}
عروض

دليل القارئ إلى سعد الله ونوس بالإنكليزية

أسامة إسبر

31 مارس 2020
حين تدخل الترجمة في صلب الاهتمام الثقافي والإبداعي، ينقل المترجمون أعمالاً إبداعية رفيعة كانت وما تزال مؤثرة في البيئة واللغة التي أُبْدعت فيها، وقادرة على اختراق الحاجز اللغوي والثقافي، والتأثير في جمهور أوسع وأعرض. هذا هو الهدف الكامن وراء الترجمة الجديدة والمهمة التي أنجزها كل من روبرت مايرز، وندى صعب، وصدرت عن مطبعة جامعة ييل في الولايات المتحدة الأميركية، في كتاب بعنوان "محكومون بالأمل.. دليل القارىء إلى سعد الله ونوس" يضم بين دفتيه مختارات من إبداعات أحد أهم أعمدة المسرح العربي التجديدي المعاصر، الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس.
يحتوي الكتاب على أربع مسرحيات ألفها سعد الله ونوس في مراحل مختلفة من تجربته، هي "حفلة سمر من أجل 5 حزيران"، و"مغامرة رأس المملوك جابر"، و"أحلام شقية"، و"طقوس التحولات والإشارات"، بالإضافة إلى منتخبات من الكلمات التي ألقاها المؤلف، والمقالات التي نشرها، والحوارات التي أجريت معه.
في مقدمة الكتاب، التي تعرّف بالكاتب المسرحي سعد الله ونوس، وخلفيته السياسية والاجتماعية والمسرحية، يرى كل من روبرت مايرز، وندى صعب، أن ونوس كان مُنَظِّراً سياسياً واجتماعياً وماركسياً وقومياً عربياً مناهضاً للاستعمار، كما كان مبدعاً مسرحياً وكاتباً مهتماً بالشأن السياسي والاجتماعي والثقافي، مثل المسرحي والشاعر الألماني برتولت بريخت. ويشير المترجمان إلى أن هذا الكتاب الذي يضم أربع مسرحيات، ومختارات أخرى من مقالاته، وكلماته، والحوارات التي أجريت معه، يصدر في وقت لا يعرف فيه القراء الأميركيون من
الأدباء العرب إلا محمود درويش، وأدونيس، ونجيب محفوظ، ولا يعرفون عن وطن سعد الله ونوس سورية إلا ما يأتيهم مصفّى من خلال العدسة الضيقة للتغطية الإعلامية الغربية للحرب الدائرة في سورية، لكن هذا الكتاب يوسع العدسة، ويساعد القراء الأميركيين على تعميق معرفتهم بالثقافة والإبداع، من خلال هذه الترجمات المسرحية التي يرى المترجمان أنها ستغير آراء كثيرين من قراء المسرح حول متع قراءة المسرح، بما أن مسرحيات وكتابات سعد الله ونوس يجب أن تُقْرأ في الوقت نفسه كنقد ثقافي، وكأطروحات فلسفية وثقافية، وإعادة تأليف إبداعية للقصص التراثية التقليدية، وأنماط الأداء المسرحي. كما يرى المترجمان أن كتابة ونوس مرت في تحول عميق بعد تشخيص إصابته بسرطان البلعوم، وتحدثا عن دراسته في مصر، وإعجابه الشديد بجمال عبدالناصر، وتأثره بالكاتب المسرحي المصري، توفيق الحكيم، وتعرفه على مجلة الآداب اللبنانية، ومتابعته لها بشغف، وعودته إلى دمشق، ثم سفره ودراسته في فرنسا، والمؤثرات التي انفتح عليها هناك. كما لم تفتهما الإشارة إلى خلفيته الاجتماعية، وإلى قريته حصين البحر، التي تقع فوق مرفأ طرطوس، كما تتحدث المقدمة عن مسرحياته الأخرى، وتلقي الضوء على تجربته الإبداعية.
سعد الله ونوس 

وفي "محكومون بالأمل: دليل القارىء إلى سعد الله ونوس"، سيحظى القراء الأميركيون العامون، والمهتمون بالمسرح أداء وتأليفاً، بمدخل إلى تجربة مسرحية إبداعية عربية قادرة على إمتاعهم وإثارة الأسئلة لديهم، حيث يشكل هذا الكتاب محطة مهمة لتقديم صورة مكتملة عن الكاتب لم تتوفر من قبل بهذا الشكل، إذ سبق أن تُرجمت أعمال متفرقة لسعد الله ونوس، مثل مسرحية "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" المضمنة في هذا الكتاب، والتي صدرت في ترجمتين مختلفتين في اللغة الإنكليزية في 2014، فقد تُرجمت لأول مرة ضمن كتاب صدر بعنوان "أربع مسرحيات من سورية: سعد الله ونوس"، من منشورات المركز المسرحي في جامعة مدينة نيويورك، والكتاب من تحرير مارفن كارلسون، وصافي محفوظ. وصدرت الترجمة الثانية في 2014، وهي لروجر آلن، ونشرها في مجلة "ذ ميركيري" المتخصصة في المسرح في خريف 2014، لكن لم تصدر ترجمة وافية كهذه من قبل تقدم أعمالاً متنوعة تساعد على فهم تجربة الكاتب في مراحل مختلفة من حياته.
تستمد هذه الترجمة الجديدة لمسرحيات ونوس، التي قام بها روبرت مايرز، وندى صعب، أهميتها من كونها ترجمة لم تتم لأهداف أدبية فحسب، بل لأهداف مسرحية، فقد تُرجمت
المسرحيات الأربع بلغة إنكليزية جاهزة للقراءة، أو الأداء المسرحي، ذلك أن المترجم هو في الأساس مؤلف مسرحي، كما أن المترجمة متخصصة في هذا الحقل. والمترجم روبرت مايرز أستاذ جامعي حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة ييل، وهو مدير مركز الدراسات العربية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومؤلف مسرحي سبق أن ألف أكثر من 12 عملاً للمسرح، كما حصل في 2013 على منحة ماك آرثر البالغة خمسين ألف دولار، من أجل ترجمة مسرحية "طقوس التحولات والإشارات" إلى الإنكليزية، وتأديتها على المسرح. أما المترجمة ندى صعب فهي أستاذة الأدب العربي في الجامعة الأميركية في بيروت، ومتخصصة في المسرح العربي، وسبق أن تعاون المترجمان وترجما مسرحية "الدكتاتور" للكاتب المسرحي اللبناني، عصام محفوظ، و"حمام بغدادي" للمسرحي العراقي، جواد الأسدي، التي عُرضت على مسرح (لا ماما) في نيويورك.
وتنبغي الإشارة إلى أن هناك عوامل كثيرة تلعب دوراً في اختيار كتاب وترجمته إلى لغة أخرى، أحياناً لا تكون إبداعية، إذ تحظى الكتب بالترجمة كونها تتناول أحداثاً كبرى، أو اهتمامات ثقافية معينة، أو لأنها تخدم هدفاً أنثربولوجياً، أو بحثياً، أو احتياجات شخصية معرفية معينة، فتنال حظوظاً قد لا تنالها كتب تفوقها أهمية على المستوى الإبداعي والعمق الفكري. ويبقى الامتحان الأكبر للكتاب المترجَم إلى لغة أخرى هو قدرته على اختراق الحاجز الثقافي، وإغناء القارئ الذي ينتمي إلي ثقافة أو لغة أخرى، أو القدرة على المساهمة الكونية، خارج الارتباط بحدث معين، أو مناسبة ما محددة، ذلك أن من أهداف الترجمة فتح العالم على بعضه، وإدخال المؤثرات الأدبية والفكرية المغنية، وغالباً ما تحظى الرواية بالاهتمام الأول على لائحة الترجمة، كونها الأكثر تسويقاً، وأكثر انسجاماً مع الثقافة العامة، أو الذوق الأدبي الذي يسهم الإعلام إلى درجة ما في صناعتة. ولا شك أن هذا الكتاب الصادر عن مطبعة جامعة ييل (2019)، الذي يضم منتخبات تمثيلية من أعمال السوري سعد الله ونوس (1941 - 1997) يقدم صورة وافية عن أحد أهم المبدعين المسرحيين السوريين والعرب والمثقفين اليساريين النقديين، الذي جمع بين أصالة الإبداع، وأصالة الموقف النقدي.
وفي حوار أجرتْه الصحفية الأميركية، لينكس كوالي، مع المترجمين، نُشر بالإنكليزية في مدونة "أربليت"، يقول مايرز، وندى صعب، إنهما أنجزا الترجمة وأعينهما على المسرح، أي أنهما
ترجما أعمال سعد الله ونوس بلغة جاهزة للأداء المسرحي، والهدف هو الوصول إلى جمهور أوسع غير الذي تحرك المؤلف في إطاره. فقد شعر المترجمان بأنه من الضروري جداً تقديم مسرحيات سعد الله ونوس بلغات أخرى، كما تُقدَّم مسرحيات بريخت، وإبسن، وتشيخوف، وبيرانديللو، وآخرين، من دون غموض، أو من دون شرح أنثروبولوجي، وشعرا أن المدخل إلى ذلك هو تجنب الشرح الثقافي، واعتماد لغة تسهل على الممثلين أداء أدوارهم. وهذا التوضيح الذي قدمه المترجمان للصحفية لينكس كوالي يؤكد إيمانهما بإمكانية تقديم مسرح سعد الله ونوس في إطار عالمي، ويشكل هذا دافعاً مهماً وراء الترجمة.
نذر سعد الله ونوس نفسه للكتابة المسرحية منذ ريعان شبابه، فقد كتب أول مسرحية له حين ذهب لدراسة الصحافة في كلية الآداب في القاهرة سنة 1961، وكانت بعنوان "الحياة أبداً"، لكنها لم تنشر. وفي عام 1976، نشر "حفلة سمر من أجل 5 حزيران"، وهي المسرحية التي انتقدت واقع الهزيمة والنفاق والفساد وازدواجية الحكام العرب، وقد احتفى بها النقاد على أنها مسرحية إبداعية على المستوى الفنى بامتياز. وقد نشرها الشاعر أدونيس كاملة في مجلته "مواقف"، بعد أن منعتها الرقابة في سورية، في نوع من التضامن مع المؤلف ضد سلطة الرقابة.
اعتبر سعد الله ونوس هزيمة حزيران هزيمة شخصية له، كما أنه لجأ إلى الصمت 10 سنوات بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وحمّل في حوار أجرى معه حرب الخليج، والغزو الأميركي للعراق، مسؤولية إصابته بالسرطان، ولكنه رغم كل هذه الظروف التي مر بها تفرغ للإبداع المسرحي، وألف مسرحيات تُعدّ من التحف الإبداعية التي أسّست لمسرح عربي جديد، يتجاوز مسرح الخطابة باتجاه ما سماه مسرح الكلمة - الفعل، مؤمناً بقدرة المسرح على إحدث التغيير الاجتماعي والسياسي.
ولا شك أن هذه الترجمة الصادرة عن جامعة ييل ستعرّف قراء اللغة الإنكليزية على جوانب في الثقافة العربية لا يكف إعلام الاتجاه السائد في أميركا عن إغفالها، أو الإشارة العابرة إليها أثناء تغطية الأحداث السياسية التي بدأت تعصف بالشرق الأوسط  في أعقاب الربيع العربي.

*صحافي سوري مقيم في أميركا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.