في الثاني من آذار/ مارس المقبل، سيتم توزيع جوائز الأوسكار في نسختها الـ97 لعام 2025 على مسرح دولبي في هوليوود في لوس أنجلس. ومن المقرر أن يكون عريف الحفل الممثل الكوميدي ومقدّم البرامج الحوارية كونان أوبراين. وبسبب حرائق لوس أنجلس، ألغت الأكاديمية حفل الغداء السنوي الذي يقام تكريمًا للمرشحين للجوائز، مع التنويه بأنّ المواعيد قد تتغيّر بسبب الأحداث المتلاحقة. وللتذكير، حققت النسخة الماضية من حفل الأوسكار 19.5 مليون مشاهدة عبر شاشة ABC من أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 18 و49 عامًا.
وأعلنت الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم الصور المتحركة عن المرشحين لجوائز الأوسكار لهذا العام. وجاء في مقدمة الأفلام المرشحة فيلم المخرج جاك أوديار "إيميليا بيريز/ Emilie Perez"، الذي رشّح لنيل جوائز في 13 فئة، بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل فيلم بلغةٍ أجنبية. المركز الثاني في الترشيحات جاء مناصفةً بين فيلم "الوحشي/ Brutalist" للمخرج برادي كوربي، وفيلم "Wicked: The Tale of Witch of the West" للمخرج جون. إم. تشو، إذ حصل كلّ منهما على عشرة ترشيحات. وفي المركز الثالث، وبثمانية ترشيحات، حلّ فيلم "كونكلاف/ Konklav" للمخرج إدوارد بيرغر، وفيلم "بوب ديلان لا يعرفه أحد" للمخرج جيمس مينغولدا. ومن الغريب أنّه لم يسبق لأكاديمية أوسكار أن رشّحت أيّ فنانٍ روسيّ للحصول على إحدى جوائزها، ولكنها ترشّح هذه المرّة الممثل يوري بوريسوف لنيل جائزة أفضل ممثلٍ دور ثان في فيلم "أنورا/ Anora" للمخرج شو بيكير.
ردود الفعل العنيفة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مهاجمة فيلم "إيميليا بيريز" لا تزال مستمرة، وأيّ شيءٍ لإبطاء اندفاع الفيلم نحو حصد الجوائز في الواقع الفعلي (أثار الفيلم غضب الناطقين بالإسبانية بشكلٍ عام، والمكسيكيين بشكلٍ خاصّ، فضلًا عن الأشخاص الذين شعروا بأنّ الفيلم مسيء في إضاءته على أسباب وعواقب التحول الجنسي). الفيلم سبق أن فاز في حفل توزيع جوائز "Golden Glob" بأربع جوائز، وجمع 11 ترشيحًا، ولم يخسر إلا في مواجهة فيلم كونكلاف. وفي الوقت نفسه، نال الفيلم اهتمام النقابات المهنية الرئيسة في صناعة السينما الأميركية: نقابة الممثلين (SAG)، ونقابة المخرجين (DGA) ونقابة المنتجين (PGA). كانت الصدارة بين المتنافسين على جوائز الأوسكار استمرارًا منطقيًا لفيلمٍ غير ناطقٍ باللغة الإنكليزية حقق أرقامًا قياسية حتى الآن، فلم يسبق أن تخطى أيّ فيلم أجنبي حاجز عشرة ترشيحاتٍ في الأوسكار.
على الرغم من ذلك، لم يأت كلّ شيء في إعلان الترشيحات الحالية كما كان متوقعًا. جاءت أكبر مفاجآت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في فئة الترشيحات الرئيسية، أي فئة "أفضل فيلم". في ألعاب الكومبيوتر، جاءت توقعات جميع الخبراء المبكرة لصالح أفلام: "إيميليا بيريز"، "الوحشي"، و"بوب ديلان لا يعرفه أحد"، و"أدورا". أمّا بالنسبة لأفلام "الشرير"، و"الكئيب" في الجزء الثاني، للمخرج دينيس فيلنوف، فقد احتلت المكانة التي يحتفظ بها الأكاديميون عادةً للأفلام الناجحة والمكلفة جدًا، التي عادة ما تكون من إنتاج هوليوود. أمّا الجدل حول أيّ فيلمٍ سيأخذ مكان الفيلم الإلزامي في قائمة الفيلم القصير المستقلّ، فقد انتهت لصالح فيلم "غلام من القصدير/ The Nickel Boy" للمخرجة راميل روس. ما لم يتوقعه أحدٌ هو أنّ فيلم الرعب "Substance" للمخرجة الفرنسيّة كورالي فارجنت، وفيلم الدراما السياسية "I am still here" للمخرج البرازيلي والتر ساليس، والذي رشّح أيضًا في فئة أفضل فيلم أجنبي، قد وصلا بالفعل هذه المواقع المتقدّمة (يبدو أنّهما تلقيا دعمًا من الأعضاء غير الأميركيين في أكاديمية السينما، الذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة).
أصبحت كورالي فارجنت أيضًا المرأة الثامنة في تاريخ أوسكار التي يتمّ ترشيحها لنيل جائزة أفضل مخرج (فازت جين كامبيون بالجائزة مرتين). ومن الجدير بالذكر أنّ كورالي ستدخل منافسة شرسة مع مخرجين بارزين أمثال: جاك أوديار، جيمس مانغولد، برادي موربيت، وشون بيكر. ونظرًا لغياب مدير المهرجان إدوارد بيرغر غير المتوقع، فقد تحولت هذه النقطة بالذات إلى مجال صراعٍ بين الأكاديميين وجمعيتي المخرجين الأميركيين، وكذلك لجنة جائزة البافتا.
في فئة أفضل ممثلة، وهي الفئة الأكثر صعوبة للتنبؤ بالفائزة بها، توافقت الأكاديمية مع نقابة ممثلي الشاشة على كلّ الترشيحات، باستثناء ترشيحٍ واحد. توافق الطرفان على مرشحي هذه الفئة: ديمي مور عن فيلم "Substance"، وسينثيا غيريفو عن فيلم "wicked"، ومايكي أديسون عن فيلم "Anora"، وكارلا صوفيا جاسكون عن فيلم "Emilie Perez"، ولكنهما اختلفا بشأن باميلا أندرسون التي دعمها الزملاء في النقابة، وبين فرناندا توريس عن فيلم "ما زلت هنا".
من غير المعلوم أن يكون لانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية تأثير ما على خيارات الأكاديميين، فقد أظهروا اهتمامًا بممثلين لعبوا أدوارًا في فيلم السيرة الذاتية "المتدرب"، للمخرج علي عباسي، الذي تابع صعود ترامب. وهنالك توقعات أن يفوز الممثل سيباستيان ستان، الذي لعب دور ترامب، بجائزة أفضل ممثل. من ناحية أخرى، لا تغيب حظوظ الممثل جيريمي سترونغ، الذي لعب دور روي كون، معلّم الرئيس المستقبلي، للفوز بجائزة أفضل دورٍ ثانوي. وسيتنافس ستان مع أدريان برودي "الوحشي"، وتيموثي شالامي "المجهول"، ورايف فاينز "كونكلاف"، ويوري بوريسوف "أنورا".
تم الإعلان عن ترشيحات هذا العام مرتين، وتمّ تمديد فترة التصويت بسبب حرائق لوس أنجلس. لكن، وعلى الرغم من كلّ التحديات، باستثناء الكوارث الطبيعية، لا تزال صناعة السينما تعاني من آثار الوباء، ومن إضراب الممثلين والكتاب العام الفائت، وإنّ الأكاديمية عازمة على إثبات تفاؤل هوليوود المرن، إذ أصبح من شبه المؤكد أنّ حفل توزيع جوائز الأوسكار سيجري، كما هو مخطط، في الثاني من آذار/ مارس، مع التركيز بشكلٍ خاصّ على تكريم رجال الإطفاء، والمسعفين، وأوائل المستجيبين، وكذلك لوس أنجلس نفسها، التي تبقى رغم الرماد "مدينة الأحلام"...