لتكن البداية مع هوليوود، السوق الأشهر للإنتاج السينمائي على مستوى العالم وعودة جديدة لعالم الخوارق بأحدث إصدار من سلسلة "مارفل" مع فيلم "ديدبول وولفرين" والذي يعتبر الرابع والثلاثين في السلسلة، الإخراج لـ شون ليفي والبطولة لـ ريان رينولدز، ريت ريس. تدور أحداث المغامرة الجديدة بين عالمين، أحدهما تخيلي فيما يوشك العالم الآخر على الفناء، ما يحدو بالبطل لأن يستعين بخدمات من عالم موازٍ لإنقاذ عالمه. وفي إطار مشابه يأتي الجزء الثالث من فيلم "فينوم" تحت عنوان "الرقصة الأخيرة" تأليف وإخراج البريطانية كيلي مارسيل ومن بطولة توم هاردي وجونو تيمبل، اللذين يتعين عليهما مواجهة عدد من الجهات في رحلة مطاردة ربما تكون مغامرتهما الأخيرة.
بعد ما يقرب من ربع قرن منذ عرض فيلم "المصارع" (2000) يعاود المخرج المخضرم ريدلي سكوت إصدار جزء ثانٍ من تجربته القديمة بذات العنوان، من خلال قصة تتبع مغامرة المصارع الجديد "لوشيوس- بول ميسكال" في سبيل روما، وبتوالي الأحداث يتكشف له أنه ابن "ماكسيموس" بطل الجزء الأول وقام بتجسيده الفنان راسل كرو، اشترك في البطولة دينزل واشنطن بأداء بارع كعادته إلا أن المخرج لم يقدم جديدًا يضاف لتجربته المميزة السابقة، اللهم فيما يخص التقنيات والخدع البصرية. وربما ينطبق الأمر على الجزء الثاني من فيلم "الجوكر" لمخرجه تود فيليبس، الذي فشل في تحقيق إيرادات مرتفعة كسابقه أو ردود إيجابية كما لم يفلح القالب الغنائي الذي استحدثه المخرج ولا مشاركة المطربة ليدي غاغا في البطولة في أثناء ذلك، حيث غلب الادعاء والتصنع على عناصر الفيلم كله، منها الإخراج والتصوير وفي المقدمة أداء خواكين فينيكس الذي لم يختلف كثيرًا عن الجزء الأول وإن كان هو الأسوأ.
على النقيض، حظي الجزء الثاني من فيلم التحريك المجسّم "Inside Out" بردود فعل طيبة مكّنته من تصدّر قوائم الإيرادات، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، كذلك عرضت منصة نيتفليكس فيلمًا ظريفًا جمع بين شخصيات الكارتون وطاقم من الممثلين بعنوان "نقار الخشب يذهب إلى المعسكر". من ضمن نجوم هوليوود أيضًا تأتي مساهمة الأميركي كيفين كوستنر في فيلم "الملحمة الأميركية" من بطولته وإخراجه، وهو الجزء الثاني في الملحمة، بينما يطل النجم الإنكليزي رالف فاينس على محبيه من خلال أداء هادئ ورهيف كعادته في فيلم "مقعر" للمخرج إدوارد بيرغر الذي لفت الأنظار منذ عامين بفيلمه "كل شيء هادئ على البر الغربي" واستحق عنه أكثر من جائزة من جوائز الأوسكار.
كان للأدب أيضًا حظ من الرواج السينمائي هذا العام، المرة الأولى كانت في الربع الأول منه مع عرض الفيلم الهندي "حياة الماعز" وما تلا ذلك من إثارة ضجة كبيرة من الجدل ما زالت أصداؤها جارية على مواقع التواصل والسوشيال ميديا بين مؤيد ومعارض. الفيلم مأخوذ عن رواية متواضعة بعنوان "أيام الماعز" لمؤلفها بنيامين صدرت باللغة المالايالامية، نفس لغة الفيلم.
وفي المرة الثانية ذهبت الشاشة إلى أميركا اللاتينية ناقلة روايتين يُعدّان من علامات السرد الروائي الحديث وهما: "بيدرو برامو" لخوان رولفو و"مائة عام من العزلة" لماركيز. وبينما تحولت رائعة رولفو إلى فيلم سينمائي للمخرج المكسيكي رودريجو برييتو؛ استضافت الدراما التليفزيونية رواية ماركيز بمسلسل من ثماني حلقات وموسمين من إخراج مشترك لـ رودريغو وغونزالو ابن ماركيز والمخرجة لورا مورا.
وفي حين أخفق الفيلم في نقل العالم السحري لرولفو؛ برع المسلسل في تجسيد واقعية عالم "ماكوندو" السحري مضيفًا الكثير في ذلك، لقد برهنت رواية رولفو على أنها عصيّة على التجسيد – حتى الآن على الأقل - بما تحمله من عالم مركّب، ليس على المستوى الدرامي والنفسي فحسب؛ بل شمل ذلك الخطاب السردي أيضًا وما يُخفيه من صور وتراكيب شعرية غير محدودة مكّنت صاحبها من تبوّء ريادة الواقعية السحرية، بشهادة ماركيز نفسه الذي أقرّ في أكثر من حوار سابق بعكوفه لمدة عام كامل لقراءة "بيدرو برامو" قبل أن يشرع في كتابة عزلته.
بالعودة إلى الفيلم الهندي، نجد أن مخرجه بليسي توماس قد انتصر لعالم الرواية بتفاصيله المادية والنفسية بالأخص، حتى أن البطل على سبيل المثال، لم يقدم في الفيلم على أولى محاولاته في الهروب إلا بعد رؤيته للصورة المزرية التي أصبح عليها من خلال مرآة السيارة التي تمدّهم بالماء، وحينها لم يترك له الكفيل فرصة لاستبصار حقيقة واقعه الجديد حيث سارع بإطلاق رصاصة لتحطيم المرآة ووأد أي طرق نحو التمرّد. وفي الرواية، يكون أول طلب له بعد دخوله السجن للترحيل السؤال عن مرآة...، "أريد أن أرى نفسي... لقد وددت أن أرى وجهي وهيئتي التي يحملق فيها الجميع مستقذرين إياها". حول هذه – الرؤية - والتي تعادل التحقق والوجود يتشكّل الجانب النفسي في الفيلم، وتحديدًا عن تطلعات الإنسان وأفق طموحه، وهو ما يُحيلنا إلى بداية القصة نفسها، أو الرحلة.
السينما العربية... حضور دولي
على الرغم مما تعانيه السينمات العربية من أزمات مستمرة، تبقى تمثلاتها شبه منفردة تقريبًا، تجتمع في أشياء بالطبع ولكن يبقى لكل منها أزمته الخاصة. في المقابل نلاحظ ازدياد الحضور لهذه السينما في الأوساط العالمية، وهو ما تبرهنه قوائم المهرجانات السينمائية ومن بينها الأوسكار لهذا العام على سبيل المثال؛ حيث شملت عددًا من المشاركات العربية منها من واصل السباق حتى القائمة القصيرة وهو ما يعني التأهل لخوض التصفيات النهائية، وقد ترتب على إعلان القائمة القصيرة مؤخرًا خروج عدد آخر من تنافس الدورة الجديدة من عمر المهرجان.
في فيلمها "أرزة" تغزل المخرجة اللبنانية ميرا شعيب عالمها شديد النسوية في سيناريو بسيط ومحكم، وذلك من خلال حكاية "أرزة - دايموند عبود" ربة منزل عزباء تجبر على تقفّي أثر دراجة بخارية كانت اشترتها للتو لابنها وسرعان ما تم سرقتها، من خلال رحلة أرزة وابنها في تتبع الدراجة المسروقة، يطرح الفيلم عددًا كبيرًا من القضايا تأتي في مقدمتها أزمة تعدد الفرق وتناحر الأحزاب في لبنان وكيف يمثل ذلك أحد الأسباب الرئيسية فيما آل إليه الوضع الراهن.
وفي الفيلم التونسي "الما بين" للمخرجة ندى حفيظ نتابع موضوعًا شائكًا قلما يُطرح في السينما العربية حول الهوية الجنسية.
ولعل من أبرز الأحداث السينمائية العربية لعام 2024 هو وصول المشروع الفلسطيني "من المسافة صفر" إلى القوائم القصيرة للمشاركة في أوسكار العام الحالي، بعد مشاركته في أكثر من مهرجان دولي حاصدًا عددًا من الجوائز المختلفة، وذلك منذ إعلان المخرج رشيد مشهراوي – مدير المشروع - عن الفيلم لأول مرة من خلال الدورة الثامنة لمهرجان أسوان لسينما المرأة بمصر. يتكوّن المشروع من 22 فيلمًا قصيرًا تتراوح بين الروائي والتسجيلي والتحريك، لمجموعة من المخرجين وصنّاع الأفلام يعيشون داخل الحصار المفروض على غزة في محاولة لرصد معاناة القطاع عن قرب، أو من المسافة صفر.
السينما المصرية... خلطات ولكن
استقبلت صالات العرض المصرية هذا العام ما يزيد عن أربعين فيلمًا بما يعادل نفس حصيلة العام الماضي تقريبًا. وكما هي العادة في الغالب، استأثر بيومي فؤاد بالنسبة الأكبر منها متخطيًا دستة من الأفلام سواء بالبطولة مثل "أنا وابن خالتي. تاني تاني" أو بالمشاركة مثل "فاصل من اللحظات السعيدة. اللعب مع العيال. أهل الكهف. والإسكندراني". ويبدو أن فؤاد لم يعد يهمه سوى الكم في أعماله، ما يجعل من الصعب تذكّر آخر عمل جيد له لم يستخف فيه بعقل المشاهد أو بتدوير مجموعة من الإفيهات المملة.
احتوى الموسم أيضًا على فيلمين أحدث كل منهما ضجة جماهيرية وتم اختيار الأول ليمثل مصر في ترشيحات الأوسكار لكنه لم يصل في التصفيات النهائية وهو "رحلة 404" للمخرج هاني خليفة ومن بطولة منى زكي، أما الفيلم الثاني والذي احتل المراكز الأولى في الإيرادات متخطيًا الأرقام السابقة فهو بتوقيع المخرج طارق العريان في الجزء الثالث من "أولاد رزق-القاضية".
على أن ستة من أفلام العام كانت لمخرجات من النساء في سابقة ربما لا تتكرر كثيرًا، كما مثّلت غالبية هذه الأفلام الخطوات الروائية الطويلة الأولى لأصحابها من بينها: "مين يصدق-زينة عبد الباقي. الفستان الأبيض- جيلان عوف. الهوى سلطان- هبة يسري"، والفيلم المميز "دخل الربيع" للمخرجة نهى عادل التي استحقت عنه بجدارة أربع جوائز من مهرجان القاهرة السينمائي في عرضه الأول. هناك أيضًا فيلم "مقسوم"، تأليف هيثم دبور ومن إخراج كوثر يونس، أما البطولة فتذهب لـ ليلى علوي والتي تساهم في الموسم بأكثر من فيلم من ضمنهم: "آل شنب- آيتن أمين. جوازة توكسيك- محمود كريم" ويشاركها البطولة بيومي فؤاد.
يتمتع الفنان أحمد الفيشاوي بقدر كبير من الحضور الرشيق أمام الشاشة، وظهر ذلك في عدد من الأفلام برهنت على موهبة حقيقية ميزته بين مجايليه بغض النظر عن كونه ابنًا للفنانين فاروق الفيشاوي وسمية الألفي، نذكر من تلك الأفلام: "الحاسة السابعة. واحد صفر. الشيخ جاكسون.
على جانب آخر، سجلت السينما التسجيلية حضورًا لافتًا ضمن أفلام الموسم، تمثل ذلك بداية الأمر مع فيلم "رفعت عيني للسما" تأليف وإخراج مشترك لـ ندى رياض وأيمن الأمير، ويُعد أول فيلم مصري يحصد جائزة العين الذهبية لأفضل فيلم في مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان، النسخة 77. تدور أحداث الفيلم حول رحلة تخوضها مجموعة من فتيات الصعيد في سبيل تحقيق حلمهن بإنشاء مسرح يستطعن من خلاله ممارسة تلك الهواية التي اجتمعن عليها دون عتاد يُذكر. حظي الفيلم بإقبال جماهيري لافت حين تم طرحه في صالات العرض.
وأخيرًا يأتي الفيلم الوثائقي "أبو زعبل 89" سيناريو وإخراج بسام مرتضى وينتمي لنوعية تمزج بين التسجيلي والدرامي - "ديكودراما"، وبرغم أنه لم يُطرح بعد في صالات السينما إلا أنه سجل مشاركة مميزة ضمن الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي (45)، تكللت بحصوله على ثلاث جوائز: "أفضل فيلم وثائقي طويل. جائزة لجنة التحكيم الخاصة" وتنويه خاص من جائزة "شادي عبد السلام". يتناول مرتضى في فيلمه قصة والديه المناضلين اليساريين وكيف ابتلعت تجربة اعتقال والده في سجن أبو زعبل أهم مراحل من طفولته، منطلقًا بذلك من الهم الخاص إلى العام لرصد فترة زمنية شهدت عددًا من المتغيرات السياسية والاقتصادية والمجتمعية في مصر.
في النهاية، ما زال هناك فيلمان من حصيلة السينما المصرية لهذا العام أثبتا حضورًا دوليًا مميزًا ومن المنتظر أن يتم عرضهما في العام الجديد، هذا ما تم تأكيده على الأقل مع أحدهما وهو فيلم "رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" للمخرج خالد منصور، حيث تم الإعلان الرسمي عن طرح الفيلم في السينمات أول يناير/ كانون الثاني الحالي، والأمر الذي لم يُحسم بعد مع فيلم "شرق 12" للمخرجة هالة القوصي.