}

ماجدة علي ترسم "بنات أفكارها".. كأنَّ وجودنا عبثٌ

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 6 سبتمبر 2021
تشكيل ماجدة علي ترسم "بنات أفكارها".. كأنَّ وجودنا عبثٌ
لوحة من معرض الفنانة المصرية ماجدة علي

من سوريالية وانطباعية وتعبيرية؛ تسرحُ كائنات الفنانة التشكيلية المصرية، ماجدة علي، في لوحات معرضها الأخير "بنات أفكاري"، الذي أقيم الشهر الماضي، وضم قرابة خمسين لوحة فنية زيتية، بمقاسات مختلفة، لدرجة أنك تشعر أن هذه الكائنات تُهرِّجُ وتتهرَّجُ، أو إنها تقيم كرنفالات، فتقترح أن نضع أقنعة على وجوهنا، فوجودنا الزائف.



ماجدة علي تسخر منَّا، من إنسانية لا تشعر ببؤس الآخرين، فلا ترى وجهها، ولا هياكلها التي تشوهت من كثرة أفعالها القبيحة. هي التعبيرية لديها، ولكنها من انطباعية ووحشية، فهي ترسم أحاسيسها الداخلية، ومشاعرها ورؤاها، غير منضبطة بمدرسة فنية بعينها.
هنالك أشكال لكائنات مرسومة بخطوط مستقيمة متوازية، أو مقوسة، أو بزوايا حادة، لكنها مرسومة بشحنة من الشعور المرهف. ماجدة علي ترسم معاناتها ـ تذكرني برسومات التعبيري أوسكار كوكوشكا 1881 ـ 1980، فتعري ما خبأناه تحت الجلد، وفي نقي العظام. بل ترسم وترسل عواصف روحها ـ نتلمس هذا في ضربات ريشتها القاسية. ففي ألوانها، على تشابه واختلاف كائناتها، تراها تنفث فيها الحياة. فالأحمر قاتم بعض الشيء، ولكنه يتجانس مع الأزرق، أو الأخضر، أو الأصفر، أو ذاك الذي مثل لون الوحل. هنالك شيء من صراع، من حكايات، من أسرار لدى هذه الكائنات التي تبدو غريبة، ولكنها متآلفة في علاقاتها، وفي بث أحزانها كما لو أنها كائنات حية. قد نلحظ شيئًا من اكتئاب، لكن في عيونها انفعالات وهواجس، ذلك من نظراتها القاسية، كأن جرائم تقع ولا أحد يتدخل. هو احتجاج، هو نقد حاد وإدراك ثاقب للحياة وقوانينها الجائرة. الفنانة ماجدة علي تحاول كبح جماح كائناتها، فتكون أكثر سلامًا مع نفسها، فلا تبقى في أحلامها، تحلم خشية أن تستيقظ، فيصحو العقل، وتفقد حماسها للحياة.




ألوان من مادة ترابية على احمرارها واخضرارها واصفرارها، تكثيف وتكتيل للتغلب على الثقالة. ضغط الانحلال والذوبان لتكشف عن بلورية وشفافية أرواح كائناتها وهي تسبح، وهي تطير، وهي تقف فوق الأرض. قوة وخفة وضوء يزيح الظل نحو الغنى والخصب، إذ لا يجوز أن نقضي على عبير أرواح هذه الكائنات، باعتبارها روحًا احتفالية ـ الرسم احتفال بالجمال، الرسم ألوان ترتقي بنا من الأدنى إلى الأعلى نحو الوِجْد مهما كانت عنيفة وجَهِمة، أو رقيقة ومرحة، فلا يجوز أن يبقى الإنسان مصلوبًا على صليب الصراع تحت وطأة القدر.
ماجدة في معرضها هذا، وإن وقعت في (الكاريكاتير)، لكنها ترسم أفكارها كرسامة متمردة، تبث سخريتها من أفعالنا المتوحشة عبر هذه الكائنات، وبهذه الهيئات الإنسانية. الفنانة ماجدة أبقت على إنسانية كائناتها، وأغلبهن من النساء، فقرأنا سمات تعبيرية على وجوههن، وفي حركات أجسادهن التي صورتها، بَدَيْنَ خائفات، وكذلك شجاعات غير مباليات، لدرجة تحسب أن وجوههن من أقنعة، وأن الأقنعة هي وجوههن، أو أن ما ترسمه الفنانة ماجدة علي هو (حلم). فتتقاطع مع السورياليين، ومع التكعيبيين، خاصة مع بابلو بيكاسو (1881- 1973)، هي لا تُصنِّع انفعالاتٍ في لوحاتها، لوحاتها مليئة بانفعالاتها وانفعالات كائناتها. شيء من تراجيديا، وشيء من كوميديا، تذهبُ إلى الفلسفة والمعرفة الوجودية، وكأن وجودنا عبث ولا أمل.




ماجدة علي، وعلى كثرة الرموز والإشارات في المرويات الفرعونية في لوحاتها، إنما لتؤسس، ولتقيم اتصالًا حميمًا مع الناس. ثمة جذور أسطورية وغرائبية، إنما ساخرة وجميلة، رغم التشوه والأسلبة. الفنانة ماجدة ترسم حقيقة نفسية لشخصيات بعينها، شخصياتها التي ترتبط معها بذكريات، لذا تقوم في رسوماتها باستدعائها، استدعاء أرواحها، فهي ليست شخوصًا خيالية، هي شخصيات حقيقية إنما ذات طابع تعبيري غرائبي مدهش. وهذا لا ينفي أن ترسم الفنانة ماجدة علي هذه الأعمال في معرضها، وعلى خلاف وتنافر بعض موضوعاتها بروحٍ تأملية، أيضًا وبخشونة مقصودة، بدا ذلك في ألوانها وما تحمله من عنف وقسوة جارحة، ألوانها تصرخ ـ يُصوَّر إلي أنها تصرخ في حجرات لا يدخلها هواء، ولا أحد يسمع صراخها، مع إن الفنانة ماجدة تحاول أن تبث بواعث أخلاقية واجتماعية وفلسفية في هذه الأعمال، كما لو أنها تريد القبض على النواة الثمينة لوحدة الوجود، في عالم قاسٍ كأنه مجرَّدٌ من الشعور والعاطفة.
كائنات ماجدة علي تبدو على تعبيريتها وسورياليتها ووحشيتها مخلوقات من الأعصاب والأرواح، فهي في حُمَّى، وفي حركة، وهي تحاول إثارة أحاسيسنا بالمأساة الإنسانية التي نعيشها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.