}

مجد كرديّة: رسمتُ الفراشةَ لأني أُحبُّ لون جناحيها

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 26 ديسمبر 2024

 

لعلّ السمة الأبرز للإبداع- في أي مجال كان- هي البساطةُ وحدها، تلك البساطة المذهلة والبعيدة عن كل تعقيدات الحياة، فالمتلقي في هروبه من مؤثرات وضغوطات واقعه المعيشي الصعب، ينحو في اتجاه تلك العوالم الفنّية الهادئة والبريئة، والتي بدورها تقوده إلى مساحات لا نهائيّة من الراحةِ والأمان.

مجرّة زرقاء...

في معرضهِ الفنّي الأخير بعنوان "فراشات"، الذي أقيم مؤخرًا في غاليري "فن آ بورتر" في دبي، (من 21 أيلول/ سبتمبر وحتى 21 تشرين الأول/ أكتوبر الفائتْ)، ركّز الفنان السوري مجد كرديّة على اللون الأزرق وحده، دونًا عن كل الألوان، ليكون العنوان الأبرز لأعماله مجتمعةً، جنبًا إلى جنب مع "الفراشةِ" التي تغطي كامل مساحة كل عمل من أعماله.

الناظر إلى الأعمال المعروضة يشعر وكأنّه في زيارةٍ/ حلمٍ إلى مجرّةٍ زرقاء؛ الكائنات زرقاء، البحر أزرق، الفضاء أزرق. عدا عن تلك العبارات التي ترافق معظم رسوماته (سواء في معرضه هذا أو في معارضه السابقة) والتي تكاد تكونَ مكملةً لها ومضيفةً إليها، بعضها من بنات أفكار الفنان كرديّة نفسه أو مأخوذة من أغانٍ مشهورة أو من قصائد لشعراء قدامى من مثل أبي ذؤيب الهذلي والمتنبّي وعنترة وبشّار بن برد وتميم بن مُقبل أو لآخرين من الشعراء المعاصرين.

من أعمال مجد كردية  


شَغب طفوليّ

من الجهة الأسلوبيّة، نجد لدى الفنان كرديّة ذلك الشَغب الطفوليّ في مزج الألوان وكذلك طريقة اختياره لمغزى اللوحة؛ ثمّة براءة تامّة تُدير العمل الفنّي من الإطار إلى الإطار.

حركة الكائنات والحيوانات، البحر والسماء، النظرات الحميمة والعناقات، الأحاديث الخجولة والغريبة في الآنِ معًا، هي من دون شكّ قادمةٌ من مكانٍ غير خفيّ هو عالم الطفولة. إذْ لا نجد أي فروقات بين السمك والعصافير وحتى الكائن البشريّ نفسه في معظم لوحاته.

يقول الفنان كرديّة في تقديمه للمعرض: "أحيانًا تكون الفراشات بلادًا لم تعد موجودةً، وأحيانًا تصير فرسًا لا يوصلُ إلى مكانٍ، أو بحرًا هائجًا لا يتأنّى في مراكبنا، وكأنّ كل شيء مصنوعٌ من الفراشات في عالمٍ يحترق".

يتابع: "على أملِ مستقبلٍ ما... يعودُ فيه الحقلُ ضاحكًا والبحار أشدَّ رحمةً، حين تنطفئ النيران وتعود العصافير إلى أعشاشها، ويأتي فيه رسامٌ فتيٌّ أقلُّ إهمالًا مني ويقولُ لكم: (رسمتُ الفراشةَ لأني أحبُّ لون جناحيها)".

من أعمال الفنان 


طبيعة صامتة

يكاد مجد كرديّة لا يغادر ذلك الحيّز الهادئ من الطبيعةِ؛ إذْ ثمّة طبيعة صامتة تخيّمُ على أجواء معظم أعمالهِ، الصمت بوصفهِ أعلى درجات الصراخ والانفجار. صراخٌ هنا وترف لونيّ هناك، حيثُ المزج الحميم بين عوالم غير متناقضة وغايةً في الألفةِ.

معرضه "فراشات" يؤكّد أنّ الفنّ فرصةٌ حقيقيّة للذهاب نحو الداخل/ دواخلنا، من أجل الإصغاء إلى صوت الأعماق والتحرّر من آثام الماضي وشروره، طالما أنّ "الفن وُجد لمواساة أولئك الذين كسرتهم الحياة" بحسب الفنان العالمي فان غوخ.

مجد كرديّة: فنان تشكيلي وكاتب سوري، من مواليد مدينة حلب- عام 1985، درس في كلية الفنون جامعة حلب، وهو يعيش ويعمل حاليًا في لبنان. أقام عدة معارض فنية، ورسم مئات اللوحات، أشهرها ما يقوم بنشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وقد عرضت أعماله على نطاق واسع عربيًا ودوليًا، في بيروت ودبي وعمّان والقاهرة والمنامة وبرلين ولندن.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.