عن قصّة كتبها النيوزيلندي أوين مارشال/ Owen Marshall، ومن بطولة الممثل الأميركي جون ليثغو/ John Lithgow، مع الحائز على جائزة الأوسكار، وجائزة أيمي، الممثل الأسترالي جيفري راش/ Geoffrey Rush ، يتمّ الترويج للفيلم النيوزلندي "قاعدة جيني بن"، من إخراج جيمس أشكروفت/ James Aschcroft ، باعتباره إنجازًا في مجال أفلام الإثارة النفسية، أو أفلام الرعب.
"في الحياة، هنالك على الدوام مجالٌ لاجتراح البطولات". وبالفعل، فقد تعيّن على القاضي ستيفان مورتنسن (جيفري راش) أن يقتنع بهذه الحقيقة الثابتة، التي يتمّ غرسها عادةً في أذهان أطفال المدارس في سنوات تدهور البلاد. لقد اعتاد القاضي معاقبة المجرمين المتشددين بقسوة. كان آخر أحكامه التي اتخذها بحق معتدٍ على فتاة قاصر. غير أنّ قدره التعيس كان يخبئ له، في آخر عمره، بعد أن قام بأفعالٍ بطولية حقًّا، مكافأة غير سارّة على خدماته المخلصة والبعيدة تمامًا عن الأنانية: بعد إصابته بسكتة دماغية مفاجئة تعرض لها وهو يتلو حكمه في جريمة الاعتداء، وجد مورتنسن نفسه محاصرًا على كرسيّ متحرك في دار داخلية مخصصة لأولئك الذين بلغوا "الشيخوخة الثالثة"، ووصلوا آخر طريق حياتهم.
تتحول دار رعاية المسنين "Royal Pine Mews" إلى مسرحٍ لعرضٍ ساديّ يمارسه المرضى أنفسهم. لم تكن السكاكين والمسدسات أسلحة المجرم، بل العصي وأجهزة التنفس والملاءات القذرة. فجأةً يجد القاضي نفسه وجهًا لوجه مع عجوزٍ مجنون يدعى ديفيد كريلي (الممثل جون ليثغو)، الذي يحاول ليلًا تسميمه هو وجاره توني (الممثل جورج هينار) الذي كان يومًا لاعب ركبي. الأكثر رعبًا بالنسبة للقاضي كان أمرًا آخر: اليأس الوجودي في مواجهة بقية أيامه بأكثر الطرق الممكنة إهانة له. في هذا المكان الرهيب، وبمجرد دخوله إليه، كان إقدام نزيل آخر على حرق نفسه، لأنّه لم يرد الاستسلام للمجرمين، وأن لا يحرم نفسه من أبسط لحظات الفرح في الحياة. حتى لحظات الفرح البسيطة تنتهي في دار الرعاية هذه بصورة تراجيدية. أمّا عبقري الإساءات فهو أحد نزلاء هذه المؤسسة، ديف كريلي الذي يقضي حياته عديمة الفائدة وسط العجزة.
يشير ليثغو، وهو محقّ تمامًا في ذلك: "نحن لا نتقاعد من اللعبة لأنّ الشيخوخة تأتي إلينا، بل لأنّنا نتقاعد من اللعبة نفسها". يواصل ديف كريلي القيام برهانات كبيرة، ويشعر أخيرًا أنّه فارس لا يشق له غبار. على عكس أقرانه، الذين تتراوح معاناتهم بين سلس البول والخرف، فهو ببساطة شخص مفعمٌ بالحيوية، يتمتّع بجسم يضجّ صحّةً، وبعقلٍ صافٍ مليء بالطاقة، ولكنّها طاقة شريرة. يستخدم هذا الرجل الشرير أداة إرهابٍ موثوقة وغريبة: لعبةً على شكل طفلة تدعى جيني بين، فيها تجاويف ولها عينان لا حياة فيهما: كأداة إرهاب موثوقة. مدفوعّا إلى حافة اليأس، نتيجة التعذيب النفسي، وحتى العنف الجسدي، يتوجّب على كلّ نزيل أن يقدّم اعترافًا رمزيًا لتحديد المسؤول في المكان (إنّها نفسها جيني بين في النسخة الأصلية لفيلم "قاعدة جيني بين")، ليجبر النزيل في نهاية الجلسة على تقبيل مؤخرة الدمية المثيرة للاشمئزاز. يخاطر كلّ شخصٍ يخالف قاعدة جيني بين بأن لا يستيقظ حيًّا، أو كبدايةٍ يتمّ رشّه ببول شخصٍ ما لتسلية الممرضات أثناء جولاتهنً الصباحية.
لسببٍ ما، يستمرّ التركيز على مسألة المؤخرة، حتى في هوامش الفيلم. على سبيل المثال، تلبية لأوامر المجرم الساديّ، يروي لاعب الركبي السابق توني غارفيلد، وزميله في السكن ستيفان، قصةً عن صحافي مشهور عثر عليه ميتًا بعد أن قضى وقتًا ممتعًا مع صديقته. هذا وحده يكفي للتوصل إلى استنتاجات حول نوايا صانعي الفيلم: إنهم يريدون ببساطة استفزاز المشاهد، وإحداث صدمةٍ في عقولهم، وبالتأكيد يرمون إلى أن يكونوا ضمن التيار الجارف السائد حاليًا في السينما.
وبالفعل، أصبحت ظواهر مثل: الاعتداء الجنسي على الأطفال، والتنمّر، والخرف، مواضيع رائجة في صناعة سينما الحاضر: كلّ هذه المواضيع نراها مجتمعةً معًا في الفيلم، أقلّه على هامش القصّة، سواءً أكانت في محلّها أم لا.
من المحتمل أن يكون غرض منتجي الفيلم من هذا المزيج غير المعتاد إضفاء نوعٍ من الأصالة على عملهم. يناقش الجميع اليوم مسألة التنمر بمناسبة عرض المسلسل التلفزيوني "العصر الانتقالي"، حول حيل الشبكات الاجتماعية، ليتضح سريعًا أنّ مثل هذه المسارات يمكن أن تطبق تمامًا على البشر من "الشيخوخة الثالثة"، الذي يمكن اعتبارها عمرًا انتقاليًّا بمعنى ما.
من الصعوبة بمكان أن يتصور المرء أنّ مخرج الفيلم لم يفكّر بفيلمٍ مشهور آخر، ولكنّه فيلم كلاسيكي هذه المرّة. يدور الحديث بالطبع عن فيلم "أحدهم طار فوق عشّ الوقواق/ One flew over the Cuckoo s Nest"، تحفة المخرج ميلوش فورمان السينمائية التي مضى إنتاجها نصف قرن من الزمن، والتي تتحدث عن مأساة المجتمع الأميركي. على الرغم من أنّ شخصيات دار المسنين في الفيلم الجديد مهذبون في أغلبيته، ولا يظهرون ميولًا ساديّة، كما كان الأمر عليه في مستشفى الأمراض النفسية في فيلم ميلوش فورمان، إلا أنّ هنالك شعورًا بانعدام تام للحرية في البيئة التي يعيش فيها المرضى. إلى جانب ذلك، هنالك أيضًا أوجه تشابه بين شخصيات الفيلمين: ففي حين يمثل أحد الفيلمين - الجديد- المطابقة والإرادة المكسورة، فإنّ الفيلم الآخر "أحدهم طار فوق عشّ الوقواق" يتحول إلى محفزٍ للاحتجاج والثورة.
لكن، عند المقارنة بين الفيلمين لا تصبّ الترجيحات غالبًا في صالح الفيلم الجديد، لأنّه يحوّل مأساة الشيخوخة إلى مهزلة ورعب في الوقت عينه.