}

مسرح برشلونة يفتتح موسمه بمسرحية عن المهاجرين

أحمد عبد اللطيف أحمد عبد اللطيف 8 يوليه 2021
مسرح مسرح برشلونة يفتتح موسمه بمسرحية عن المهاجرين
خصّص مهرجان جريك ببرشلونة يوم الافتتاح لمسرحية عن أفريقيا
في حادث ثقافي لافت، قرر مهرجان جريك الأول ببرشلونة تخصيص عمل الافتتاح لمسرحية عن أفريقيا، تتناول قصة المهاجرين. العرض الذي مثّل الافتتاح ليلة الأحد الماضي مستوحى من رواية الكاتب الفرنسي ماتياس إنارد بعنوان "شارع روبادورس"، وأخرجه المخرج والممثل الكتالوني خوليو مانريكي.

ضم العمل مجموعة من الممثلين الكتالان من أصول مغربية، وقام ببطولته جييم بلارت وموها أمازيان، حيث أدّيا دوري الأخضر وبسام، شابان من طنجة استقرت بهما الحياة في قلب شارع الرابال ببرشلونة، بعد رحلة شاقة بحثًا عن المستقبل والحرية.

يتميز العمل، بالإضافة للتقنيات المسرحية الحديثة، بحسّه الإنساني المكثف والعاطفي، وعمق القصة الأساسية التي كتبها إنارد، وهو مؤلف يعيش في برشلونة منذ عقدين ويرسم إطارها وأماكنها بفنية كبيرة، واستطاع النص المسرحي، الذي كتبه مارك أرتيجاو وسيرجي بومبرماير ومانريكي، أن يتمتع بنفس القوة، ويضيف إلى النص المكتوب أبعاد السينوغرافيا والتجسيد، ليستمر ما يقرب من ساعتين وربع الساعة، بدون أي استراحة.

العودة إلى المسرح مرة أخرى، بعد أكثر من عام من التوقف جراء وباء الكورونا، جاء مصحوبًا بالإجراءات الاحترازية من تباعد وكمامات وعدد محدد بـ 70% من الإشغال. مع ذلك، حضر العرض 1475 مشاهدًا، من بينهم، كما هو معتاد في حفلات افتتاح المسرح، رئيسة البرلمان لاورا بوراس، وعمدة برشلونة أدا كولاو، ومسؤول الثقافة جوان سوبيراتس، وعدد كبير من الممثلين والمخرجين من عالم المسرح.

ملصق المسرحية

 

البحث عن الفردوس المفقود

تنطلق المسرحية من الأخضر، وهو شاب من طنجة تعرض للطرد من بيت عائلته لتورطه في علاقة مع ابنة عمه. بذلك تبدأ أوديسة البقاء وتكوين الذات في زمن صعب، حيث تسود سلسلة من الهجمات الإرهابية والتعصب الإسلاموي وثورات الربيع العربي، والأخيرة بالتحديد ما ركز عليها العرض من خلال شاشة سينمائية في خلفية المسرح تستعرض بعض مشاهد من الاحتجاجات.

تبدأ رحلة الاخضر بالانتقال إلى منطقة الخثيراس بغرناطة، لينتهي به المطاف في قلب الرابال ببرشلونة، حيث موجة أخرى من الاحتجاجات العارمة والمطالب بالانفصال، ليواجه البطل ملحمة أخرى منظمة يؤطرها واقع قاس وصارم، ليجد نفسه، مثل الكثير من المهاجرين، محاصرًا بالعنصرية وسوء الأحوال الاقتصادية، بالإضافة للأحكام المسبقة السلبية.

أدى بلارت دور الأخضر بطاقة حماس لافتة، وبنوع خاص من الفكاهة اللاذعة التي تعكس أزمة شخص يعيش تراكمًا من المآسي، سواء في المغرب أو في طريق رحلته بغرناطة ثم برشلونة. ورغم قدرته المسرحية، إلا أن دوره كمغربي كان يصعب تصديقه.

في المقابل، كان دور الممثل الكتالوني موها أمازيان مؤثرًا جدًا واستطاع تبني صوت بسام بقوة، إنه صديق الأخضر الذي يساعده على العيش عبر توفير أعمال مؤقتة له، وفي نفس الوقت يتبنى الراديكالية الدينية كطريق للنضال من أجل تحقيق أحلامه. وبالإضافة للبطلين، ثمة شخصيات أخرى مثل أيوب الهلالي، محمد البوهالي، عبد اللطيف حويدر، إليسابت كاسانوبا، كارلوس مارتينيث وأنا كاستلس، يتقاطع معهم الأخضر في طريقه.

تركزت المسرحية فيما يزيد عن ساعة ونصف الساعة في استعراض المصائب التي عاشها البطل في المغرب وفي غرناطة، حيث عمل في كل الوظائف الممكنة من مترجم بالساعة براتب بائس، وعامل في مزرعة بل وحتى في حانوت لدفن الموتى من المهاجرين الذين يفقدون حياتهم في مضيق جبل طارق، ثم يصل إلى برشلونة بحثًا عن فتاة تعرّف إليها وأحبّها في طنجة، لينتهي به المطاف في شقة مثل علبة سردين بشارع روباردس.

 

مشهد من المسرحية



أزمة هوية أم أزمة اقتصادية

تتبنى المسرحية أزمة الجيل الأول من المهاجرين، بالتحديد من هاجر منهم بطريقة غير قانونية عبر البحر وعرّض حياته للخطر. وتسلط الضوء على الصعوبات التي يواجهونها في بلد جديد، خاصةً صعوبات العمل والاندماج، ليس فقط لأنهم جدد في هذا المجتمع، وإنما كذلك لأن المجتمع لا يقبلهم بسهولة، ولأنهم بلا أوراق يعيشون معاناة مضاعفة. ورغم أن الأخضر يناضل من أجل الاستقرار، إلا أن بسام، المستقر نوعًا ما، كان الأقرب للتطرف الديني. سينتهي العمل المسرحي والأخضر في مأزق النبذ، لكن الخيط الذي مدّه المؤلف عبر بسام يمكن أن يشير إلى المصير المنتظر: الانضمام لجماعة إرهابية. ثمة فلسفة تنحاز إلى تحليل أزمة المهاجرين بأنها ليست فقط أزمة هوياتية، وإنما أيضًا وبالأساس أزمة اقتصادية. أزمة خلقتها الحكومة الإسبانية، وبالتالي الحكومات الأوروبية، لعدم قدرتها على استيعاب المهاجرين وإدخالهم في السياق التكافلي المتاح للمواطنين. هذه فلسفة العمل، هذا نص الرسالة المسربة بنعومة من بين ثغرات المشاهِد، وهي فلسفة قارئة جيدة ومحللة ممتازة للواقع الإسباني وأزماته، وخاصة الواقع الكتالوني الذي تعرض منذ أعوام لعملية إرهابية. بذلك، يسعى العمل إلى جذور الأزمة، حيث العدل والتعامل الإنساني يمكن أن يجنبنا جميعًا المصائر الملعونة، مصائر خسارات الأرواح قبل أي شيء. لكن العمل، لحرصه على الحفاظ على جماله وفنه، لا ينحدر للمانيفستو السياسي الصارخ، إذ يمرّر أزمة الوجود الإنساني برمزيه المغرب وبرشلونة، في إطار أبعد من الجنسية والدين، فمصاعب الحياة والتعاسة، حتى لو لم توزع بالعدل بين الشعوب والبلدان، إلا أنها وزعت بين الأفراد.

مسرح بخلفية سياسية

يأتي هذا العمل المسرحي في سياقه السوسيولوجي المناسب، فبعد عام ونصف العام من العزلة، وبعد أن تشارك الجميع في الخوف والرعب وتقاسموا معًا آلام الوحدة والطرد من العمل أو التهديد به، يبدو العمل كدعوة لميثاق جديد على أسس إنسانية عامة، إذ الموت لم يختر المهاجرين وحدهم، ولا الوباء أصاب السكان الأصليين بمفردهم. ورغم أن المنطقة الرمادية بين الخير والشر هي المنطقة المفضلة في الفن، إلا أن العمل بحساسية عالية وضع الثنائية وجهًا لوجه، ما تناسب مع الطرح الأصلي للعمل.

أخيرًا، تنتمي المسرحية إلى مسرح المهاجرين أو مسرح الهجرة، وهو تيار تأصل في إسبانيا في القرن العشرين، وكان هدفه بالأساس النظر بعينين اثنتين وليس النظر بعين واحدة، وفتح مساحة حرة لرؤية المهاجر كإنسان له عائلة ويتطلع إلى حياة أفضل، وليس مجرد هارب في مركب أو غازٍ لأرض غير أرضه، أو مغتصب للفضاء العام. و"شارع روبادورس" امتداد لهذا المسرح، صوت آخر هام ينضم لأصوات الضمير الثقافي.  

 

المخرج خوليو مانريكي

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.