}
عروض

"الموت يصنع كعكة عيد الميلاد".. الحياة من فوّهة الدبّابة

عماد الدين موسى

18 أبريل 2020

بعد سنوات من الكارثة التي حلّتْ بالسوريين وبلادهم؛ تكادُ مُفردة "الموت" لا تفارق نصوص كُتّابِها أينما كانوا، سواء داخل البلادِ أو ممّن غادر مُرغماً إلى المنافي، وما أكثرها. الموت لا كضيفٍ عابرٍ فحسب، بل بوصفهِ كابوساً أطبق على الأنفاس والأرواحِ في الآنِ معاً.
في كتابهِ الشِّعريّ الجديد "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد"، الصادر باللغتين العربية والألمانيّة عن منشورات (Maritz & Gross) في سويسرا، يلتقط الشاعر السوري حمد عبود مشاهد حيّة من الحياة اليوميّة لكن بعدسة الشِعر؛ ثمّة كاميرا تدور وتدور، لتأخذ لنا صوراً كثيرة، واحدة من هنا وأخرى من هناك. مشاهد تضجّ بالحياة والحيويّة والنشاط، لكنها تبدو وكأنها مأخوذة عبر فوّهة الدبّابة أو من خلال عيني قنّاص. يقول الشاعر: "لو أعرفُ كيف أقود دبابة/ لكنتُ استعرتُ واحدة من الأعداء، أو الأصدقاء/ الكل لديه دبابة سواي/ ولأخذتكِ على متنها/ في فسحةٍ تليق بهذه الحرب/ لتشاهدي الحياة كما يراها الجنودُ من فتحة الباب المستطيلة".

 

بورتريه لديكتاتورنا الجميل
يكتبُ حمد عبود قصيدة الحرب لكن بمنتهى الحبّ، يكتبُ كما لو أنّه ذاهبٌ إلى موعدٍ غراميّ أو نزهةٍ ربيعيّة؛ القصيدةُ هنا- رغم قساوة المشاهد الملتقطة- مكتوبةٌ بلغةٍ رقيقةٍ وهادئة. حيثُ نجد مفردات، دخلت إلى القاموس اليوميّ للسوريين جميعاً، مثل ("الأعداء"، "الحرب"، "الدبّابات"، "مسدّس"، "القتل"، "شهداء"، "القصف"، "الإعدام الميداني"، "المئذنة المرمية في الشارع")، إلى جانب مفردات مثل ("الأصدقاء"، "الحبّ"، "الجسر"، "السينما"، "سقف الوطن"، "الفرات".. وغيرها).
ثمّة مزجٌ حميم وإشكالي بين عوالم متناقضة، لكنها تغدو متآلفة أكثر مما ينبغي؛ يقول: "في الحرب غير العادية لا يُفضّل ولا يستحسن أن تموت كيفما تشاء، عليك أن تعلم بأن هناك قواعد وخيارات متاحة ومحددة. أن تموتَ برصاص القناص فهو خير على خير، وإن كان ممكناً فمُتْ بقذيفة في ساعة محددة من اختيارك أنت، أو في ساعة مفاجئة تماماً كأي عيد ميلاد ادّعيتَ أنكَ نسيته، فقط لترسم على وجهك علامات المفاجأة والانبهار بعيد ميلادك الذي رتّبه الأصدقاء".
من جهةٍ أخرى؛ نجد أنّ العناوين في كتاب "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد" مُذهلة وغايةً في الشاعريّة، بدءاً من عنوان الكتاب مروراً إلى عناوين القصائد، حيثُ نقرأ- على سبيل المثال لا الحصر- : ("بورتريه لديكتاتورنا الجميل"، "الموت ينفرد بنا كما انفرد مارادونا بالمرمى سنة 1986"، "ماذا حلّ بالطيور اللاجئة؟"، "بدون ملابس داخلية تحاول الطيران"، "الكثير من ربما على وجبة حساء"، "جوع قديم وأشياء تشبه الديمقراطية"، "أنا مقبرة جماعية قديمة"، "الموت ومقاماته"، و"أريد أن أقود دبابة").
ولعلّ المُلفت في هذه العناوين أنّ الشاعر يغلّف كتاباته بقليل من الفكاهةِ وبكثيرٍ من الحنكة، بالرغم من كل ما يجري من حوله/حولنا من قتلٍ أو دمارٍ، أنّا للشِعر أن يستوعبه. "يبرع في التعبير عنها بمفردات لغة الحياة اليوميّة، وتتميز بفكاهة سوداء لا يمكن أن ينفصل فيها الضحك عن التراجيديا".

حكايات عن الحرب والمنفى
كتاب "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد"، والذي جاء في مائة واثنتين وخمسين صفحةً من القطع المتوسط، تطغى فيه الحرب على واقع الحياة اليوميّة وتسيطر على اللغة وتتحكم في الأفكار، على حدّ تعبير شتيفان ميليش، في معرض تقديمه للكتاب. إنها حكايات يوميّة عن الحرب والمنفى والنجاة، وعن تقاطع مجالات حياتية لا علاقة لبعضها البعض في الأحوال العادية.
جديرٌ بالذكر أن الشاعر حمد عبود مقيم في النمسا منذ سنوات، وهو من مواليد مدينة دير الزور السوريّة- سنة 1987، نُشرتْ نصوصه الشعرية والأدبيّة في العديد من المجلات العربيّة منذ سنة 2005، فيما صدرتْ مجموعته الشعرية الأولى سنة 2012 بعنوان "مطر الغيمة الأولى" عن دار أرواد للنشر/ طرطوس، وحازت نصوص مجموعته الثانية قبل نشرها في سنة 2015 على منحة "جان جاك روسّو" للكتابة الابداعية من أكاديمية شلوس سوليتود في مدينة شتوتغارت الألمانيّة. كما وصلتْ مجموعته "الموت يصنع كعكة عيد الميلاد" سنة 2017 إلى القائمة القصيرة لجائزة الأدب العالمي المترجم المقدمة من بيت ثقافات العالم في العاصمة الألمانية "برلين".

#حمد عبود مع التلفزيون العربي في برنامج صباح النور:

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.