}
عروض

"إزميل رام".. عندما ينحت الإنسان نفسه

تأتي رواية الكاتب الفلسطيني حسام معروف من غزة "إزميل رام"، الصادرة عن دار الرعاة للنشر، كرؤية مختلفة للواقع، حيث نقرأ الإنسان من غزة وكأنها رواية عن الإنسان هناك وليست رواية عن المكان.

ومن هنا تنحاز القصة للتفاصيل وتدخل عميقا إلى منطقة سرية هناك وهي المرأة والتعامل معها ورؤيتها لذاتها. يبدأ النحات رام الذي يعيش في غزة في سرد حكايته الشخصية عن النحت كأسلوب حياة يخلصه من رتابة الحياة العادية، وكأن الإنسان هناك في غزة بحاجة إلى الدخول عميقا في كيانه والبحث عن معنى وجوده في عالم محاصر حيث التمعن في الذات وإخراج الأسئلة منها هي رؤية الكاتب في هذه الرواية. لا أحبذ الدخول في تفاصيل الرواية، إنما في خطوطها التي تجري بموازاة ما يدور في داخل الفنان، الذي هو بمثابة خالق صغير للشخصيات ولكنه شهواني، ونكتشف في نهاية الرواية أنه قاتل، تقوده غرائزه إلى جعل النساء جثثا يحنطها في غرفته، فتقودنا الرواية لنسأل ذاك السؤال الذي يختفي داخلها: لماذا هذا التناقض في ذات الفنان والرجل الشرقي، الذي من شدة افتتانه بالمرأة يحولها إلى منحوتة؟ وهل احتاجت تشرين (الفنانة التشكيلية) إلى عقلها كي تهرب من قبضته؟ إن الرواية هي التي تقترب من هذا السؤال الشائك وتحوله إلى لغز، لتقول للمرأة وللرجل إن الحياة تكمن في ذاك السر الذي يحتاج الاثنين إلى اجتهاد ونحت كي نعطي الفن الأجمل للعالم.

لا تكشف البداية عن حقيقة رام، وكأن الكاتب يريد أن يجعل زاوية النظر تصطدم بطبيعته الفنية، فيخال لنا أن المثقفين والفنانين يمتلكون سرا آخر مختلفا عن العالم، إن رؤيتهم المختلفة عن الحياة هي ما تقنعنا أنه من النادر أن يقترفوا الجرائم أو أن يساهموا في خراب العالم، لذلك فإن الفن ليس طوباويا وحالما كما يصوره الروائي. إنها القدرة على إخفاء طبيعة رام التي تأثرت بوالدته الضحية. فقد تحول هو بذاته إلى فنان ينحت الشخصيات بقسوة من حوله، ثم يقتل النساء من حوله ويحولهن إلى منحوتات. تأتي النهاية مخالفة للبداية حيث يناقش رام صديقه الذي يكره المرأة عن حبه لها واحترامه لعقلها، وعن عالمها السري والغامض والذي يحتاج لثقافة ورقي. إنها الصدمة ذاتها، التي تصادفها المرأة في عالم ذكوري، وتتفاجأ بتفاصيل تلك التناقضات التي تتراكم في ذات المثقفين والفنانين وحتى الكتاب، وكأن الكاتب يضعنا أمام تلك الصدمة ويفتح لنا عيوننا أمام المفاجأة. فنبحث في البداية عن السر لنجد أنه رجل محاصر بالجثث والضحايا ولعل ازميله كان صادقا فقد جعله ينحت الآخرين وذاته كي يبدو كما هو، حقيقي بتناقضاته وبدون إضافات ومساحيق وزوائد.
لقد كانت تعرية المرأة لذاتها هي هدف رام السري، لكنه كان ناقصا بدون تعريتها هي لذاتها، فقد كانت أخته وتشرين هما الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية، ولقد دخل رام عميقا لكي يفهم عوالمهما، لكنه أهمل أن حب تشرين له قد يكشف سره، وقد يجعلها تفلت من قتله لها، إنها قادرة على نحته هو أيضا وإعادة تشكيله في الحب. ليس الفن وحده هو القادر على تشكيل رؤيتنا في الحياة، بل محاولة إبداعنا لحياتنا، ورؤيتنا لها بطريقة أفضل، إنه النحت داخل كينونتنا، وهكذا يقترح الكاتب في روايته الأولى التي يطلقها من غزة. إنه المكان الذي عرفناه عن بعد، عن مأساته وحزنه ودماره، ستكون بالطبع مغامرة أن ندخل إلى تلك المنطقة السرية التي بالكاد نسمع عنها وهي الحياة في المجتمع الذكوري هناك وكيف يفكك الإنسان نفسه داخل هذا المجتمع.
كانت مهمة الكاتب مغايرة في هذه الرواية، مثل ذلك النحات رام بالضبط، فبدا وكأن رحلتنا نحو التحرر تنطلق من السؤال عن أنفسنا.. إنها رحلة عامودية بلا شك، حيث لا أحداث كثيرة لكن المحور هو السؤال عن المرأة الضحية وكيف تحولت في هذا الزمن وفي الرواية إلى منحوتة صامتة نتأمل حوارها الصامت.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.