كان مقدرًا للمعرض أن يستمر أحد عشر شهرًا ابتداء من شباط/ فبراير 2021 ولكنه تأجل بسبب ضغط كابوس كورونا الذي شلّ شتى النشاطات في العاصمة الفرنسية، وافتتح من جديد مع تخفيف الحجر تدريجيًا وتراجع حمى الإصابات ما بعد العشرين من الشهر الماضي، وذلك مع أوائل الشهر الراهن مستمرًا حتى الثاني من كانون الثاني/ يناير من 2022، واقتصر على ستة أشهر لأهميته وعظم حجم الاستثمارات بمناسبته: إعلامية وطباعية وتربوية وثقافية، مؤسساتية وخاصة. واعتبرت التحالفات بين المؤسساتية المختصة حليفة الاقتصاد أن المقارنة المخبرية متقاطعة رغم أن واقع الحال يؤكد تأثر بيكاسو بالعمالقة وعلى رأسهم رودان.

جانب من المعرض

إن التجول في حنايا معرض المتحفين يثبت وجهتي النظر معًا:

تبتدئ المقارنة منذ مطلع القرن العشرين وذلك بتطعيم المادة الفنية بعناصر طبيعية: 1932 بيكاسو ينجز تكوينًا من فراشة ونباتات مصبرة يقابله رودان (ما بعد 1900) والذي سبقه في إنجاز ملصقات (تلسين) من العاري الجصي والصخور والأغصان والنباتات. ثم تعرض التظاهرة تبصيمات ومصبوبات وبقايا مستحاثية محفوظة في الطبيعة، إلى جانب أوراق أشجار ما قبل التاريخ (مثل مستحاثات السرخس) والأصداف. يمثل معرض باريس العالمي ما بعد 1900 منعطفًا أساسيًا في عروض الاثنين، وذلك بالتخلي نهائيًا عن التمثيل المُعاد للواقع والطبيعة، واستبداله بتعبيرية انطباعية رومانسية لدى رودان، وبصياغة تكعيبية (متناسلة من سيزان - بوسان) لدى بيكاسو، وهكذا راجع الاثنان كل حسب شروط عصره، الفنون البدائية ابتداء من الإغريقية والفرعونية لدى رودان وانتهاء بـالأفريقية والأبرية لدى بيكاسو. دون أن ننسى ظهور فنانين مناظرين في صبوة هذا التحرر من ربقة الوصف الواقعي مثل النحاتين: بورديل ومايول، وقبل هنري ماتيس وأندريه ديران.

لو قارنا عملين عملاقين كل واحد منهما يتجاوز السبعة أمتار ارتفاعًا وهما: منحوتة بوابة الجحيم لرودان ولوحة الغيرنيكا لبيكاسو، نشهد نفس الهذيان الجسدي الأنثوي المنفلت بحركة تعبيرية حرة في الفراغ. وكذلك بقية الأشكال الآدمية المشظاة. إذا خرجنا من هذين المثالين بالذات نجد أن الصفة العامة لهذه المقارنة المتوحدة تتمثل بالجسد الأنثوي المتحرك والمتحرر من الجاذبية الأرضية مثل بهلوانيات السيرك. أثر رودان على جيل من النحاتين من خلال تماثيله النصبية: بلزاك ثم فكتور هوغو، معتمدًا على تلسين المواد واعتماد بيكاسو بالمقابل على قص مواد حديثة وتلسينها لأول مرة ابتداء من الكرتون وصفائح الخشب وأوتاده والاستعارات السحرية من الأقنعة الأفريقية. ثم ولأول مرة في تاريخ الحداثة يترك الاثنان الواحد تلو الآخر العمل الفني غير مكتملٍ، يتوقفان بالأحرى قبل الوصول إلى مرحلته الأخيرة.

بيكاسو.. إلى اليسار منحوتة تمثل سابحة تقرأ كتابًا

من مثال نصب البرونز الرجل والخروف 1943 لبابلو بيكاسو مقابل أعمال رودان في محترف مودون وشظايا الأجساد المهيأة لإعادة اللصق والتلسين (التي ورثها سيزار فيما بعد)، ثم العمل على مجموعات متحولة تعالج نفس الموضوع مثل المفكر لدى رودان والمرأة الباكية لدى بيكاسو، وهنا نعثر على تأثير مضمر لرودان على بيكاسو من ناحية نقل حساسية الاستدارة الحسية أو حتى الجنسية في الجسد العاري هو ما يدعى بالشكل البيولوجي، مقارنة جسد تمثال المفكر نفسه (المنقول لدى رودان نفسه من بوابة الجحيم) لنجد نفس التكوين: استناد الرأس على اليد في السابحة تقرأ كتابًا لدى بابلو بيكاسو.

كما أنه منذ البداية محاولة رفع الحدود بين النحت والرسم. واعتماد بقايا الأعمال الفنية كالإكسسوارات ملصقة أو متمفصلة في التجارب التالية، مما يؤكد وحدة مفهوم تحوّل المحترف إلى مختبر مواد حرة تعالج لأول مرة.

يبتدئ هذا المعرض البانورامي المقارن من المعالجة المشتركة بين الاثنين "للقبلة". تتكشف في هذه المقارنة وبصيغة أدق أن القرابة بين الاثنين تعتمد على استثمار بيكاسو لموروث رودان والدفع به إلى خطوات أبعد من عصريهما، نحو تدمير الأشكال وعبثيتها التراجيدية السحرية.

"القبلة" تمثالًا لرودان ولوحة لبيكاسو