}

الشرير في السينما.. "العالم المظلم" الذي يسكن الجمهور!

يملك كل فرد في عقله الباطن "شريرًا" ما، حتى لو كان هذا الفرد مستقيمًا خيّرًا، لكن هناك من يستيقظ فيه وينعكس في سلوكه حتى يتحوّل لأداة تمثّل الشر بكل تجليّاته وأشكاله، ويصبح بين عشية وضحاها عينه التي يرى بها، ويده التي يفتك من خلالها، والخراب الذي سينعكس كنتيجة لهذا الفعل. وفي المقابل هناك "الشرير" الذي يبقى مسجونًا في غياهب الإنسان الداخلية، لا يجد المفتاح الملائم لفتح قفل العقل، يبقى داخل ذلك الفرد حتى يضمحل ويتلاشى. من هنا وجب طرح سؤال جوهري، وهو كيف يُمسحُ على ظهر هذا "المارد الشرير" حتى يغلب البعض ويخرج، ويغلبهُ آخرون فيبقى؟ والجواب بسيط للغاية، وهو أن لكل شخص مرجعية ثقافية وحضارية ومجتمعية كبر ونشأ فيها، وهي من ولّدت سلوكه وقدّمت له الأدوات الضرورية لمواجهة الحياة، انتصارًا لفكرة أن "الإنسان ابن بيئته". كما أن هناك فئة لا يمكن حصرها في زاوية ما، عصيّة على التصنيف، بمعنى أنه يمكن لفرد نشأ في بيئة سليمة ومتّزنة وأسرة طبيعية أن يتحوّل في وقت ما إلى شرير، وهناك من يكبر في بيئة عنيفة وقاسية لكن مارد الشر فيه يبقى بداخله، لطيبته واستقامته، لكنها فئة وإن كانت موجودة فهي قليلة أو نادرة.

هذه الصور السلوكية تفطّنت لها السينما، وأطلقتها كأفكار مزروعة في متون أفلامها، ووجّهتها صوب "المتلقّي" حتى يزنها بعقله ومكتسباته ومرجعياته، انطلاقًا من السينما كفن، وتماشيّا مع مدى انعكاس "شخصية" الفيلم الرئيسية على المشاهد كمتلقٍ، وكيفية تعامله وتفاعله عاطفيًا مع هذه "الشخصية" التي نقصد بها "الشرير في السينما". ولا نقصد بهذا، ذلك العدو التقليدي الذي ينهزم في آخر الفيلم، ويأخذ جزاءه من "البطل الخيّر"، وإنما نعني ذلك البطل/ الشرير، الذي يقتل ويستلذّ بالقتل، الذي يُعذّب ويدمّر ويخرّب ويحيك المؤامرات، انطلاقًا من حادثة ما، أحيانًا تذكر في سياق الفيلم ومرّات يتم تجاهلها، حتى أنه في الأخير ينتصر بطريقة ما، أي أن الشر يغلب العقل. لكن الخبر ليس في هذا الطرح الذي يمكن أن يحدث، إنما في تفاصيل ما بعد الفيلم، وهي الخاصيّة التي تبرز مع سلوك الجمهور الذي يتعاطف معه ويخلق بينه وبين ذلك الشرير رابطًا حيويًا يتوحّد معه نفسيًا إلى درجة أن يتمنى أن يكونه، أن يعكسه بطريقة ما، أن يصبح هو حامل للواء الشر بعد مصرعه، حتى يكتمل درب الشر ولا ينتهي.

هذه الأفلام، وإن كانت محدودة في السينما، لكنها تركت الأثر الكبير في وجدان "المتلقّي العالمي"، ليس على جيل معيّن، بل يتم توارث هذا التلقّي/ التأثير جيلًا بعد جيل. من هنا نفتح قوسًا ونستفهم عن مدى أخلاقية هذه الأفلام على الإنسان. ومن جهة ثانية، هل يجب أن ننصب لأصحابها مشانق أخلاقية، حتى وإن انتصرت فنيًا؟ والجواب هو "لا". يجب دائمًا أن ننتصر للفيلم وقيمته الفنية، ولا ننظر للمخرج على أنه قدوة أو مصدر للخير أو الشر، بل جاء ليقدّم فكرة وقيمة جمالية، فمن شاء تلقّفها ومن شاء لفظها. لكن من جهة ثانية، وجب على كل من ينقد هذه الأعمال ويحاكمها أخلاقيًا بحجة أنها تدعم الجريمة وتساعد على انتشار الشر في الأرض، أن يقوم بتفكيك أسئلة العمل، ومدى فهمه لعقلية الشر وتفسيرها فنيًا، ومنطلقات الفرد، وأسباب ظهور هذا الشر، ومن هو المسؤول الأول عليه، هل المجتمع، الأسرة، الكيان المجتمعي، أو الإنسان بشكل عام؟ هذه هي الأسئلة التي وجب مناقشتها وطرحها، لأن معرفة الإجابة عنها وحدها من تجعلنا نذهب لمصدر هذا الشر لنعرف تراكيبه، أما عاطفة الجمهور وتعلّقه بالشرير فهو تحصيل حاصل لسلوك مجتمع ككلّ. وفي هذا السياق سبق للمجلة الأميركية الشهيرة "بيغ ثينك"، المعروفة بنشرها للتقارير المميزة والدقيقة، أن نشرت مقالًا علميًا استندت فيه إلى نتائج لفريق بحث يتكوّن من مورتن موسهاغين من جامعة أولم الألمانية، وبنيامين هيلبيغ من جامعة كوبلنز لانداو الألمانية، وأنغوا زتلير من جامعة كوبنهاغن الدنماركية، اشتغل حول شخصية "الشرير" وسماته النفسية، وقد أطلقوا على هذه الحالة بـ"العامل المظلم" وهي المؤشّرات التي تسكنه، وقد تمّ تفسيره بـ "الميل الأساسي لتعظيم المنفعة الخاصة على حساب الآخرين، مصحوبًا بمعتقدات تبرر سلوكيات الفرد المؤذية".

الكثير من الشخصيات الشريرة في السينما تتعامل مع الشر ببرودة لأنها تبرّر تلك السلوكيات، وهذا ما رأيناه في ثلاثية فيلم "العرّاب" 


لهذا نرى بأن الكثير من الشخصيات الشريرة في السينما تتعامل مع الشر ببرودة، لأنها تبرّر تلك السلوكيات. هذا ما رأيناه مثلًا في ثلاثية فيلم "العرّاب" للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، بداية من دون كورليوني إلى ابنه مايكل كورليوني. والأخير هو خير من يجسّد هذه النظرية، لأنه كان شابًا وديعًا محبًا للخير، لا يشارك في الأعمال الإجرامية لعائلته التي تتزعّم المافيا، لكن عندما وجد "الشر" الذي كان يسكنه، الفرصة المناسبة، خرج منه، أو كما قال العلماء "العامل المظلم". وهناك شخصيات عديدة في السينما تعكس هذا الطرح، مثل شخصية "هانيبال ليكتر" التي ابتكرها الكاتب توماس هاريس في روايته، حيث كان هذا البطل طبيبًا نفسيًا محبًا للفنون، لكنه في الوقت ذاته محبّ أكثر لأكل لحم البشر، ولقد نقل هذه الشخصية إلى السينما الكثير من المخرجين، منهم المخرج مايكل مان، "مانهونتر"، ولكن أكثرهم إثارة للجدل والنجاح هو فيلم "صمت الحملان"- 1991 لجونثان ديمي، وبطولة أنتوني هوبكنز، الذي تحصّل على أوسكار أحسن ممثل عن هذا الدور، ورغم أن الشخصية التي أدّاها قاسية ودموية وخارجة عن نطاق الإنسانية بحكم أنه رجل يحب أكل لحوم البشر، إلا أن شريحة واسعة من الجمهور أحبّته وتعلّقت به، أي تعلّقت بشخصية هذا الشرير. ولعلّ أكثر الأفلام في العصر الحديث التي عكست التعلّق الجنوني بالشرير هو فيلم "الجوكر" الذي تسبّب في الكثير من المشاكل نظرًا لتأثيره الكبير على الجمهور، ومن جهة أخرى حجم العنف الذي فيه.

عكست السينما مفهوم الشر حتى تظهر نقيضه من الخير، وهذه الموازنة وحدها تفكّك المعنى الأزلي والصراع بين هذا الثنائي، لكن يحدث أن يعشق المتلقّي الشر، وينظر لفاعله كقدوة، ومن هنا وجبت دراسة هذا السلوك بطريقة أعمق، وان كانت هناك دراسات في هذا الشأن، فهي في المجمل غير عميقة برأيي، ولم تجب عن الكثير من الأسئلة، والمطلوب من السينما التي تطرّقت لهذا الظاهرة وفسّرتها من خلال ما بعد العرض، أن تقوم بتفكيك العلاقة بين الجمهور والفيلم، وأن تصنع أفلامًا تطرح هذه الأسئلة العلمية المشروعة، وتقدّم من خلالها محاولة لفهم هذه الظاهرة وفقًا لسياقات التلقّي واستنادًا لما هو موجود من المنطلقات العلمية.
ولقد سألنا في هذا الموضوع مجموعة من المشتغلين في الحقل السينمائي عن دور أو صورة الشرير في السينما، وكان السؤال كالتالي: كيف استطاعت السينما خلق التعاطف مع القاتل أو الشرير أو السيء أو المنبوذ في السينما؟ وما هي أهم الأفلام التي خلقت هذا النوع من السينما في تقديرك وحسب مرجعيتك؟
كانت الردود مختلفة بحسب تنوّع الأفلام التي تعرّضوا لها.

 

يفتح ميلفيل أفلامه الإجرامية العظيمة حيث نجد جميع المكوّنات التي ستجعل من روائعه مثل "الساموراي" تحفًا عملاقة



عبد السلام الكلاعي (مخرج سينمائي):

أبطال ميلفيل السيئون

لا يمكنني تذكّر أفلام أبطالها مجرمون نتعاطف معهم دون أن يظهر بسرعة في ذاكرتي جان بيير ميلفيل Jean Pierre Melville الذي على الرغم من أنه في بدايته كان قادرًا على التعبير عن موهبته خارج النوع البوليسي، إلا أنه من خلال العمل فيه حقّق أكثر نجاحاته إبهارًا. فبعد أن قدّم "بوب المقامر Bob le flambeur" و"رجلان في منهاتن Deux hommes dans Manhattan"، عاد إلى نوع الفيلم البوليسي بفيلم "الواشي Doulos" مستفيدًا من حرية فنية كبيرة منحها له إنشاؤه لاستوديوهاته الخاصة. مع هذا الفيلم يفتح ميلفيل أفلامه الإجرامية العظيمة حيث نجد جميع المكوّنات التي ستجعل من روائع مثل: "الساموراي Le samouraï" أو "النفس الثاني Le deuxiéme soufle" أو "الدائرة الحمراء Le cercle rouge" تحفًا عملاقة من هذا النوع من الأفلام التي أبطالها مجرمون سيئون وقتلة، ولكنك تحبهم وتتعاطف معهم وتتماهى معهم كليًا، وذلك عن طريق توظيف رموز "الفيلم الأسود" الأميركي بدقة كبيرة، بحيث لا يشعر المرء أبدًا بأنه يشاهد فيلمًا فرنسيًا من زمن سيطرة الموجة الجديدة والفيلم الاجتماعي. وحتى وإن كان ميلفيل يفضّل استخدام الأيقونات والأساطير والتجريد، فإن العالم الإجرامي الذي يصوّره يبدو طبيعيًا جدًا وصادقًا لدرجة أن المشاهد يتولّد لديه انطباع بأنه منغمس كليًا في العالم السفلي الباريسي.

 

يرسلنا المخرج إلى منطقة رمادية ويجبرنا على التعاطف مع المُغتصب من قسوة الانتقام! وهذا خلل كلي.



ضحى الورداني (ناقدة سينمائية):

الانتقام طبق يؤكل باردًا

منذ المرة الأولى التي شاهدت فيها فيلم  The Skin I live in وجدت أنه لا يأتي على ذهني غير المثل الفرنسي "الانتقام طبق يؤكل باردًا". لم أشاهد مثل واقعة الانتقام هذه من قبل، فقد أرسلني المخرج إلى منطقة رمادية أجبرتني على التعاطف مع المُغتصب من قسوة الانتقام! هذا خلل كلي، لقد حطّم هذا الفيلم معايير الإنسانية بداخلي، وأنا أثق أن هذا الغيم انساق له كل مشاهدي الفيلم الإسباني The Skin I Live In للمخرج ALMODOVAR، ومن بطولة Antonio Banderas, Elena Anaya, Marisa Paredes. قصة الفيلم مستوحاة من الرواية الفرنسية "ميغال" من تأليف تييري جونكيت، والتي نشرت عام 1983، وتمّت ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية تحت عنوان “Tarantula” في عام 2003، ولكن مع بعض الإضافات الخاصة التي وضعها المخرج ألمودوفار بنفسه. تدور أحداث الفيلم حول امرأة شابة تدعى فيرا -إيلينا أنايا- تقضي وقتها في غرفة مقفلة مجهزّة بكاميرات تعمل أربعا وعشرين ساعة في اليوم ولمدة ست سنوات! تمكّن جرّاح التجميل روبرت ومربية المنزل ماريليا -ماريسا باريديس- من مشاهدتها. يظلّ المُشاهد في حيرة حول حقيقة فيرا، ولماذا تُحتجز في هذه الغرفة؟ ولكن الصدمة تأتي عندما يلجأ المخرج ألمودوفار إلى الماضي عن طريق تقنية الفلاش باك، وحينها يعلم المُشاهد أن فيرا في الأصل شاب يدعي "فينست" قام باغتصاب ابنة روبرت تحت تأثير العقار المخدّر، ممّا تسبّب في صدمتها وإنتحارها، وعليه لجأ والدها إلى الانتقام بحبسه وتحويله جنسيًا من ذكر إلى أنثى، ثم اغتصابه له أيضًا، ومن ثم الوقوع في حب الجسد الذي صنعه.

الانتقام بتحويل الجنس هو فكرة شديدة القسوة تضاهي قسوة الانتقام، ومن هنا يتم خلق التعاطف الكلّي مع المغتصب، خاصة أنه اغتصب الابنة تحت تأثير الكحول. ولكن المخرج ألمودوفار كشف لنا هذه الحقيقة متأخرًا، بعدما تم تحويله الكلّي من ذكر إلى أنثى مفقدًا له حياته السابقة والقادمة كليًا. ولولا الآليات السينمائية التي تمّ اللجوء لها في هذا الفيلم، لمّا تم التعاطف مع المغتصب وإدانة والد الفتاة المغتصبة.

 

 عبد الكريم واكريم (ناقد سينمائي):

الشرير النبيل في السينما

سبق الأدبُ السينما في جعل القارئ يتعاطف مع شخصية تقوم بأفعال يصنّفها الحس الإنساني السليم بالخاطئة والخارجة عن المتعارف عليه وعن الأخلاق، ليصل الأمر بالكاتب قبل المخرج ليجعلنا كقرّاء نتعاطف مع القاتل، ونُبرِّر له من خلال المؤلِّف جريمته أو جرائمه. ونجد أهم مثال لهذا في الأدب العالمي في رواية "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي، والتي نُقلت غير مرة للسينما عالميًا وعربيًا من خلال الفيلم المصري "سونيا والمجنون" (1977) للمخرج حسام الدين مصطفى وبطولة محمود ياسين ونور الشريف ونجلاء فتحي.

ومن بين أهم الأمثلة في السينما العالمية في هذا السياق نجد فيلم "صمت الحملان" (1991) لجونثان ديمي، حيث نتابع الشرير هانيبال ليكتر الذي أدَّى دوره باقتدار أنتوني هوبكنز والذي لا نستطيع كمشاهدين إلا أن نتعاطف معه، رغم كونه آكلا للحوم البشر، وذلك لكونه يتواصل مع البطلة الطيبة ويساعدها في الإيقاع بشرير أشرس منه، وفي نصب شرك له قبل أن يتمكّن من إلحاق مكروه بالطفلة التي اختطفها. ثم في فيلم "إشراق" (Shining) لستانلي كوبريك حيث نتابع جاك تورانس، الكاتب الروائي، الذي انقطع عنه الإلهام، وسقط بالتدريج في عالم من الهلوسة وتلبَّسته روح المكان الشريرة في الفندق حيث التجأ ليختلي ويبدع، وحتى حينما كان يهمّ بقتل زوجته وابنه لأن روح فندق "أوفرلوك" تلبّستنا نحن أيضًا ولم نعد نرى فيما يفعله تورنس شرًا.

في فيلم "ليون" (1994) للوك بوسون يلعب الممثل الفرنسي جان رينو دور قاتل مأجور يدخل في علاقة صداقة بريئة مع طفلة لا يتجاوز عمرها 12 أو 13 سنة، ويعطف عليها ويحبها، وفي المقابل يواجه أشرارًا أكثر منه شراسة، وهكذا، لا يملك المشاهد سوى أن يتعاطف معه ويبرّر أفعاله غير المبرّرة أبدًا في الحياة العادية ووسط مجتمع سويّ.

وفي فيلم "الزوجة المفقودة" (2014) لديفيد فينشر لا نملك إلا أن نتابع بحياد كيف أن زوجًا وزوجته يتبادلان الأدوار في حياكة المكائد لبعضهما لحدود محاولة قتل بعضهما، فيما الزوجة تُقدِم بالفعل على قتل عشيقها المتيّم بحبها فقط لكي تعود لأحضان الزوج الذي ظنّت أنه ما زال يحبها.

عمومًا فقد تناولت السينما العالمية وخصوصًا الأميركية بشكل متكرّر تيمة الشرير النبيل أو القاتل، الذي يمكن تبرير جُرمه من خلال أحداث وحبكات كُتبت وتم إخراجها بشكل متمكّن، ومن طرف مخرجين موهوبين، والذين تمكّنوا من الوصول للغوص في النفس البشرية بكل تناقضاتها، فحتى وهي تسقط في أعماق الشر تظلّ نقط من الضوء والخير حاضرة في ثناياها، يُركِّز عليها هؤلاء ليورّطونا كمشاهدين مع هاته الشخوص الإشكالية.

انتوني هوبكنز.. رغم أن الشخصية التي أدّاها قاسية ودموية غير أن شريحة واسعة من الجمهور أحبّته وتعلّقت به 


 

محمد بنعزيز (كاتب وناقد سينمائي):

عندما نتعلّق بالأوغاد..!

رجل أنيق مثقف يعشق الفن يحاضر عن دانتي أليغيري... يرسم الضابطة التي تطارده ويكتب عن الرسام كرافجيو... يعشق أعرق العطور... يسكن شقة من القرن الخامس عشر...  يعشق المدن العريقة مثل البندقية ويحتقر المدن حديثة النعمة مثل لاس فيغاس... من لا يحلم بهذه العراقة؟ حين يحلم المتفرج بهذا فهو معجب ببطل غاية في التحضّر، ولكن عيبه أنه قاتل وآكل لحوم البشر... إنه أنتوني هوبكنز في واحد من أبرز أدواره في فيلم "هانيبال"- 2001 للمخرج ريدلي سكوت. والفيلم جزء من ثلاثية، ومنها أيضًا "صمت الحملان" و"التنين الأحمر". لدى هانيبال طبع خفاشي ويحب مصّ الدم... له أصل نبيل في جينالوجيا الحكاية، فأصله أمير أرستوقراطي يعود إلى الكونت دراكولا.

ما مصدر الإعجاب به؟ البطل أذكى من الشرطة التي تطارده. الضابطة التي تطارد المجرم معجبة به وهي ترسم، والتقليد أعلى درجات الإعجاب. حتى أحد ضحاياه مشوّه الوجه وهو ملياردير معجب به. هذا بطل وغد بألف وجه. يحبّ المتفرجون حكايات الأوغاد الغامضين الذين تتكشّف شخصياتهم تدريجيًا. هكذا تم بناء الشخصية بربطها بأهواء العقل الجمعي لدى المتفرّجين. شخصية تعرف ما تريد وتركيزها كله هو على تحقيق هدفها، يظهر هذا السعي في السلوك والكلام. شخصية غاية في التحضّر، هذا هو الوجه المضيء، ثم نرى الوجه المظلم من القمر. تنكشف مسافة كبيرة بين مظهر الشخصية وحقيقتها. في سرد الخير تكون الشخصيات واضحة جدًا وهذا مملّ، مهمة البطل عادةً هي إضعاف الشر ثم القضاء عليه. لكن هانبيال بطل شرير عن تخطيط وثقافة، وليس بسبب مس شيطاني. هذا شرّ بشري صرف بخلاف أفلام كثيرة تقدّم رعبًا ميتافيزيقيًا ينسب لساحرة عجوز أو شيطان.

إنه شر بشري متعمّد مع سبق الإصرار. أنا أيضًا أتعاطف بكيفية ما مع هانيبال، وقد رأيت الفيلم مرّات عديدة، لأن البطل يتحدّث عن القرن الثالث عشر بمعارف تسحرني، أنا المغرم بذلك القرن.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.