}

"الكثبان الرملية" في مهرجان فينيسيا السينمائي

سمير رمان سمير رمان 18 سبتمبر 2021
سينما "الكثبان الرملية" في مهرجان فينيسيا السينمائي
ريبيكا فيرغسون في فيلم "الكثبان الرملية"

في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، اختتم مهرجان فينيسيا عروض دورته الـ78. وشهد المهرجان العروض الأولى لفيلمي "الكثبان الرملية/Dune "، و"سبنسر". كما احتلّ الفيلم الأرجنتيني "المسابقة الرسمية/ Competencia oficial" صدارة أحداث المهرجان.
أراد كثير من المخرجين تصوير فيلم عن رواية فرانك هربرت "الكثبان الرملية"، إحدى أهمّ روايات الأساطير في القرن العشرين. فشل بعضهم في تجسيد الرواية على الشاشة، في حين قام بعض آخر بتصوير نسخةٍ مجانية لإرضاء محبي القصة. من بين جميع المخرجين الذين تصدوا لهذه المسألة، كان المخرج الكندي/ الفرنسي دينيس فيلنوف أوفرهم حظًا في حلّ المعضلة.
قبل كلّ شيءٍ، يعد "الكثبان الرملية" انتصارًا للتقنيات التكنولوجية، حيث تجسّدت بتألق سينمائي على الشاشة جميع عناصر العالم المادي: يعاسيب ذكية تحلق بين النجوم؛ ديدان رملية غامضة؛ وعواصف مجنونة تضرب الصحراء. أصبحت رمال كوكب أراكيس/ Arrakis المتحركة الفكرة المهيمنة الرئيسة في المشاهد، بصريًا وفكريًا: فهنا، وبين تلال الرمال تلك، فقط، يمكن الحصول على وقود السفن الفضائية، ليصبح من يمتلك تلك الرمال يمتلك العالم برمته. لم يعتد فيلنوف الإكثار من الفلسفة المفرطة، ولكنّه طرح مع ذلك أفكار الرواية الأصلية عبر الحوار بين شخصيات الفيلم. من تلك الأفكار، على سبيل المثال: (لا يسعى القائد العظيم إلى الاستيلاء على السلطة، بل يأخذها عندما يدعوه الشعب إلى ذلك)، أو: (ليس المطلوب حل لغز العالم، بل استكشافه من خلال الانخراط في عملية الاستكشاف ذاتها).
يتميّز فيلم "الكثبان الرملية" بإيقاعٍ وأسلوب باردين، لكنهما يصبحان رائعين تحت تأثيراتٍ قوية، سواءً أكانت بسيكولوجية، أم بصرية، أم صوتية. مشاهدة الفيلم ممتعة للغاية، يعززها وجود طاقم تمثيل يضمّ كلًا من: أوسكار آيزك، وستيلان سكارسغورد، جوش برولين، وشارلوت رامبلينغ، ونجم استديوهات مارفل الجديد، تيموثي شالامي، في دور بول أتريدس.
على الرغم من أن أسطورة "الكثبان الرملية" كانت قد ظهرت منتصف القرن العشرين، فقد حرص المخرج على إعداد الأدوار النسوية (الممثلتان ريبيكا فيرغسون، وزيندايا)، والأدوار محايدة الجنس، بعناية فائقة، وأداها الممثلون بحرفية عالية. ومع أنّ المخرج لم يغفل مواضيع ملحّة في زمننا، كالبيئة، ومناهضة العولمة، والخطاب السياسي في مرحلة ما بعد الاستعمار، إلا أنّ كلّ هذه المواضيع غرقت تمامًا في دوامة حروب النجوم، وغدت هامشيةً في ظلّ العواطف البشرية الجياشة والقديمة قدم الكون.




جاء عرض فيلم "الكثبان الرملية" خارج المسابقة، وبلغت ميزانيته قرابة 165 مليون دولار، خصصت بالكامل للجزء الأول من القصة.

مخرج فيلم "الكثبان الرملية" دينيس فيلنوف


أمّا فيلم "سبنسر/ Spencer"، فيتمحور في حقيقة الأمر حول الأميرة ديانا، ولكنّ مؤلفيه ادّعوا أنّ القصةٌ قصةٌ متخيلة تستند إلى أحداثٍ واقعية. تجري أحداث الفيلم يوم عيد الميلاد، وهو عيد الميلاد الأخير الذي اجتمعت فيه الليدي بأفراد العائلة المالكة، وفي هذا اليوم بالتحديد، قررت الليدي ديانا ترك الأمير تشارلز. في البداية، تبدو طقوس القصر المتبعة في حياتهم (الوزن قبل وبعد مأدبة العشاء) غريبة وغير مؤذية، ولكنّها تبدأ تبدو بالتدريج شريرة، كما صيد الطيور، الذي يجري تدريب شباب الأسرة الملكية عليه. أمّا إحضار المواد الغذائية، وعملية الطهي ذاتها في المطبخ الملكي، فتبدوان وكأنّهما عمليتان عسكريتان! الأهمّ في الأمر آذان الخدم وعيونهم التي ترصد كلّ شيء، حتى حولت حياة الأميرة إلى جحيمٍ لا يطاق، ولكنّها بالطبع، تقوم بعملها بنوايا طيبة تهدف إلى حمايتها من عيون وآذان المصورين المنتشرين في كلّ مكان.




أصبحت الليدي دي، وهي أيقونة الشباب بعد جاكلين كينيدي، موضوع دراسة معمقة قام بها المخرج بابلو لاراين. لعبت دور الأميرة ديانا كريستين ستيوارت، الممثلة التي أنجزت المهمة الموكولة إليها بنجاح. عالم الفنّ الارستقراطي الهابط، الذي يتراءى في الأحلام على هيئة الملكة المعذّبة آن بولين Anne Boleyn(*)، واجهته ديانا سبنسر بفنٍّ ديمقراطي. فالأميرة تحبّ الهمبرغر، وتستطيع ببساطةٍ أن تقول للخادمة التي تتجسس عليها: "اتركيني وحدي، فسأمارس العادة السرية". ولكنّ الليدي تبقى في نهاية الأمر مجرّد أمٍّ أبنائها، فتعمل بكل طاقتها على إنقاذهم من الأسر الذي يعيشونه في القصر الملكي. في الفيلم، تنجح الأميرة في تحقيق هدفها: وكما هو حال الكاتب والمخرج كوينتين تارانتينو في فيلم "أوغاد بلا مجد/Inglourious Basterds"، نجد أنفسنا ونحن نشاهد الفيلم شركاء في قصةٍ بديلة، مقدّمةٍ بألوانٍ كاريكاتورية رائعة.
"المسابقة الرسمية" هو عنوان فيلم المخرجين الأرجنتينيين غاستن دوبارت، وماريانو كوهن، وشارك في مسابقة فينيسيا الرسمية. عنوان الفيلم يبقى مثيرًا للحيرة حتى ندرك أنّه "سينما عن السينما"، وهو نوعٌ فرعي من أنواع الأفلام التي اكتشفه في حينه المخرج فيليني وتروفو.



يتحدث الفيلم عن رجلٍ ثريٍّ متقدم في السنّ يموّل فيلمًا لأنّه يريد في نهاية حياته أن يمشي على السجادة الحمراء، وأن يترك أثرًا في سجلّه. ولإنجاح مشروعه، يدعو مخرجة الأزياء لولا كويفاس (تقوم بالدور بينيلوبي كروز)، والنجم السينمائي فيليكس ريفيرو (أنطونيو بانديراس)، والممثل المسرحي إيفان توريس (أوسكار مارتينيس). كلّ ما يجري أثناء التصوير والعرض يرافقه صراعٌ شرسٌ بين الطموحات والخيال الفني الجامح يقتل المشاعر والشخص نفسه أيضًا. لكن الفيلم يبقى، رغم مرارته الساخرة، فيلمًا كوميديًا أثار ضحك جمهور المشاهدين.

هامش:
(*) آن بولين Anne Boleyn: ملكة إنكلترا (1533 - 1536) والزوجة الثانية للملك هنري الثامن. أعدمت بقطع رأسها بعد اتهامها بالخيانة والعديد من الجرائم. أصبحت الشخصية الرئيسية في الفوضى السياسية والدينية، ونقطة بداية الإصلاح في بريطانيا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.