بدأت دور السينما العالمية في عرض فيلم "ساعة صمت/ The Silent Hour" للمخرج براد أندرسون/ Brad Anderson، عن سيناريو للكاتب دان هال. السيناريو يمثل لعبة قطٍّ وفأر بين أناسٍ جيدين مجروحين بعض الشيء، وبين أشرارٍ أشداء أوغاد.
العرض الأول للفيلم كان في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 في المكسيك، ومن حينها طاف الفيلم كثيرًا من دول العالم، من اليونان، إلى روسيا، إلى إسبانيا، وقطر، والسويد، وتايلاند، وهولندا، وفنلندا.
يتحدث الفيلم عن فرانك، وهو محقق جرائم في قسم شرطة بوسطن. بعد إصابته، أصبح يعمل مترجمًا فوريًا لمن يعاني الصمم من الشهود. تكمن مأساة فرانك (الممثل جويل كينمان) في أنّه يتخيّل نفسه "شرطيًّا خارقًا" لا يعبأ بتفاهاتٍ من قبيل الحصول على أوامر بإلقاء القبض على أشرارٍ سيئي السمعة.
على عكس غيره من أبطال الروايات وأفلام السينما، لا يشرب فرانك الخمر، وبالتالي لا يحضر جلسات علاج "مدمني الخمر المجهولين". ما يسمح به لنفسه في لحظات التفكير الحزين حول مصير القانون خصوصًا، والنظام عمومًا، يقتصر على زجاجة من البيرة على حساب الدائرة. يفتحها، وينقر بشارة الشرطة على عنقها بحزنٍ. لم يكن قطّ مدمنًا على المخدرات، ولم يتعاط الحقن، ولم يعان من آثار اغتصاباتٍ تعرض لها في طفولته، كما أنّه لا يتقاضى رشاوى. ينفق نصف مرتبه الهزيل كنفقةٍ لطليقته، ولكنّه مع كلّ ذلك يكنّ كثيرًا من الحبّ والحنان لابنته سام، عازفة الغيتار الواعدة في موسيقى البلوز، والتي تبادله هي أيضًا مشاعر الحبّ.
تكمن مأساته على ما يبدو في أنّه يجري بسرعة. في الدقائق العشر الأولى، وبسرعةٍ كبيرة، يستعرض الفيلم حياة فرانك وسيرته المهنية التي تهبط إلى الهاوية. بالكاد، وجد الوقت الكافي لممارسة رياضة الجري الصباحية، والاستمتاع بالعصير الطازج، والتمتع بمناظر بوسطن من شرفة منزله الواقعة في الطابق العلوي من البناء، وكذلك الدردشة عبر الهاتف مع ابنته، وتعبئة مسدسه قبل أن يحين وقت الذهاب إلى قسم الحجز في ميناء المدينة.
لسوء حظه، كان على فرانك هذه المرّة أن ينتظر الحصول على مذكرة يصدرها محامون يعملون على مهلٍ، ومن دون عجلة البتة. هناك، اصطدم بمجرمين في بيئةٍ خطرة مزدحمة بالناس. أطلقوا النار عليه، وردّ بدوره على النار بالمثل. وبينما كان يحصي عدد الرصاصات التي أطلقها الخصم، وبعد أن أمسك برهينة وقعت عليها يداه، يهرب الشرير لاهثًا عبر ممراتٍ ضيقة بين صفوف حاويات الميناء. وفرانك نفسه يبذل جهدًا جبّارًا وكانّه عدّاء مسافات قصيرة في سباقٍ مع الموت.
باختصارٍ، يمكن القول إنّه فعل كلّ ما في وسعه، وتجنّب الموت بالكاد. انفلت الشرير مندفعًا بسرعة البرق إلى الشارع ليسقط تحت عجلات سيارةٍ عابرة مصادفة. أمّا فرانك الذي كان يطارد المجرم، فاصطدم بحماقةٍ وبكلّ قوةٍ بالعربة التي توقفت بعد اصطدام الهارب بها، فتدفق الدم من أذنيه في لقطةٍ قرّبها المصور صوب المشاهدين بحيث غطّت الشاشة كلّها.
الصمم مشكلة رهيبة حقًا، خاصّةً إن كان لا يتوقف عن التفاقم مع الوقت، كما هي الحال مع فرانك. عقب اصطدامه بالعربة اللعينة، فقد فرانك على الفور نصف قدراته السمعية، ومن ثمّ فقد عشرين في المئة أُخرى خلال أحد عشر شهرًا. علاوةً على كلّ ذلك، فإنّ جهاز السمع، الذي اضطر إلى استخدامه، يحدث ضوضاء ويثير الأعصاب. فكيف له بعد كلّ ذلك أن يحضر حفلات ابنته الموسيقية، وكيف له أن يؤدي عمله على أكمل وجه.
الحياة غريبة بالفعل، فهي إن لم تمنح المرء السعادة، فإنّ التعاسة التي تصيبه قد تساعد أحيانًا. في حديقة هايد بارك المحليّة، قُتل ثلاثة من مروجي المخدرات وقت اكتمال القمر بدرًا. تبيّن أنّ الشاهد الوحيد على الجريمة كانت مصوِّرة، وهي فتاة شقراء تدعى أيفا (الممثلة ساندرا ماي فرانك)، ادّعت في التحقيق أنّها كانت وقتها في نزهةٍ للتمتّع بروعة الليل والقمر وهو بدرٌ. أمّا في الحقيقة فإنّها كانت قد خرجت سعيًا وراء جرعة مخدراتٍ، والتقطت مشهد الجريمة على هاتفها.
من غريب الصدف أن تكون الجميلة صمّاء أيضًا، ولكنّه صمم منذ الولادة. على الرغم من أنّ قضية الحديقة تغلي في قسم جرائم القتل، فقد كان يجب الانتظار أسبوعًا على أقلّ تقدير كي يحضر مترجم يفهم لغة التخاطب بالإشارة. بطبيعة الحال، لم يخطر في بال أحد في القسم أخذ إفادة خطيّة من الشاهدة، الأمر الذي يشكّل هفوة في السيناريو، فلا أحد من المشاهدين يعتقد بأنّ الشاهدة أُمية لا تجيد الكتابة والقراءة. ربما لا يهتمّ هذا النوع من السينما بالواقعية، وإلا فكيف سيقتنع المشاهد أنّ فرانك استطاع، بعد الحادث الذي تسبّب له بالصمم، إتقان لغة الإشارة في فترةٍ وجيزة وبسرعةٍ مذهلة، والعمل مترجمًا فوريًا في لغة الإشارة؟
تعيش أيفا، الشاهدة على الجريمة، في مبنى شاهق، يسعى رجال الأعمال العقاريون الجشعون إلى إصدار حكمٍ بهدمه. في المبنى المغطى بشعاراتٍ فوضوية يعيش إلى جانب أيفا شخصان آخران، يتوجهان لسببٍ ما بالحديث إلى المشاهد، من دون أن يسمح المخرج برؤيتهما. بشكلٍ عام، أمامنا مساحة مثالية فارغة رحبة تتيح لكم اللعب فيها بالطريقة التي تريدونها.
هذا بالضبط ما يفعله براد أندرسون، ليس لساعةٍ واحدة، بل طيلة ساعة ونصف الساعة من الصمت. يتضح أنّ فصيلًا كاملًا من الذئاب الضارية بالزيّ العسكري جاء سعيًا وراء الشاهدة الوحيدة على جريمتهم بهدف التخلص منها. كلّ واحدٍ منهم لديه مبرر دفعه ليكون ذئبًا. أحدهم لديه رهنٌ عقاري، والثاني لديه ابنة مريضة بالسرطان، والثالث لديه نفقات لا يمكنه تحملها لتعليم ابنيه التوأمين تعليمًا عاليًا... بشكلٍ عام، يفهم المشاهد أنّ الحياة الظالمة أجبرتهم على ارتكاب الجرائم، وأنّهم جميعهم في الحقيقة رجالٌ طيبون.
لكنّ فرانك لا يفهم كلّ ذلك، فيقرر مع أيفا التصدي لهؤلاء الأشرار. تندلع النيران في المصاعد، تتطاير النوافذ في الهواء، وتتحول سلالم النجاة في البناء إلى ساحة معركة، وتتفرق الذئاب الضارية هاربة وهي تصرخ: "أيّ شيطانٍ جاء بنا إلى هذا المكان". أمّا فرانك وأيفا، اللذان تمكنا ثلاث مراتٍ من النجاة في ظروفٍ لا يمكن النجاة منها عمليًا، فيذهبان بعد النصر إلى حفل موسيقى البلوز...