ويُعتبر حضور المرأة في لوحات حاجو من أبرز الملامح التي تتكرر في أعماله، مما يعكس اهتمامه اللافت بالآخر، جنبًا إلى جنب مع حضور الرجل، بدون فروقات تُذكر، بل منطلقًا من الجانب الإنساني والاجتماعي وحده، حيثُ يتم تقديم هذه الثنائية ليس فقط كموضوع للوحة، بل كعنصر يحمل رمزية قوية ودلالات متعددة.
في العديد من لوحات بهرم حاجو، يظهر الرجل والمرأة كعنصرين متكاملين تتداخل بينهما مشاعر القوّة والضعف، الحرية والأسر. هذا التفاعل يظهر على شكل توازن دقيق بين الأشكال، حيث يعبر كل منهما عن حالة إنسانية أو نفسية تختلف وفقًا للسياق الذي يقدمه الفنان. فالمرأة في لوحاته غالبًا ما تمثل القوة الداخلية والعاطفة، بينما يظهر الرجل كممثل للمواجهة والتحدي، مما يعكس علاقة معقدة مليئة بالانفعالات المتبادلة.
يُميز حاجو في تعاملاته مع هذه الثنائية استخدام الفن التجريدي، حيث لا يسعى دائمًا إلى تمثيل الأجساد بشكل واقعي، بل يترك المجال للتفسير الشخصي من خلال الأشكال الهندسية والرموز التي تدمج الرجل والمرأة في أنماط تتشابك، مما يسمح لكل مشاهد بأن يرى العلاقة بينهما بشكل مختلف. قد تظهر الأجسام في هذه اللوحات كأشكال متداخلة أو خطوط متوازية، تُعبّر عن تداخل الأدوار والمشاعر بين الرجل والمرأة.
غالبًا ما يرمز حضور المرأة في لوحات بهرم حاجو إلى الأبعاد الثقافية المرتبطة بالأنوثة، مثل الأمومة والحياة، فهي تظهر في بعض أعماله كرمز للخصوبة والتجدد. تكون هذه الرمزية جزءًا أساسيًا من هوية الشعب الكردي وتاريخه، مما يعكس تقدير الفنان للمرأة في إطار الثقافة الكردية.
في بعض لوحات حاجو، يتم تقديم المرأة على أنها رمز للحرية والتمرّد على القيود الاجتماعية والسياسية، خاصة في سياق الصراع الكردي من أجل الحرية. هذا التناول يعكس الارتباط بين الأنوثة والنضال، حيث تبرز المرأة كعنصر مقاوم في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع الكردي. كما أن تصويرها في حالة من القوة والرفض يمكن أن يعكس أيضًا رغبة الفنان في التعبير عن تحرر المرأة في السياقين الكردي والعالمي.
الرجل في لوحات حاجو يُعبّر في كثير من الأحيان عن الصراع، والتحدي، والأبعاد السياسية والتاريخية. يمكن أن يظهر الرجل في حالات من التأمل أو التوتر، مما يرمز إلى الواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب الكردي في سياق صراعه المستمر من أجل حقوقه وحريته. كما يظهر الرجل في بعض الأحيان كشخصية تعمل على حماية هذا التراث الثقافي والتاريخي، مما يعكس تمسكه بالجذور.
فيما يتعلق بالبُعد الاجتماعي، يعكس حاجو من خلال هذه الثنائية بين الرجل والمرأة كيف يتداخل كل منهما في الحياة اليومية للمجتمع الكردي، ويُظهر كيف تتوزع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين، وكيف يعكس كل منهما أحد جوانب الواقع الثقافي والسياسي. ولكن في الوقت ذاته، يعكس حاجو في أعماله حالة من التوازن بين هذه الأدوار، حيث يتم تقديم الرجل والمرأة ككيانات متساوية في الجمالية والفن.
خلاصة القول: حضور ثنائية المرأة والرجل في لوحات بهرم حاجو يعكس بشكل رئيسي التفاعل بين الأبعاد الثقافية، الإنسانية، والاجتماعية. إذْ يُظهر حاجو هذه العلاقة في أعماله من خلال رمزية عميقة، تستعمل الألوان والأشكال لتقديم صورة غير تقليدية للمرأة والرجل، حيث يُبرز كلاهما في إطار من القوة والضعف، الحرية والصراع. هذه الثنائية في لوحات حاجو لا تقتصر على عرض العلاقات بين الجنسين، بل هي تمثل جزءًا أساسيًا من الهوية الكردية وتاريخها، كما تعكس التحديات الاجتماعية والسياسية التي يواجهها المجتمع الكردي.
ينحدر الفنان بهرم حاجو من مدينة تربسبيه (القحطانية) في أقصى الشمال السوري، حيثُ ولد في عام 1952، وهو من الفنانين البارزين على مستوى العالم، نظرًا لموهبته الفنية التي رسّخت مكانته كشخصية بارزة في الساحة العالميّة. غادر سورية في الـ20 من عمره، إذْ توجه إلى بغداد للدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة، ثم انتقل إلى براغ، ومن ثم إلى شرق برلين وغربها، قبل أن يستقر في مدينة مونستر الألمانيّة. ومن ثم درس الفن في أكاديمية "كونستاكاديمية دوسلدورف" المعروفة، وفي مدرسة "Gesamtschule Ückendorf" في جيلسنكيرشن، حيثُ كرّس وقته للفن بدءًا من مطلع التسعينيات.
وتوّج مساره الفني في عام 2014، بحصوله على جائزة هنري ماتيس من متحف قلعة جريمالدي في فرنسا، التي تعتبر أبرز جائزة في الفن التشكيلي الأوروبي المعاصر.
أعمال بهرم حاجو الفنية مُدرجة في العديد من المقتنيات الخاصة والعامة حول العالم وضمن مجموعات عدد من جامعي المقتنيات الفنية البارزين بما في ذلك: المتحف العربي للفن الحديث في الريان بقطر، وآرت هول أولدنبورغ في ألمانيا، ودويتشه بنك في ألمانيا، والشيخ راشد آل خليفة في البحرين، وألبرت أوهايون في الولايات المتحدة، ومانفريد جوبيتز في ألمانيا.