يؤكّد عنوان المعرض الفنّي الأحدث "الإنسانيّة"، للفنان التشكيلي السوري الكُردي عادل داوود، على حاجتنا الحياتيّة كبشر لأبرز ما نفتقده اليوم، ألا وهي "الإنسانيّة"؛ إذْ ثمّة حروب في كلّ مكان من هذه الأرض، دمار كبير ودماء كثيرة سالتْ ولا تزالُ، يعكسهُ انفجارٌ لونيّ غاضب وانفعالات لا نهائية تسيطرُ على منحى معظم لوحات المعرض، الذي افتتح يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت في غاليري V58 في آرهوس/ الدنمارك.
سيمفونيّة الحرب
أجسادٌ بشريّةٌ مشوّهة، ووجوه تكاد ملامحها أن تختفي تمامًا، رعبٌ هنا، وصرخةٌ مدويّة هناك، أرواحٌ ممزقة وألوانٌ صاخبة وباهتة في آنٍ معًا، أحلامٌ وكوابيس واقعيّة، وأخرى غير واقعيّة، تيهٌ وخرابٌ وألمٌ قاتل، لكأنّها سيمفونيّة الحرب التي لمَّا تنتهِ بعد، في بلادٍ ــ بالرغم من مغادرة الفنّان لها ومنذ سنوات ــ إلا أنها تأبى أن تفارق أعماله.
يرسمُ عادل داوود (من مواليد مدينة الحسكة/ شمالي سورية عام 1980) وكأنّه يسيرُ في حقل من الألغامٍ. لوحته كُتلة نارٍ مشتعلةٍ من الإطار إلى الإطار. خطوطه ليستْ من فعل ضربات فرشاة فحسب، بل إزميل حديدٍ، لتغدو أعماله حفرًا في القلب قبل العقل، قلب المتابع/ الناظر إليها.
محرقة اسمها سورية
يضم المعرض، المستمر حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مجموعة جديدة من أعمال الفنان داوود التعبيريّة، ذلك المنحى الذي اختاره منذ بداية مشواره الفنّي قبل أكثر من عقدٍ ونيّف، جنبًا إلى جنب مع التجريد الجزئي المُحبّب والقريب إلى حدٍّ ما من السورياليّة نفسها.
أعمال قادمة من بلد يحترق: سورية، هي مرآة ربما لذلك الحريق الهائل، لمبدع يتطلعُ إلى الخلاص من خلال الفنّ والحبّ، وهو ما يجعل من "اللوحة" كتلة من الدلالات ومجموعة أحاسيس ومشاعر تنتصر لقيم إنسانيّة نبيلة، تنشر التفاؤل في الوقت الذي سماء تلك البلاد ملبّدة بغيومٍ سوداء.
ترويض الألم
ثنائيّة "الألم/ الأمل" تكاد تكون العنوان الرئيس لأعمال عادل داوود، حيثُ ترويض "الألم"، لا بوصفه مُفردة قاموسيّةً فحسب، وإنما باعتباره الجحيم الذي نعيشه ويعيشُ معنا منذ سنوات، الجحيم الذي أتى على الأخضر واليابس من حياتنا وذكرياتنا، الماضي والحاضر والمستقبل، أحزاننا وأفراحنا.
من دون أن نفقد الأمل، رغم كل الأهوال؛ طالما "الإبداع" عمومًا و"الفنّ" خصوصًا من يجمّل الواقع، ومهما كانت الظروف، ويمنحنا كل ما نفتقده أيضًا. ثمّة بريقٌ يكمن خلف أعمال عادل داوود، بريقٌ خافت، ولكنّ فيه ما يكفي من الأمل لنكافح من أجل البقاء، ومن أجل غد أفضل.
عادل داوود: فنان تشكيلي كُردي سوري يقيم في العاصمة النمساويّة فيينا. تخرج في مركز الفنون التشكيلية في الحسكة، ثمَّ في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق. معرضه الفردي الأول كان في عام 2012 في قاعة "آرت هاوس" في دمشق. شارك في عدد من المعارض الجماعية في سورية، وفي عواصم عربية وأوروبية، كما استضافه غاليري "رؤى 32 للفنون" في العاصمة الأردنية عمَّان لإقامة معرضه الشخصي الثاني.