مرحلة أولى، تتابع الكاميرا الرجل، في الزمن الحقيقي وهو يتنقّل بين مكانين يفصل بينهما درب ترابيّ محاط بالخضرة، ساحة القرية بصخبها، حيث المعبد وقد تجمّع حوله وجهاء القرية، ورجل الدين والسكان، وكوخ تيلغيا الهادئ، حيث الزوجة المريضة العاجزة. في سرد بطيء، يلحُّ على إظهار العناية المشددة التي يحيط بها الرجل زوجته، حيث يعيد وجوده معها شيئًا من حياة لها هي المحتضرة، كما يتبيّن مدى الوفاق والحبّ، وأيضًا البؤس الذي يعيشان فيه، ما يمهّد لتبرير حدث لاحق. تيلغيا يرسم غالبًا على وجهه تعابير حزن واستسلام، كشخص طالما خضع لسوء معاملة لا يستطيع برغم آماله الخلاص منها. حين يكتشف خلال النهار نفسه موت الزوجة، يسارع إلى طلب قطعة أرض في القرية لدفنها، هو من المنبوذين، وهؤلاء لا يحقُّ لهم حرق موتاهم كما تحتّم التقاليد الهندوسية. يرفض الوجيه صاحب الأرض، وكذلك أهل القرية، أن تدفن عندهم، على أرضهم.
تبدأ هنا المرحلة الثانية من الفيلم في زمنها الحقيقي كذلك، لأكثر من ساعة، وفي لقطة واحدة مستمرة، تتبع الكاميرا مسيرة تيلغيا، ورحلته الشاقة المهينة، وهو يحمل زوجته الميتة على ظهره سعيًا للعثور على أرض لدفنها خارج حدود القرية، كما طلبوا منه. طوال الطريق، يخاطبها كما لو كانت حية، ويشرح لها معاناته وحزنه وأحلامه، فأن "تُولد شجرة، وحتى حيوان، أفضل من تولد من هذا النوع (الإنساني)". يعبر النهر الذي يفصل القرية عن مناطق غابات تشتهر بها المنطقة، ليرتاح بها تحت شجرة المرار. اختار المخرج موقع التصوير في قرية تقع شمال مدينة غوا، وساهمت جماليات المكان في مساعدة سيناريو مختصر محوره شخصية واحدة، لا سيما في المرحلة الثانية الأطول في الفيلم. كما كان الريف بيئة خصبة مناسبة تتجسّد فيها على نحو فجّ عادات وتقاليد، كما يتمثّل فيها التفاوت الطبقي والتعامل الفوقي للطبقات العليا على أفضل شكل. تمثّل هذا تمامًا في مشاهد المرحلة الأولى (سخرية من الطبال، وابتعاد نساء القرية عن طريقه...). وبدا تعاطف المخرج جليًا مع الشخصية الرئيسية، فقد أظهر، عن دراية، مدى الالتزام الدقيق لكل طبقة بالعرف والتقليد السائد. فبدت شخصياته مقنعة، بسلوكها ولباسها، ومثيرة للتعاطف (تيلغيا)، أو النفور (الوجهاء).

من فيلم "الشجرة المرة" -  تيلغيا يرّوح عن زوجته 


تمايز طبقي
يثير التمايز الطبقي في الهند اهتمام السينما الهندية بكل أنواعها. وتلقى تلك القضية تفاعلًا من الجمهور العريض، وتلقى أفلام عنها جوائز قومية. وقد اشتهر منها فيلم "سايرات" (2015) الناطق بالماراتي من ولاية مهاراشترا (عاصمتها مومباي)، للمخرج ناغراج مانجول، الذي لقي نجاحًا ساحقًا حين عرضه في الهند، لقصته المؤثرة عن حب جمع بين فتاة وشاب ينتميان لطبقتين اجتماعيتين مختلفتين. في ظل نظام التمايز الطبقي، فإن ارتباطًا كهذا لا يمكن له أن يحدث، وإن حدث فعواقبه وخيمة، وهذا ما كان.
كما ثمة فيلم فائز آخر ناطق بالتيلغو، من ولاية آندرا برَديش، كان حاز عام 2015 على جائزة أفضل فيلم أول، وهو عن الطبقات وحواجزها، ومحاولة اختراق حدودها في فترة حرجة من تاريخ الهند. وهو فيلم "كانش" للمخرج كريش، وفيه شابٌ من الطبقة المتوسطة يقع في حبّ فتاة من عائلة ملكية، وبالطبع هنالك الأخ ليفعل كل شيء للتغلب على هذا الحب، إلى أن يتيح القدر للحبيب إنقاذ حياة الأخ خلال الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها وحدات هندية تحت التاج البريطاني، لكن ذلك جاء بعد فوات الأوان.


جوائز لأفلام غير هندية
هذه الأفلام المحلية الآتية من شتى أنحاء شبه القارة الهندية تعبّر بلغاتها المتعددة عن الخصوصية الثقافية للمناطق، وتتمايز هكذا عن سينما بوليوود الناطقة باللغة الهندية. الحكومة المركزية تنظّم منذ 67 سنة ما يعرف باسم "الجوائز القومية" لأفضل فيلم روائي أنتج في العام السابق، في مختلف ولاياتها، وناطق بإحدى هذه اللغات. الفيلم "الهندي" ليس دائمًا بالهندية، فلغات الهند تتجاوز المئتين، يعترف الدستور الهندي باثنتين وعشرين منها كلغة رسمية مع الهندية والإنكليزية. وهكذا، فهنالك جائزة لأفضل فيلم هندي، وأخرى لأفضل فيلم ماراتي، أو تاميل، أومالايالم، أو بنغالي، أو كونكاني...
وتعدُّ "الجوائز القومية" للسينما في الهند إحدى المناسبات النادرة التي تتيح التعرّف على إنتاجات مختلف الولايات. وتبلغ نسبة تلك حوالي ثلثي الإنتاج الكلي في الهند الذي يقارب 2500 فيلم في العام، في 49 لغة. وقد وصل عدد الأفلام التي تنافست على الجوائز القومية لعام 2019 إلى 461 فيلمًا روائيًا، وتمّ الإعلان عن الفائزين، ومنهم فيلم "الشجرة المرّة" في آذار/ مارس الماضي 2021، بسبب جائحة كورونا عام 2020.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.