}

"السيد أزنافور": عن أسطورة الأغنية الفرنسية

سمير رمان سمير رمان 25 نوفمبر 2024
سينما "السيد أزنافور": عن أسطورة الأغنية الفرنسية
أدى الممثل طاهر رحيم دور أزنافور في الفيلم

تعرض دور السينما هذه الأيام فيلم "السيد (مسيو) أزنافور" للمخرجَين فابيان مارسو، المعروف أيضًا باسم Grand Corps Malade، ومهدي إدير، عن حياة أسطورة الأغنية الفرنسية شارل أزنافور.
"أنت يهودي؟ كلا، أرمني. وماذا يعني ذلك؟ أخشى أن شرح ذلك يطول"- جرى هذا الحوار بين المغنية الفرنسية الأشهر، إديت بياف، وشارل أزنافور، في فيلم السيرة الذاتية "السيّد أزنافور".
بالفعل، يصعب على المشاهدين الذين لا يعرفون سيرة شارل أزنافور الذاتية أن يعرفوا من خلال هذا الفيلم من هم الأرمن. تعود موجة الهجرة الجماعية للأرمن إلى عام 1915. وتظهر هذه الواقعة على الشاشة عبر صورٍ متلاحقة مجهولة المصدر، من دون تعليق يرافقها. يرى المشاهد غير المستعدّ مسبقًا للفيلم الأرمن أناسًا يشبهون الروس، أو الغجر، يرقصون باستمرار، ويرددون أغاني خاصّة. يغنون بالروسية، ولكن بلكنةٍ واضحة كان الجمهور يتقبلها من الفنانين حتى ثمانينيات القرن العشرين، باعتبارها نوعًا من التنوع الثقافي في الاتحاد السوفياتي. هذه الصورة بالتحديد هي التي كان ميشا أزنافور يرددها على مسامع ابنه الصغير الموهوب، شاخنور أزنافور، الذي جعل من هذه النصائح لاحقًا فقرةً دائمة في برامجه الفنية.
لن يجانب الحقيقة من يقول إنّ شارل أزنافور هو أكثر الأرمن شهرة في القرن العشرين، وفي الوقت نفسه أكثر من عرّف العالم بـ"الأغنية الفرنسية/ المعروفة بالشانسون". ومع ذلك، لن يعرف المُشاهد هذا الأمر من خلال فيلم السيرة الذاتية "السيد أزنافور"، ولن يفهم لماذا أصبح أيقونة قومية في فرنسا. الفكرة الإبداعية الوحيدة التي يسوقها الفيلم هي فكرة أزنافور الشاعر، وذلك من خلال عبارةٍ وردت في الحوار: "يجب أن تكون كلمات الأغنية أكثر تعبيرًا".
أمامنا فترة شباب عاصفة عاشها شارل، كان يعمل أثناءها سرًّا في مساعدة والده على إخفاء الروس واليهود عن أعين النازيين الألمان في أثناء الحرب العالمية الثانية. يركّز أزنافور في الفيلم بشكلٍ واضحٍ على أميركا: هناك أطلقوا على صوته المبحوح: "الصوت الأميركي"، ليصبح هاجسه الدائم السيطرة على خشبة المسرح الأميركي، والتفوق على فرانك سيناترا نفسه. يمكن القول أيضًا إنّ الفيلم بخس البطل حقّه، فحياة أزنافور فيها كثير من اللحظات الهامّة، التي لم يعالجها الفيلم بالعمق الذي تستحقه فعلًا.
علينا أن نشفق على المغني عندما نشاهد موت باتريك ابن أزنافور بسبب جرعةٍ زائدة. نشعر بالشفقة على الأب. باتريك يموت بسبب جرعةٍ زائدة، ولكننا وفي الوقت نفسه نجد أنفسنا نكرهه، عندما نراه بعد الجنازة، وبدلًا من مشاركة أفراد أسرته الحزن على رحيل ابنها، يسافر للغناء على مسرح الـ"أولمبيا". وعلى الرغم من أهمية الموقف، فقد جاءت قصّة موت الابن قصيرةً للغاية في الفيلم، بحيث لا يدرك المشاهد سبب الوفاة، وكذلك لا يعرف المشاهد أيضًا كم هو مذنبٌ المغني الشهير، الذي لم يول ما يكفي من اهتمامٍ لحياة الابن.

ملصق فيلم "السيد أزنافور" 




بالنهج نفسه يتحدث الفيلم، على سبيل المثال، عن المشاهد التي أدّاها المغنّي في فيلم فرانسوا تروفو "أطلق النار على عازف البيانو". ومع أنّ هذا المشهد لم يستغرق أكثر من دقيقةٍ واحدة على الشاشة، فإنّه بالضبط هو المكان الذي يجعل المشاهد يشعر بوجود علاقة تربط البطل الرئيس بفضاء الثقافة الفرنسية. من المستغرب للغاية أيضًا أن يتحدث المؤلفون بمثل هذا الإيجازٍ الشديد عن علاقة شارل أزنافور بالمغنية إديت بياف، فقد كان أزنافور مؤلف أغاني المغنية الكبيرة. وفي حين كان شارل يظهر لبياف اهتمامًا أكثر من كلّ زوجاته، فإنّها، وعلى الرغم من أنّها كانت ترى موهبته، لم تقدّم له أيّ تنازلات. ولهذا كان أزنافور يدرك أنّ عليه الانعتاق من رعايتها في أسرع ما يمكن. بالتأكيد، ستعيد هذه اللقطات إلى الذاكرة فيلم "الحياة الوردية/ La vie en Rose" للمخرج أوليفييه داهان/ Olivier Dahan، الذي نال عنه الممثل ماريون كونتيار جائزة الأوسكار لأفضل ممثل. على خلفية فيلم "السيد أزنافور"، يعدّ فيلم "الحياة الوردية" فيلمًا قياسيًا لأفلام السيرة الذاتية، حيث تحتوي كلّ لقطة فيه على كثير من العاطفة والألم والشعور بالذنب.
تصدح في الفيلم بكلّ فخامة أغنية تعود إلى عام 2000 بعنوان "ما الفرق/ What is the difference" لمغني الراب: الأميركي دكتور دريه/ Dr. Dre، والتي تفوق فيها إلى جانبه المغنيين Xzibit وEminem. مسار الأغنية يقوم على نموذج أغنية قديمة لشارل أزنافور بعنوان "لأنّك تظنين/ Parce Que Tu cois"، وبذلك يمكن القول إنّ أزنافور لم يلحق بفرانك سيناترا من حيث الدخل وحسب، بل أصبح جزءًا من الثقافة الفرعية الرئيسية الأميركية في القرن التالي.
كان من الممكن بناء الفيلم على هكذا أوجه تشابه، غير أنّ مؤلفي الفيلم حصلوا على موافقة جان رشيد كلوش، صهر أزنافور، فاختاروا روايةً واضحة، وتجنبوا المعاني والتأويلات الغامضة. ولكنّهم لم يوفقوا في اختيار الممثل طاهر رحيم للقيام بدور البطولة. وكان طاهر رحيم، ذو الأصول الجزائرية، قد حصل على جائزة سيزار، وحظي بشهرةٍ عالمية من خلال أدائه دور البطولة في فيلم "النبي" للمخرج جاك أوديار (2009). وفي فيلم "السيد أزنافور"، أدّى طاهر بنفسه جميع الأغاني التي تظهر في الفيلم، ولكنّه بالغ في الماكياج والجراحات التجميلية، بحيث تحوّل وجهه إلى ما يشبه القناع الذي صنعه فنانو المكياج بمساعدة أجهزة الكمبيوتر.
كان شارل أزنافور رجلًا ضئيل الجسم بموهبة عظيمة، أمّا طاهر رحيم فرجل عريض المنكبين ذو فكٍّ سفليّ ينمّ عن إرادة قوية. بالإضافة إلى ذلك، كان طاهر رحيم أطول من شارل أزنافور بمقدار 10 سنتميترات، يشغل معظم مساحة الشاشة من دون أن يترك للمشاهد فرصة لمشاهدة ومعرفة العالم حوله، ولذلك فقد كثيرًا من تعاطف الجمهور.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.