}

"ماشو بيشو" وكنوز البيرو

أسعد عرابي 20 يونيو 2022
تشكيل "ماشو بيشو" وكنوز البيرو
أحد التماثيل في الحضارات الألفية ما بين البيرو والمكسيك

إنه معرض ليس كبقية المعارض، لأنه يمثل مركز موسمها الراهن في عاصمة النور. ورحلة معرفية إبداعية سحرية روحية خلاقة في عالم عريق، بليغ الإشارات والأبجدية الكونية. نتعرف عليه لأول مرة بهذا التبيان موازيًا لخلود "هيروغليفية" التراث الفرعوني، وأبدية "مسمارية" الفن الرافدي، مقارنة بكتابات ومكتبات ومعارف وتقاليد فنية وحرفية وسحرية تغور مثلهم أبعد من ثلاثة آلاف عام. موروث قضى عليه الاستعمار الأوروبي الأميركي في شمال القارة، والإسباني في جنوبها. فنون مذهلة من أقنعة وطقوس إلى أردية تعويذية معبدية، إلى حرف وسيراميك، إلى منحوتات سرية ملغزة تتجاوز جاذبية المعاصرين، لا نعرفها بما تستحقه، لأننا لم نسافر إليها، ولم تسافر إلينا، وبقيت تحت مسمى شعوب الهنود الحمر. اندثر منهم أكثر من أربعين مليونًا منهم بسبب المذابح العنصرية، لم تبق ولم تذر المدن والخيام والأطفال والنساء والمعابد والزيقورات والأزياء والموروث الثقافي والروحي.

موقع حصن "ماشو بيشو" رمز الإمبراطورية الأنكية أصل جمهورية البيرو وعاصمتها ليما، على اسم الحيوان المشهور فيها على مدى العصور


يعود فضل إيقاف عدوى عبودية الاستعمار في فرنسا إلى الرئيس المتنور والتعددي الديغولي، جاك شيراك، فقد هيأ دراسات معمقة لتشييد أهم متحف ثقافي بالتعاون مع المعماري جان نوفل (مصمم معهد العالم العربي). متحف دعي بالفنون الأولى، أي السابقة على الفنون الأوروبية، وذلك عام 2006م، وسمي بعد وفاته باسمه. أهدى شيراك مجموعته من الإكسسوارات وأقنعة الهنود الحمر (الأكبر والأغنى في العالم) إلى المتحف، وتزامن مع تشييده، بنوع من التنافس والغيرة السياسية التي لا تخلو من الإحساس بالذنب، تشييد متحف واشنطن لتراث الهنود الحمر.
منع شيراك منذ ذلك الحين في الدراسات تعبير "نون بدائية"، أو "ساذجة"، أو "شامانية"، وأغلق المتحف العنصري في بوابة باريس المطلة على غابات فانسين، وهو متحف فنون شمال أفريقيا والمحيط الهادي، وأحيلت محتوياته وجزء مهم من محتويات متحف الإنسان إلى متحف شيراك. وتحولت بعد سنتين وظيفة مؤسسة ترميم صناعية تابعة لمتحف اللوفر إلى متحف بيت العمارة والتراث محاذية لمتحف شيراك، في ساحة التروكاديرو المطلة على نهر السين.

تعويذة ذهبية من الموروث الروحي لإمبراطورية الأنكا


معرض اليوم الاستثنائي يركن في واجهات المتحف الجديد "مدينة العمارة والتراث" التابعة لوزارة الثقافة. ومعرضها قبلة الداني والقاصي متخصص في عروس أميركا اللاتينية، جمهورية البيرو، وريثة حضارة الأنكا (التي استمرت مئة عام)، وقضى عليها الاستعمار الإسباني في بداية القرن السادس عشر، وأمعن في شعبها بالمذابح، وإغلاق معابد، وبناء كنائس كاثوليكية، وإكراه الناس على تغيير عقيدتهم.




مع تراكم تضحيات شعب البيرو، وما خسر من مقاتلين، أثمرت ثورته استقلالًا عام 1821 م، وسرعان ما تجاوز سكانها الـ35 مليونًا. لعلها من أجمل بقاع العالم، وزهرة حضارات المحيط الهادي التي لا نعرف عنها سوى الثقافة البولينيزية، بفضل الفنان بول غوغان، وجزيرة تاهيتي ونظائرها، وخاصة جزيرة الباك، بتماثيلها السحرية الغامضة (تعرضت لها منذ فترة).

قناع تعويذي من مادة الذهب المقدسة


يؤكد موضوع اليوم على حضارة الأنكا التي تقع بين أسرار غابات الأمازون، والإطلالة على لا نهائية المحيط الهادئ. تقمصت هذه الإمبراطورية جمهورية البيرو، وعاصمتها ليما (تأسست عام 1535 م) ما هي إلا وريثة عاصمة الأنكا "سوزوكو". أعاد الإسبان تأسيس المدينة وعاصمتها، ولم يستطيعوا تغيير معالم مساحة كبيرة من الأنكا.
أما رمز المدينة والإمبراطورية الباقية فهو الحصن التنظيمي الذي كان حاشدًا بالمحاربين الوطنيين، واسمه كما هو في العنوان: "ماشو بيشو"، يكشف أبرز ما خلفته حضارة الأنكا في البيرو من خصائص التنظيم الحضري والمعابد في الهضاب والجبال، وخاصة المصنوعات الروحية، من المعادن العادية، أو الثمينة، ناهيك عن الأزياء المعبدية والفولكلورية للرقص الاحتفائي، ومجموعة من الخزف والسيراميك المزين بموتيفات تغاير تمامًا ما نعرفه، وبتصاميم أثرت على نحت ما بعد الحداثة في أميركا والعالم. تقع البيرو ضمن عقد أميركا اللاتينية في جنوب القارة، وتنزاح إلى غربها، إلى جانب كولومبيا، وبوليفيا، وتشيلي.
علينا استدراك أنه سواء في الشمال، أم في الجنوب، فإن الحضارات الألفية كانت تشعل ثقافة القارة، من أمثال حضارات الأزتيك والمايا، وآخرها الأنكا التي استمرت قرنًا فقط، حاول المستعمرون الأوربيون تمزيقها.

إعادة تمثيل لمهرجان طقوسي فولكلوري


يعانق المعرض مئة وتسعين من تحف حضارة الأنكا تعرض لأول مرة، من أقمشة وخزف ومجوهرات تصل حتى مئتين قبل الميلاد، وحتى ستمئة ميلادية. ناهيك عن الأقنعة والأزياء والأسلحة وأدوات الصيد، وإكسسوارات الحياة اليومية والآلات الموسيقية، وتصاوير الخزف، وغيرها. توسم العاصمة بأنها "مدينة الملوك" والأسياد والأباطرة، وموروثها هنا يكشف مدى ترفها الروحي والحربي. تؤكد ذلك مجموعة التيجان والقلنسوات الفروسية.





يتعقب المعرض كما ذكرت أكثر من ثلاثة آلاف سنة من حضارات ما قبل الكولونيالية.
يعانق المعرض الحاشد متحف مدينة العمارة والتراث في قلب عاصمة النور ساحة التروكاديرو، القريبة من متحف شيراك.
ابتدأ العرض اعتبارًا من 16 أبريل/ نيسان مستمرًا حتى الرابع من سبتمبر/ أيلول 2022م.
يستحق الزيارة بلهفة متحرقة بما فيه من العناية الطباعية والمحاضرات والحوارات والتعريفات البصرية المعلوماتية والليزرية والإضاءة المختصة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.