}

فلسطين بريشة فنانين من العالم.. ملامسة المشاعر والعقول

دارين حوماني دارين حوماني 16 مايو 2022
تشكيل فلسطين بريشة فنانين من العالم.. ملامسة المشاعر والعقول
"السلام والحرية في فلسطين" (ميغيل غوميز)

"لقد أثار إعجابي لدرجة أنني قررت على الفور رسم شيء عنه. شعرت بالحاجة والإلحاح لتوصيل شيء ما من خلال فنّي، ورأيت أن وضع العلم الفلسطيني في وسط اللوحة سيكون هو الأفضل. الجنود يأخذون الفتى، ولكن يمكنك أن ترى العلم الفلسطيني في الرسم على أي حال. إنه شيء لا يمكن إسكاته، لا يمكن مسح هويتهم"- هذا ما تقوله الفنانة التشكيلية الإيطالية، أليسيا بيلونزي، التي رسمت الفتى الفلسطيني، فوزي الجنيدي، حين كان يقتاده معصوب العينين 22 جنديًا إسرائيليًا، بعد إلقائه الحجارة على الجنود خلال الاحتجاجات على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" في ديسمبر/ كانون الأول 2017.

أليسيا بيلونزي ليست الفنانة التشكيلية الوحيدة التي لا تنتمي إلى عالمنا العربي، وتتعاطف مع فلسطين، وعذابات شعبها. ثمة عدد من الفنانين العالميين تعاطف كلّ منهم على طريقته، ونعرض هنا لعدد من أعمالهم عن فلسطين في الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية التي بدأت مأساتها الإنسانية الأكبر عبر التاريخ قبل 15 مايو/ أيار 1948، لكن الإعلان عن قيام دولة "إسرائيل" في ذلك اليوم جعل من هذا اليوم رمزًا للشتات الفلسطيني، ولنزيف الحزن المزمن، والأمل المزمن، اللذين لا ينضبان من جيل إلى جيل؛ على أن يتبع هذا المقال مقال آخر عن أعمال فنية لفنانين فلسطينيين جسّدوا نكبة فلسطين من خلال "مفتاح العودة"، الذي يمثّل رمزًا للتمسك بالعودة إلى فلسطين، ورمزًا للهوية الفلسطينية، وصار جزءًا أساسيًا من الوعي الفلسطيني الجمعي.

"فلسطين" و"أمل" لأليسيا بيلونزي 


أليسيا بيلونزي/ Alessia Pelonzi
في تصريح لها لوكالة الأناضول، قالت أليسيا بيلونزي: "هناك حاجة لإظهار التضامن مع فلسطين، التضامن هو أهم شيء في هذه الأوقات العصيبة التي يمرّ فيها الشعب الفلسطيني. وأعتقد أنه أحد أقوى الأسلحة ضد الظلم. من المهم جدًا إظهار أنه، حتى من الخارج، يمكننا أن نقرر أن نكون في الجانب الصحيح من هذه المعركة المأساوية، من أجل إنهائها، وضمان العدالة التي يستحقها الفلسطينيون". في لوحة "فلسطين"، استطاعت بيلونزي أن تحوّل الواقع إلى حالة فنية؛ نرى فتى فلسطينيًا يكتسي بألوان العلم الفلسطيني، بين جنود يمسكون به بقوة، لكننا نرى أن اللون الأخضر هو جزء من لباس الجندي الإسرائيلي، ما يعكس اقتلاع الأرض الفلسطينية بقوة السلاح الإسرائيلي، ويظهر اللونان الأسود والأحمر، على الرغم من أنهما جزء من العلم الفلسطيني، وهو أحد دوافع الفنانة، زخم التعبير لهذين اللونين ليكونا أيضًا لون الدم والموت المتكرر الذي يعيشه الفلسطينيون منذ مئة عام، لينجذب المشاهد إلى قوة العلم الفلسطيني بين جنود اختارت لهم الفنانة اللون الرمادي كجزء من الظلامية التي يشكّلها وجودهم على أرض فلسطينية.

هنالك لوحة أخرى لبيلونزي معنونة بـ"أمل"، نرى فيها فتى يحمل العلم الفلسطيني، بينما تتطاير حمامتان بيضاوان من المساحة البيضاء في العلم. تستخدم الفنانة مرة أخرى التضاد اللوني في تركيزها على العلم الفلسطيني الأخضر والأحمر والأبيض والأسود وسط اللون الرمادي الذي يبرز ثبات فلسطين في عالم رمادي ومظلم يعيش في وسطه الشعب الفلسطيني، فالرمادي يغطي جسد الفتى أيضًا، فيما تشير الحمامتان إلى هوية الفلسطيني الأصلية الغامرة بالمحبة والسلام ورغبته بهما.


"العودة" و"فلسطين" و"الجدار" لتيم ساندرز


تيم ساندرز/ Tim Sanders
عام 2016، زار الفنان ورسام الكاريكاتير البريطاني، تيم ساندرز، فلسطين. وجال في الضفة الغربية مع حافلة الحرية في جنين. لم يركز ساندرز على أهوال الاحتلال فحسب، بل ركز أيضًا على مباهج ومتع الحياة في فلسطين. ومنذ ذلك الوقت يعرض ساندرز على صفحته الفيسبوكية رسومات تعرّف بفلسطين لمن لا يعرفها من الغرب، وتذكّر من نسي منهم فلسطين. من أعماله لوحة "العودة"، التي يرسم فيها الفنان مفتاح العودة بلون الأرض، ما يحيلنا إلى تمسك كل من اختبر الشتات بالعودة إلى دياره. مفتاح تيم ساندرز له أسنان قاسية وعريضة توحي بقوة الفلسطيني الترابية، والعلاقة الصلبة والثابتة مع أرض فلسطين، والإصرار على العودة إليها. المفتاح في مكان يشبه الحقل، حيث استخدم الفنان اللون الأخضر للعشب، والبني للتراب، والأزرق للسماء، ليحيلنا الفنان بذلك إلى مشهدية محراث الفلاح الفلسطيني الثابت في أرضه، ولا يتنازل عنها.

في لوحة أخرى لتيم ساندرز عنونها "فلسطين"، يرسم وجه امرأة بملامح فلسطينية ـ عربية، متخذًا من شعرها علم فلسطين يتطاير في الهواء، كدلالة على الأمل بالحرية، الرأس له قدمان، والقدمان تشيران إلى وجود فلسطين وثباتها في الخريطة العالمية. ومن لوحات ساندرز أيضًا عمل يرسم فيه جدار الفصل العنصري كما هو، بكل ما يحمله في الواقع من شعارات فلسطينية، ومنها رسم علم فلسطين، و"الحرية لفلسطين"، على أنه وضع أمام الجدار حقلًا من الزهور، واختار الأزرق والأصفر والأخضر لهذه الأرضية الزاهية، وكأنه يحكي حكايا الفرح والبهجة التي يصرّ عليها الفلسطينيون رغم عذاباتهم، والتي ستبقى أعلى من ممارسات الترهيب الإسرائيلي.



ميغيل غوميز/ Miguel Gomez
تتسم لوحات الفنان ميغيل غوميز، من جمهورية الدومينيكان، بأنها تحمل ثيمات إنسانية عالية. يرتكز عمله هنا "السلام والحرية في فلسطين" المشغول بالأكريليك على قماش على تأكيد بقاء فلسطين عبر الأجيال الجديدة، رغم عنف الإسرائيلي، واستعماله القتل كممارسة يومية في وجه الفلسطيني، بهدف إبادته. الإسرائيلي المدجّج بالسلاح يقتل رجلًا فلسطينيًا ويرميه على الأرض، فيما يقف طفل وراءه يحمل علم فلسطين. الطفل في لوحة غوميز يرتدي الكوفية الفلسطينية، ويقف منتصبًا بعزم كأنه على استعداد لمواجهة المحتلّ الإسرائيلي في سردية بصرية تخص الشعب الفلسطيني كله، الذي يربّي أبناءه على الشجاعة في وجه الإسرائيلي. استخدم الفنان أيضًا ألوان العلم الفلسطيني كخلفية للّوحة، واختار الأخضر للأرض، ما يؤكد مرة أخرى على ثبات الفلسطيني في أرضه، وإصراره جيلًا بعد جيل على أن هذه هي أرض فلسطين.

"عودة الروح" لجين فرير (Getty)


جين فرير/ 
Jane Frere
عمل "عودة الروح" للفنانة الأسكتلندية، جين فرير، يختلف عن اللوحات التشكيلية التي عرضناها. نحن أمام أشكال طيفية معلّقة تتدلى من السقف، هي تماثيل صغيرة من الشمع، وعددها 3000، تمثل اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم بسبب إقامة دولة "إسرائيل" قبل 74 عامًا. التماثيل هي لرجال ونساء وأطفال يتخذون أشكالًا مختلفة من الحزن الجماعي، يذكّرنا هذا الحشد من التماثيل برسومات إسماعيل شموط "إلى أين"، و"العطش"، و"من أجل البقاء"، ويمثّل هذا العمل الرواية الفردية والجماعية لنكبة الشعب الفلسطيني.

وكانت الفنانة قد افتتحت معرضها بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ 60 للنكبة الفلسطينية في "معرض الحوش الفني" في القدس في 12 مايو/ أيار 2008، وصرّحت خلال العرض، الذي رافقه فيديو آرت تتداخل فيه أصوات لاجئين يدلون بشهاداتهم الحية عن اللجوء إلى مخيمات في الدول العربية، قائلة: "هذه التماثيل هي نتاج أيدٍ فلسطينية تعيش في المخيمات، وكان لا بد من أن تصنع بأيدٍ فلسطينية لتكون فيها روح الفلسطينيين الذين شُرّدوا، الأموات منهم والأحياء. إن هذا العمل موجّه للغرب الذي لا يعرف كثيرًا عن هذه الفترة المظلمة لشعب شرّد من أرضه، ولا بد أن يعرف الناس ماذا جرى في الماضي ليمكنهم معرفة ما يجري اليوم في فلسطين. وأحاول من خلال هذا العمل الفني مساعدة الفلسطينيين على إيصال قضيتهم، فالفن يلامس المشاعر، وإذا لامست مشاعر الناس فستلامس عقولهم التي ستبدأ بطرح الأسئلة، وإذا وصلنا إلى ذلك نكون قد نجحنا".


"الحرية لفلسطين" لإستانيو ناوم (Getty)


إستانيو ناوم/ Estanio Naum
في الذكرى الـ73 لنكبة فلسطين، وبتاريخ 15 مايو/ أيار 2021، رسم الفنان الأيرلندي، إستانيو ناوم، على أحد جدران شوارع العاصمة الأيرلندية دبلن غرافيتي بعنوان "الحرية لفلسطين". يجسّد الفنان في هذا العمل الألم الفلسطيني، من خلال عين دامعة يتساقط منها دمع شلال يحكي "الحرية لفلسطين"، وتنبت منه جذوع أشجار خضراء، وفيما تتصاعد النيران من الجفن، كأن بيننا وبين هذه النار كلام كثير عن تاريخ حافل بحكايا اللاجئين والمعذبين والأموات، يذكّرنا بقول دانتي أليغييري في معنى الاحتراق: "حاول أن تتخيل إن كنت تستطيع ذلك أن هناك محرومًا من الحياة والموت في آن واحد"، كأنها ثنائية الحياة ـ الموت التي يعيشها الفلسطينيون؛ النار أيضًا هي الثورة الفلسطينية، التي وإن هدأت أحيانًا إلا أنها لا تزال مشتعلة في قلوب كل الفلسطينيين في الداخل والخارج. مشهدية الشجرة التي يضيفها الفنان لثنائية الماء والنار تؤكد رغبة الفنان بالقول إن فلسطين شجرة لا تموت، وما يغذّيها ثورة أبنائها وذاكرة حزنها الذي لا يهدأ.






من أعمال بانكسي في فلسطين


بانكسي/ 
Banksy
قبل 17 عامًا، قَدِم الفنان الإنكليزي بانكسي (اسم مستعار) إلى فلسطين مع عدد من أصدقائه الفنانين. ومنذ ذلك الوقت، لم يتوقف عن زيارة مدائنها، ورسم أعمال غرافيتي متنوعة. رسم في زيارته الأولى تسع لوحات على جدار الفصل العنصري، ومنذ ذلك الوقت صار الجدار يشكّل وجهة لكثير من رسامي الغرافيتي للتعبير عن غضبهم من الجدار. كانت أولى رسومات بانكسي طفلة صغيرة وهي تفتش جنديًا اسرائيليًا بعد أن جعلته يضع سلاحه جانبًا، في انتقاد ساخر مباشر لعمليات التفتيش التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون للأطفال وطلاب المدارس خلال توجههم إلى مدارسهم. أيضًا، ترك رسمًا لفتاة تطير في الهواء مع بالوناتها في رمزية لحرية الأطفال وتخطيهم الجدار. ومن أعماله على الجدار أطفال يلعبون بالرمل مع فتحة في الجدار كأنهم على شاطئ البحر.

وفي غزة، قدّم بانكسي عددًا من الأعمال، منها قطة في منزل تم تدميره وكأنها تلعب بالأسلاك الشائكة. وصرّح بانكسي بعدها على حسابه الشخصي في إنستغرام، بأنه يريد أن يسلط الضوء من خلال هذا العمل على الدمار في غزة.
وكان بانكسي قد تبرّع عام 2020 بريع مزاد علني على عمل له بعنوان "منظر على المتوسط 2017"، ويتألف من ثلاث لوحات، إلى مستشفى في بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة. وتمثّل اللوحات مناظر لبحر هائج مع عوامات نجاة برتقالية على الشاطئ، في إشارة إلى الأرواح التي أُزهقت في البحر خلال مآسي المهاجرين إلى أوروبا.

مراجع مختارة:

 https://shop.palestinecampaign.org/products/the-key-palestine-right-of-return-key

https://www.yenisafak.com/en/world/italian-painter-of-palestinian-boy-calls-for-solidarity-2890488

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.