}

نزاع على لوحة "القديس سيباستيان" للرسّام الإسباني آلغريكو

سمير رمان سمير رمان 17 فبراير 2025
تشكيل نزاع على لوحة "القديس سيباستيان" للرسّام الإسباني آلغريكو
تفصيل من لوحة "القديس سيباستيان" للإسباني آلغريكو

سحبت دار كريستيز للمزادات في نيويورك القطعة الرئيسية من مجموعة تعرضها في مزاد "الأسبوع الكلاسيكي"، وهي لوحة "القديس سيباستيان" للنحات والمعماري والرسّام الإسباني آلغريكو/ El Greco. وقدّرت الدار قيمة اللوحة ما بين 7 و9 ملايين دولار أميركي. أما عملية سحب اللوحة من المزاد فقد جرت بعد تدخلٍ رسميٍّ من الحكومة الرومانية، التي رأت أن اللوحة ملك لها.
هذا النوع من الحوادث نادر في سوق الفنّ، خاصّةً وأنّ الاحتجاج ضدّ الدار جاء هذه المرّة من قبل دولة رفعت شكواها إلى مستوياتٍ حكومية رفيعة في الولايات المتحدة الأميركية.
رئيس الوزراء الروماني، مارسيل تشيولاكو، قال لوسائل الإعلام إنّ بيع اللوحة من قبل دار كريستيز قد أُلغي بمبادرةٍ منه. وأردف أنّه أصدر تعليمات للسلطات الرومانية المعنيّة، وكذلك لفريق محامين مكلف من الحكومة الرومانية، باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوقف عملية البيع.
في واقع الأمر، يعود اهتمام الدولة الروماني بلوحة "القديس سيباستيان" إلى أسبابٍ عدّة، فقد سبق أن استحوذ على اللوحة وضمّها إلى مجموعته الشخصيّة كارول الأول، أوّل حاكمٍ لمولدوفا ووالاشيا (1866 ــ 1881)، والذي أصبح في ما بعد أول ملكٍ في رومانيا (1881ــ 1914). وتؤكّد المصادر التاريخية أنّ الأمير كارول، الألماني بالولادة، والذي يعود نسبه إلى فرع صغيرٍ من الأسرة الحاكمة، عرف بشغفه بفنّ الرسم الإسباني في "العصر الذهبي"، وأنّه استحوذ على مجموعةٍ لا بأس بها من الأعمال الإسبانية، بما في ذلك لوحاتٍ مهمّة حصل عليها من مجموعة الملك الفرنسي لويس فيليب. وترى الحكومة الرومانية أنّ الملك كارول قد أعلن قبيل وفاته أنّ مجموعته الملكية غير قابلة للبيع، وأنّه يضعها تحت تصرّف التاج الروماني.




في عام 1947، زال النظام الملكي الروماني، ما أدّى إلى تغيير الوضع القانوني للوحة، الذي أصبح مزعزعًا بعض الشيء. تدّعي دار كريستيز أنّ آخر ملوك رومانيا، ميخائيل الأول، جلب اللوحة معه من رومانيا بموافقةٍ صريحة من السلطات الرومانية الجديدة، التي رأت أن اللوحة ملك شخصي. من ناحيتها، ترفض رومانيا هذه الرواية، وتراها مخالفةً تمامًا للواقع، سواءً أكان نقل اللوحة قانونيًّا أم لا، فإنّ اللوحة التي كان يمتلكها الملك ميخائيل الأوّل بيعت بالفعل عام 1976 بوساطة غاليري Wildenstein & Co. النيويوركي إلى مشترٍ لم يُكشف عن اسمه. وبعد أكثر من ثلاثين عامًا، وفي عام 2010 بالتحديد، بيعت اللوحة في نيويورك مرةً أُخرى، وبقيت في حيازة المشتري الأخير إلى أن قرّر عرضها للبيع.
على الرغم من كلّ الضجيج الذي أثير بعد سحب اللوحة من برنامج المزاد، فإنّه من الواضح أنّ مصيرها النهائي لم يقرر بعد، إذ بدأت رومانيا في باريس إجراءاتٍ قانونية لدى المحكمة الدولية في باريس. ويتوقع النقاد والمتابعون أن تكون المحاكمة صاخبةً أيضًا، وليس أقلّ صخبًا مما رافق سحبها من المزاد.
هنا يرى الوزير مارسيل تشيولاكو أنّ حكومته عازمةٌ، بعد كلّ هذه العقود، على "استعادة اللوحة الفريدة التي لا تقدّر بثمن".
من ناحيةٍ أُخرى، لم يصدر عن دار كريستيز سوى بيان غير حاسم. بالطبع، لم تلغ دار المزادات معرض "سيباستيان"، بل قامت فقط بتأجيله كإجراءٍ احترازيّ. وجاء في البيان الذي أصدرته الدار: "نأمل بشدّة أن نتمكّن مستقبلًا من بيع هذا العمل الفريد والمذهل".
موقف كريستيز مفهوم تمامًا. فحتى الآن، لا يوجد سبب قانوني واضح ومقنع لشطب جميع التعاملات التجارية السابقة، وإعادة اللوحة إلى رومانيا. في هذه الأثناء، يجب القول إنّ اللوحة لافتةٌ للأنظار، وليس في مقدور الدار الحصول على عمل مماثل كلّ عام.
أما عن نسبة اللوحة إلى آلغريكو فلا شك في ذلك. موضوع اللوحة ليس غريبًا على أسلوبه (سبق للفنان أن رسم معاناة معذبي المسيحية مراتٍ عدة)، ولكنّه يبقى موضوعًا نادرًا في أعماله. ويرى النقاد أنّ اللوحة التي لم تبع حاليًا قريبة من حيث المفهوم والتكوين من اللوحة المحفوظة في متحف برادو في مدريد، ولكنّها ليست قريبةً من اللوحة الموجودة في كاتدرائية فالنسيا، فالأسلوب في الأخيرة أكثر سلاسةً، وأقلّ تعبيريةً، بشكلٍ ملحوظ.
أما عن لوحات آلغريكو فنادرًا ما تُعرض في المزادات. وآخر عملية بيعٍ للوحةٍ رفيعة المستوى بتوقيعه كانت بعنوان "سانت غريكو". كما سبق أن بيعت لوحة "القديس دومينيك يؤدي الصلاة" من قبل دار سوثبي للمزادات عام 2013 بمبلغ 9.3 مليون دولار أميركي، وهو سعرٍ قياسيّ بالنسبة للوحات الفنان.
وضعت دار كريستيز مبلغًا أكثر تواضعًا للوحة (7 ــ 9 ملايين دولار)، ولكنّه قد يرتفع أثناء المزاد، وقد يتخطى الرقم القياسي الذي تحقق قبل 12 عامًا، إلا إذا حكمت المحكمة بمصادرة اللوحة لصالح الدولة الرومانية. السوابق من هذا القبيل قليلة، فالمجوهرات والأعمال الفنية التي سبق أن أخذها ملوك سابقون معهم عند نفيهم لم تكن يومًا موضوعًا للمقاضاة في القرن العشرين.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.