}

المسرح العربي في 2024: أَيْنَ العقل المتمرّد؟ (1-2)

أنور محمد 25 ديسمبر 2024
مسرح المسرح العربي في 2024: أَيْنَ العقل المتمرّد؟ (1-2)
من مسرحية "زغنبوت"


أَزيَد من خمسين مهرجانا مسرحيا وأكثر من مئتي عرضٍ مسرحي تلك التي استطعنا عدَّها وأُقيمت في مدن وعواصم عربية هذا العام 2024، والتي شاهدنا بعض عروضها بالفيديوهات، أو عبر منصات البث المباشر على الإنترنت، أو حضرناها. ورغم مرور أكثر من عامٍ على طوفان الأقصى (7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023) لم يهز أو يحرِّك ضمير صانعيها الألمُ العظيم الذي حلَّ بالغزاويين، وأنَّ ما أُلقي على غزَّة من قنابل إسرائيلية وأميركية لا يقل فتكها عن القنبلتين اللتين ألقتهما أميركا على ناغازاكي وهيروشيما في الحرب الثانية.

نصوصٌ وعروض، وندواتٌ فكرية عن الممثِّل والسينوغرافيا وفن الإخراج والنقد المسرحي وما قبل النقد، وعن مسرح الصورة وما بعد الصورة، والدراما وما بعد الدراما، إلى الليبرالية الجديدة والمسرح وما بعد المسرح، وواقع المسرح العربي المُعاصِر وما بعد المَعاصِر. عام 2024 عامٌ مسرحي غلبت فيه المهرجانات المسرحية على العروض المحلية، التي كانت تثير في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في مصر وسورية والكويت ولبنان وتونس والمغرب والسودان... إلخ، حراكاتٍ وجدالاتٍ فكرية وسياسية كون صانعيها من المثقفين الوطنيين والقوميين الديمقراطيين، فيتمُّ منعُ عرضها قبل عرضها، وإيقافُ عرضها بعد عرضها؛ كونها غمزت من الاستبداد أو سلَّت سكينها وطعنته.

هذه المسرحيات افتقدناها، نسيناها أمام سيلانات من العروض المسرحية التي تحابي وتماري وتجاري أولي الأمر، والتي أصدرت السلطات أوامر بصناعة مهرجانات لها. ففي الستينيات من القرن الماضي لم تكن الجماهير العربية ولا المسرحيون يعرفون المهرجانات المسرحية، حتى جاء مهرجان دمشق المسرحي عام 1969 وانفتحت شهية المسرحيين وموظفي الثقافة على صناعة المهرجانات، وتحوَّلت هذه المهرجانات إلى سوق سياحي تجاري ترفيهي للتسوق، وتسويق أفكار وقيم وعادات اجتماعية واقتصادية وسياسية لصرف النظر عن قضايا الحرية والعدالة وتحرير فلسطين إلاَّ ما ندر، بل إنَّ أغلبها هو مهرجانٌ واحد إنَّما ينتقل من عاصمة عربية إلى عاصمة عربية بذات الوجوه وذات الأيادي وذات الأسماء، كون أغلبها برأيي ما تزال سجينة الفكر والعقل الثيوقراطي والأوتوقراطي العربي!.. فيقضيان على الوعي السؤالي، والوعي الاستفهامي العلمي المعرفي اللماذائي، يُبيدانِه وهو نطفةٌ حتى لا يتحوَّل إلى علقةٍ، فعظام ولحم، وعقل جدلي متمرّد.

من عرض "صدى جدار الصمت"


مهرجان المسرح العربي 2024
 (الدورة الـ 14)

هذا المهرجان تقيمه "الهيئة العربية للمسرح" في كانون الثاني/ يناير من كل عام منذ 2009 بالتبادل بين الدول العربية، وأوَّل دوراته كانت في مصر، بينما جاءت آخر دورة له (2024) في بغداد  بالعراق. يحاول هذا المهرجان أن يلعب دورًا مُوحِّدًا للفكر المسرحي العربي بعروضه وندواته وإصداراته من الكتب المتخصصة، باعتبار أنَّ المسرح ظاهرة خلق ضرورية. وهو ما أكَّده الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، الكاتب إسماعيل عبد الله، في الافتتاح بأنَّ "المسرح ليس بيانًا أو شعارًا فهو أعمق من ذلك وأنبل، إنَّه موقفٌ فكري حاضرٌ باستمرار، والمسرحي بارٌ بالحياة، المسرحي حاملُ مشعل التنوير، على هديه يسير الناس".

افتُتح المهرجان بعرض "مقامات الحب والسلام" بمشاركة 86 فنانًا عراقيًا، وبرسالة اليوم العربي للمسرح 2024 للمُخرجة والممثلة المسرحية اللبنانية نضال الأشقر. ثمَّ تمَّ عرض مسرحية "مترو غزة" من إنتاج "مسرح الحرية" في مخيم جنين، إخراج الفرنسي هيرفي لواشمول، واستوحيت قصتها من عمل تركيبي متعدّد الوسائط للفنان الفلسطيني محمد أبو سلّ، طرحَ من خلالها حلولًا لحركة النقل في قطاع غزَّة بفلسطين، وشارك فيها: فداء زيدان، خولة إبراهيم، جريس ابو جابر، وأحمد طوباسي، إلى جانب الطاقم التقني والإداري في "مسرح الحرية".

في الندوات، كان هناك ندوة فكرية بعنوان "المسرح والمقاومة الثقافية في فلسطين" عن تجارب مسرح الحرية - جنين، والمسرح الشعبي- رام الله، ومسرح سنابل- القدس، إلى جانب ندوة خاصة بالمسرحيين العراقيين المهجَّرين تحت عنوان "التأثر والأثر"، وندوة محكمة للمرحلة النهائية للمسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي في نسختها الثامنة بعنوان "الخصوصية الفكرية والجمالية في التجربة المسرحية النسوية... أنموذج تطبيقي على تجربة معاصرة لواحدة من سيدات المسرح العربي"، وفازت بالمركز الأوَّل أمينة بنت أحمد دشراوي من تونس، وبالمركز الثاني فاطمة أكنفر من المغرب، وبالمركز الثالث منى عرفة من مصر.

في الإصدارات؛ أصدرت الهيئة العربية للمسرح 20 كتابًا جديدًا حول المسرح العراقي، تنوعت بين النقد والدراسة البحثية، والتوثيق، والتأليف النصي منها: "مفاهيمية العلامة المسرحية... الدلالة والتحولات" للدكتورة إيمان الكبيسي، "الملتيميديا في المسرح" لبهاء الكاظمي، "العولمة والعرض" لتحرير الأسدي، "تركيبة الأداء في الفرق العراقية المعاصرة" لتمار ميثم، "حضور المؤدي... غياب التمثيل" لحيدر جمعة.
وللمهرجان مسابقة رسمية شارك فيها اثنا عشر عرضًا مسرحيًا تنافست على "جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي"، وهي: "ثورة" من الجزائر من إخراج عبد القادر جربو وهي مقتبسة عن نص لكاتب ياسين؛ "فريميولوجيا" من الأردن من تأليف وإخراج د. الحاكم مسعود؛ "سدرة الشيخ" من سلطنة عُمان عن رواية "الشيخ الأبيض" لحاكم الشارقة إخراج عماد الشنفري؛ "بيت أبو عبد الله" من العراق من تأليف وإخراج أنس عبد الصمد؛ "إكستازيا" من المغرب من تأليف وإخراج ياسين أحجام؛ "زغنبوت" من الإمارات من تأليف إسماعيل عبد الله وإخراج محمد العامري، و"زغنبنوت" كلمة معناها السُم وتقالُ في حال الغضب كلعنةٍ ومعناها: فليكنْ طعامُكَ سُمًَّا لكَ؛ "حلمت بيك البارحة" من تونس تأليف وإخراج لبنى مليكة؛ "الجلاد" من الإمارات من تأليف أحمد الماجد وإخراج إلهام محمد؛ "حياة سعيدة"؛ "صفصاف" من العراق؛ "غدًا وهناك" من تونس؛ ومسرحية "تكنزا - قصة تودة" من المغرب، وتكنزا كلمةٌ أمازيغية تعني الدف، وتودة امرأة تتعرَّض للاضطهاد والقمع وبسياط التقاليد والعادات، وهي من تأليف طارق الربح وإسماعيل الوعرابي وإخراج أمين ناسور، وفازت بجائزة "الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي".

من مسرحية "صمت" 


مهرجان المسرح الخليجي (
الدورة 14)

بعد توقُّف دام 10 سنوات أقيم مهرجان المسرح الخليجي بدورته الـ 14 في الرياض وكان المهرجان الذي انطلق في الكويت عام 1988، ويقام كل عامين في إحدى دول الخليج، قد توقَّف في 2014 ثم َّعاد من جديد والذي استضافته السعودية لأوَّل مرة بمشاركة 6 فرق مسرحية. فاز فيه عرض "غصَّة عبور" لفرقة المسرح الكويتي بجائزة أفضل عرض متكامل في مهرجان المسرح الخليجي، كما حصل على جائزة أفضل نص مسرحي لكاتبته تغريد الداود مناصفة مع عرض "أشوفك" من الإمارات، إضافة إلى جائزة أفضل ممثل في دور ثان للفنان عبد الله التركماني. ونال السعودي سلطان النوه جائزة أفضل إخراج عن عرض "بحر"، كما حصل العرض ذاته على جوائز أفضل موسيقى وأفضل ممثل في دور أوَّل للفنان شهاب الشهاب وأفضل ممثلة في دور ثان للممثلة فجر اليامي. كما أقيمت ندوة فكرية بعنوان "البُنية الأساسية للمسرح في دول مجلس التعاون الخليجي".

مهرجان أيام الشارقة المسرحية

أيام الشارقة المسرحية تظاهرة فنية وثقافية تأسَّست سنة 1984 وتنظمها إدارة المسرح بدائرة الثقافة في حكومة الشارقة، وتتبارى فيها الفرق المسرحية الإماراتية على جملة من الجوائز الخاصة بفنيات العرض المسرحي، ويديرها الفنان أحمد بو رحيمة. شارك في المسابقة الرسمية للأيام 12 عرضًا مسرحيًا: "الكراسي" من إخراج حميد محمد، "إسكان" من إخراج عبد الله الدرزي، "المشهد صفر" من إخراج إلهام محمد، "زغرودة" من إخراج عبد الرحمن الملا، "الخيار الأخير" من إخراج عبد الله محمد آل علي، "الطارق الأخير" من إخراج علي جمال، "رماد" من إخراج سعيد الهرش، "وليمة عيد" من إخراج إبراهيم سالم، "اصطياد" من إخراج مهند كريم، "مرود كحل" من إخراج إبراهيم القحومي، "وكيف تسامحنا" من إخراج محمد العامري.
وقد ذهبت جوائزها كما يلي:
جائزة أفضل ماكياج إلى بسمة مبارك عن مسرحية "إسكان"، جائزة أفضل إضاءة إلى ماجد المعيني عن مسرحية "كيف تسامحنا"، جائزة أفضل تأليف موسيقي ومؤثرات صوتية إلى سعود النقبي عن مسرحية "إسكان"، جائزة أفضل أزياء وإكسسوار إلى حمدة الظاهري عن مسرحية "الطارق الأخير"، جائزة أفضل ممثلة واعدة إلى وعد طارق عن دورها في مسرحية "وليمة عيد"، جائزة أفضل ممثل واعد إلى عبد الله الطويل عن دوره في مسرحية "وليمة عيد"، جائزة أفضل ديكور إلى عبد الرحمن الكاس عن تصميمه ديكور "مسرحية إسكان"، جائزة الفنان العربي المتميز أحمد الماجد عن تأليفه مسرحية "المشهد صفر"، جائزة أفضل تمثيل نسائي دور ثاني إلى سارة السعدي عن دورها في مسرحية "المشهد"، جائزة أفضل تمثيل نسائي دور أول إلى بدور محمد عن دورها في مسرحية "الطارق الأخير"، جائزة أفضل تمثيل رجالي دور ثاني إلى فيصل موسى عن دوره في مسرحية "وليمة عيد"، جائزة أفضل إخراج مسرحي إلى محمد العامري عن مسرحية "كيف تسامحنا"، جائزة أفضل تمثيل رجالي دور أول إلى عبد الله مسعود عن دوره في مسرحية "إسكان"، جائزة أفضل تأليف إلى إسماعيل عبد الله عن مسرحية "كيف تسامحنا"، وجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل لمسرحية "كيف تسامحنا".

وشهد قصر الثقافة ضمن فعاليات الأيام محاورة حول التجربة الإبداعية للفنان عبد الله راشد، الشخصية المحلية المكرَّمة لهذه الدورة، قدَّم لها وأدارها الفنان عبد الله مسعود. كما نُظمت ندوة تحت عنوان "دلالات وجماليات الأزياء في المسرح اليوم"، قدمت أطروحات مهمة عن منظومة الملابس المسرحية.

من مسرحية "كيف تسامحنا" 

مهرجان الكويت المسرحي

في الدورة الـ 23 من مهرجان الكويت المسرحي – هنا ندين للكويت دورها في تعميم ثقافة المسرح إنْ في إحداث المعهد العالي للفنون المسرحية الذي تأسَّس عام 1973 أو في إصداراتها للمسرحيات العربية والمترجمة، ولا ننسى أننا مدينون أيضًا لمصر كونها السبَّاقة في إصدار سلسلة "روائع المسرح العالمي"- تمَّ اختيار الفنان سعد الفرج ليكون شخصية الدورة، بوصفه أحد أبرز رواد الحركة الفنية الكويتية. وشاركت فيها عروض "عفن الروح" لفرقة تياترو المسرحية، و"سجيل" لفرقة المسرح الشعبي، و"سيناريو وحوار" لفرقة مسرح الخليج العربي، و"رصاص" لمؤسَّسة باك ستيج قروب، و"بيانولا" لفرقة مسرح الشباب، و"جزا البارحة" للمعهد العالي للفنون المسرحية، و"غصَّة عبور" لفرقة المسرح الكويتي. وأقيمت ضمن فعالياتها حلقة نقاشية بعنوان "واقع المسرح العربي المعاصر" في محورين: الأوَّل "اتجاهات التأليف - أشكال العروض" والثاني "دور المهرجانات المسرحية - الواقع والمأمول".

مهرجان المسرح العُماني

المسرح العُماني، منذ أوَّل دورةٍ له باسم مهرجان المسرح العُماني في عام 2004 وحتى دورته الأخيرة الثامنة في عام 2024 بعد توقف دامَ 6 سنوات، مسرحٌ يحرِّكه ويديره شبابٌ مُتحمِّس روحيًا وجماليًا وأخلاقيًا، لصنع حالةٍ مسرحية، وما يُدهش أنَّ أكثر عروضهم هي رؤيا لمثقفين عُمانيين تنويريين عقلانيين، أذكر منهم: د. آمنة الربيع، د. طالب البلوشي، د. عبد الكريم جواد الذي تمَّ تكريمه في هذه الدورة.

شاركت في المهرجان 8 ثمانية عروض منها: "أضغاث أوهام" لفرقة نخل المسرحية الذي فاز بجائزة أفضل عرض مسرحي أوَّل، "أصحاب السبت" لفرقة السلطنة المسرحية التي فازت بجائزة أفضل عرض ثاني وجائزة أفضل إخراج مسرحي للمخرج د. مرشد راقي. وحصدت مسرحية "الزمر" لفرقة مسرح مسقط جائزة أفضل عرض ثالث، ونالت "الجدر" لفرقة لبان المسرحية جائزة أفضل سينوغرافيا،  إضافة إلى جائزة أفضل ممثل دور أوَّل للفنان سالم اليعربي عن دوره في عرض "أضغاث أوهام"، وجائزة أفضل ممثلة أولى الفنانة ندى محمد عن دورها في "أضغاث أوهام"، وجائزة أفضل ممثل دور ثاني للفنان هزاع المقبالي عن دوره في عرض "من بعثنا من مرقدنا"، وجائزة أفضل ممثلة دور ثاني للفنانة "لنا العلي" عن دورها في "الزمر"، وجائزة اللجنة الخاصة لفرقة "الدن" عن عرضها "تغريبة القافر".

مهرجان ظفار الدولي للمسرح (عُمان)

أقيم في مدينة صلالة "مهرجان ظفار الدولي للمسرح" الدورة الأُولى من 2 إلى 9 تشرين الأوَّل/ أكتوبر 2024، بمشاركة 35 عرضًا مسرحيًا، الذي افتتح بمسرحية "السموم" من تأليف نائل الجرابعة وإخراج عمر ناجي وإنتاج "فرقة أوبار المسرحية"، وقرابة 350 مسرحيًا من خمسين دولة، تنافسوا على جوائز المهرجان ضمن ستّة مسارات: مسابقة العروض الكبرى، مسابقة المسرح الجماهيري، مسابقة مسرح الطفل والنشء، مسابقة عروض المونودراما، مسابقة المسرح الثنائي، مسابقة عروض مسرح الشارع والمساحات المسرحية المفتوحة. العُروض العُمانية المشاركة: "ترك المقام" من تأليف وإخراج معتز سالم رجب لفرقة صلالة، "المرايا والخلخال" من تأليف رحمة البحيري وإخراج عبد الله عبد الجليل لفرقة السلطنة، "يوم سعيد" من تأليف هيثم بن محسن الشنفري وإخراج عبد الله بن محمد المردوف لفرقة الرؤية، "كريولو" من تأليف نعيم فتح وإخراج تركي الحبشي لفرقة طاقة، "جثّة ليست على الرصيف" من تأليف وإخراج أحمد العويني لفرقة موشكا المسرحية، "اثنا عشر رجُلًا غاضبًا" من إخراج أسامة زايد عن نصّ لـ رونالد روز لفرقة ظفار.

من مسرحية "غصة عبور"


المهرجان القومي للمسرح المصري
 (الدورة 17)

ثمة مهرجانات كثيرة يقيمها المسرح المصري مثل: مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، مهرجان مسرح بلا إنتاج، مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما، ومهرجان المسرح المصري الذي يقام سنويًا بين 30 تموز/ يوليو حتى 17 آب/ أغسطس بغرض تشجيع المبدعين من فناني المسرح، وهو أكبر ملتقى لعروض المسرح المصري، وحملت دورة هذا العام 2024 اسم الفنانة سميحة أيوب. شارك فيه 36 عرضًا مسرحيًا، منها 33 في المسابقة الرسمية، إلى جانب ندوات فكرية حول "المرأة المصرية والفنون الأدائية". وقد بدأ حفل الافتتاح بتقديم عرض استعراضي بعنوان "أستاذ جمهور" من إخراج نادر صلاح الدين.

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي

الدورة الحادية والثلاثون من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي (تأسس عام 1988) عقدت من 1/9 لغاية 11/9، شارك فيه 26 عرضًا مسرحيًا من 19 دولة عربية وأجنبية: البرازيل وهولندا واليونان وألمانيا وإسبانيا ورومانيا والمجر والهند ولبنان وسورية والأردن والمغرب وتونس والعراق وسلطنة عمان والسعودية والإمارات والكويت ومصر وفلسطين. وقد افتتح المهرجان بعرض "صدى جدار الصمت" لفرقة الرقص المسرحي الحديث، من إخراج وليد عوني. وهو إنتاج مشترك بين وزارة الثقافة ممثلة في دار الأوبرا وبين المهرجان برئاسة د. سامح مهران، استعرض فيه المُخرج في 40 دقيقة مُعاناة سكَّان الأراضي الفلسطينية بسبب الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل، من خلال لوحات تعبيرية، شكَّل فيها الديكور وتسجيلات الفيديو مع مقتطفات من أغاني فيروز أدوات السرد الرئيسية.

من عروض المهرجان العربية المُشاركة العرض الكويتي "صمت" للمؤلِّف والمخرج سليمان البسام الذي نال جائزة أفضل نص مسرحي، كما نالت بطلته السورية حلا عمران جائزة أفضل ممثلة، وكان سليمان البسام في "صمت" مع حلا عمران أكثر مَنْ يعطي للمسرح العربي قوَّة وحياة. ففي مسرحياته التي قدَّمها حتى الآن يدفع المتفرِّج لتأمُّل العرض وقراءة مَشَاهِدِهِ، فهو يشتغل مسرحه بواقعية وجودية، وبقواعد فكرية وفنية صارمة، يرسم وينفذ العرض المسرحي باعتباره بناء لا يقوم إلاَّ بمشاركة المتفرِّج، فنرى صورةً/ مشهدًا من شظايا تنتشر في فضاء الخشبة ثمَّ تلتحم وتتدفق. وكان هناك نص "هوى شرقي" للفنانة أسماء مصطفى؛ والعرض الأردني "بوتكس" دراماتورجيا أسماء مصطفى، عن نص "صدى" للفنان عبد المنعم عمايري، والبوتكس هنا هو الذي ندهنُ وننفخُ به جسدنا لنُزيِّنه؛ نزيِّفه، فيما الأعماق والمبادئ والمشاعر الإنسانية أصابها الصدأ؛ العرض عن زوجة وزوج في مواجهة عنيفة يعريان فيها ذاتهما. كما شارك العرض المسرحى السوري "تاء التأنيث ليست ساكنة" للفنانة مروة الأطرش، وتطرح فيه موضوع زواج القاصرات، والطلاق والتحرش الجنسي.

وبالنسبة إلى جوائز المهرجان، نال العرض الألماني "بابل" للمخرج فرناندو ميلو جائزة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وذهبت جائزة أفضل مخرج بالدورة إلى مادلين لويزا من الإكوادور عن عرض "أوتو ريتراتو"، كما نال بطل العرض سنتياغو رودريغو جائزة أفضل ممثل، وفاز العرض المصري "ماكبث المصنع" جائزة أفضل سينوغرافيا. وقد نظَّم المهرجان سبع ورش تدريبية في فنون المسرح، وجلسات نقاشية مع متخصصين عرب وأجانب، إضافة إلى سلسلة من الندوات ضمن المحور الفكري "المسرح وصراعات المركزيات" والذي جاء في أحد محاوره عنوانٌ استفزازي مثير لورقة بحثية بعنوان "الليبرالية الجديدة وتشكيلها في النص المسرحي" للناقد العراقي د. أحمد ضياء والتي جاء في بعضها:
"إنَّ الليبرالية شكَّلت حضورًا بارزًا في تكوين المركزيات الغربية وهيمنتها الانتقالية على المجتمع الآخر، وإنَّ الانكماش المسرحي يحصل نتيجة للتداعيات الحاضرة التي طرأت على البنية النصية والبصرية، لذا جاءت الليبرالية الجديدة لتحد من واقع الأفعال التي ظهرت كرؤية وظيفية؛ أي أنَّها تحاول إعطاء سمة بارزة على منطلقات المركزيات، مِمَّا حتَّم عليها إعادة تكوين حواضن مسايرة تعمل على حماية النص الأصلي من تخبطات الرؤى السياسية وتفاعلاتها، لذا فالنصوص المسرحية داخل منظومة الليبرالية الجديدة لا تقبل بالاحتكار التنظيري، بل تجعل من النص بنية قابلة للتغيير".
وهنا نتساءل: ما معنى هذه الخلطة الرؤيوية الـ ما بعد اللامعقولية، والتي تحوِّل مصطلح الليبرالية إلى حصان سيسري بنا إلى السلام والرخاء وإقامة العدالة في الأرض، فيما الليبرالية الجديدة وأختها القديمة ومذ كانت في رحم أمها الامبريالية هي وحشٌ أميركي مفترسٌ لشعوب الأرض لا يبقي ولا يذر؟ ثمَّ ما علاقة هذا المصطلح السحري بالدراما المسرحية التي تنتصر لحرية وكرامة الإنسان فيما الليبرالية وباسم الحرية - خاصَّة في الدول العربية- تكون ذات استعمالات متعدِّدة منها ما يقوم بتدجين واستغلال الإنسان لتُحوِّلُه إلى قنٍّ تابع لها؟! أَلَنْ نكَّفَّ عن استخدام وتسويق هذه المصطلحات وخاصة في المسرح؟ ومن ثمَّ: هل وصل المسرح العربي إلى تحقيق العدل والرفاهية للإنسان العربي، ودخلنا مرحلة الترف الفكري فنلعب ونتسلىَّ بالمصطلحات؟ ألم يَكْفِنا أوجاع عقلنا العربي الذي ما يزال يتألَّم من سياط أدب الواقعية الاشتراكية وأدب الفن للفن؟... أين الإنسانَ الفلسفي ذو الفكر اللامحدود المُتمرِّد الباحث عن الحرية والعدالة؟. 

(يتبع)

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.