}
عروض

عدد جديد من حولية "هايكو العالم".. الاقتصاد في اللغة

ضفة ثالثة ـ خاص

2 يونيو 2020
صدر حديثا العدد 16 من مجلة "هايكو العالم" الحولية، الصادرة في طوكيو، محتويًا على قسمين: الأول خاص بشعر الهايكو الياباني، والثاني لشعر الهايكو العالمي.
اُفتتح القسم الأول بهايكو للشاعر العراقي المقيم في إنكلترا، عبدالكريم كاصد، مع لوحة للفنان الياباني كونيهارو شيبيزو.
القسم الثاني تصدرته قصيدة للشاعر النيبالي، رام كومار بانده، ولوحة للفنان كونيهارو شيبيزو أيضًا. وهذا القسم يكاد يكون مكرسًا لـ "ملتقى الهايكو العاشر" الذي عُقد في طوكيو أخيرًا، وهو يضمّ الحقول التالية: هايكو، مسابقة الهايكو، دراسات حول الهايكو، تقارير.
احتوى حقل الهايكو على العديد من القصائد، بعضها اختير من بين عشرات القصائد التي ألقيت في ملتقى الهايكو العاشر، ومن بينها قصائد للشاعرين العراقي، عبدالكريم كاصد، والمغربي سامح درويش (مثلا الهايكو العربي في ملتقى هايكو العالم في دورته الأخيرة في طوكيو)، وبعضها الآخر لشعراء آخرين يقرب عددهم من 170 شاعرًا، من بينهم الشاعر المغربي، محمد بنيس، والشاعر العراقي الكردي، أحمد ملكو.
الحقل الثاني ضمّ قصائد فازت في مسابقة رافقت الملتقى العاشر تكونت لها لجنة محكمين من أقطار شتى تبادلوا آراءهم عبر الإنترنت، وهم الشعراء: كاسميرو دو بريتو (البرتغال)، كاتيكا (ماسيدونيا)، فيهار جوديت (هنغاريا)، أريك سيلاند  (الولايات المتحدة)، سايومي كاماكورا (اليابان)، عبدالكريم كاصد (العراق)، بانيا (اليابان)، وهو رئيس المحكمين. أغلب القصائد التي تبادلها المحكمون كانت باللغات اليابانية والإنكليزية والفرنسية.
ينشر "منبر ضفة ثالثة" القصائد التي فازت بالمراتب الأولى والثانية والثالثة، من بين القصائد الفائزة السبع، التي ترجمها إلى العربية عبدالكريم كاصد: 

الجائزة الأولى:
جيزي شيميزي من اليابان:

أجري
خلف قطرات الماء
حتى سماء جيمس دين الزرقاء.

 
الجائزة الثانية:
ساكي إنوي من اليابان:

طقس جميل
خطّ يامونوت الحديديّ
يلمّع نفسه.

الجائزة الثالثة:
ستيفان دامور من كندا:

برج موري يرقص
مع أعماق الأرض
المهندس يشرب الشاي.

غلاف العدد 16 من حولية "هايكو العالم" 

الحقل الثالث هو حقل الدراسات. واحتوى على أربع دراسات باللغة الإنكليزية، ودراسة بالهنغارية، لم تتم ترجمتها إلى الإنكليزية، للشاعرة فيهار جوديت، عضو لجنة المحكمين.

الدراسة الأولى لبانيا ناتسوشي، وفيها يطرح الكثير من ملابسات الاثنين (الترجمة والهايكو)،

فهو يستهلّ المداخلة بالحديث عن تجربته المرّة مع اللغة والترجمة خلال السنوات التي أعقبت انعقاد ملتقى الهايكو العالمي الأول سنة 2000، ففي الملتقى الثاني فاجأه المقطع التالي الوارد في كلمة تتحدث عن مهمة الملتقى: "من أجل تطوير الهايكو في كلّ اللغات، وممارسات الترجمة المرافقة للهايكو، والإقرار بأن اللغة الإنكليزية هي لغة الهايكو العالمية الحالية". ويعلّق على هذا المقطع بما يمكن تلخيصه "أيّ لغة عالمية لن تكون أبدًا شاملة، أو أبدية. إنْ هي إلا لغة مؤقتة عابرة. ثمة أنواع عديدة من الإنكليزية، كما أن هناك لغات عالمية أخرى، منها على سبيل المثال: الإسبانية، والروسية، والفرنسية، والعربية.. إلخ. إنني لا أنكر أهمية اللغة الإنكليزية في عالمنا المعاصر، لكنني أجد في المقطع السابق غرورًا وتجاهلًا من قبل الذي كتبه، وهو زميل مؤسس في الملتقى".
وهذا ما دفعه إلى كتابة هذا الهايكو:

دموع حمراء
دم أسود
لغتنا قفصٌ

وإلى الإشارة إلى أن ترجمته إلى الإنكليزية كانت أفضل من الأصل الياباني، فالدموع الحمراء أصلها في اليابانية "دموع مرّة"، وهي تعود في جذورها الأبعد إلى قصيدة طويلة باللغة الصينية كتبها الشاعر باي ليتيان في القرن السابع الميلادي، وليس هناك ما يقابلها في اللغة الإنكليزية، مما اضطر المترجم الإنكليزيّ إلى استخدام الترجمة البديلة التي جاءت أكثر إيحاءً، مستنتجًا، من ذلك، أن في إمكان الترجمة رغم العوائق، وعلى النقيض من تجربته المريرة، أن تكون ناجحة جدًا، وقادرة على رفع هذه العوائق (على الأقل أحيانًا) بما يشبه المعجزة".
ثم يشير إلى أن الهايكو الذي كتبه، والهايكو الآخر الذي أورده لشاعر آخر، في مقالته هذه، يخلوان من الكلمات الموسمية التي ما زال يتشبث بها بعض الشعراء اليابانيين، ويرى أن ذلك لن يكون معيارًا للقصيدة، بل اختيار، لأن الفصول تختلف من بلد إلى آخر، فبعض البلدان قد تشهد فصولًا ستة في اليوم الواحد.
وفي نهاية المقال، يورد ترجمة لهايكو باشو الشهير عن الضفدع القافز إلى البركة، قام بها هو وزميله المترجم الأميركي، أريك سالاند، الذي سنتطرق إلى مداخلته في عرضنا هذا، ليذكر أن الهايكو أصبح في الإنكليزية محتويًا على 12 مقطعًا فقط، وليس 17 مقطعًا، ما يدعونا إلى التساؤل عن ضرورة هذا المعيار أيضًا.
يخلص بانيا في دراسته إلى "أنّ الهايكو المترجم إلى أكثر من لغة يرينا، على حد قوله، أشكالًا وإيقاعات مختلفة تبعًا لكل لغة، لذا لم يبق أمامنا سوى الأسطر الثلاثة معيارًا للجميع".
المقالة الثانية للشاعر والناقد الأميركي، أريك سيلاند، وهي بعنوان "تأثير الهايكو على الشعر الأميركي المعاصر" تتناول تأثير الهايكو باعتباره واحدًا من العناصر الأساسية التي شكلت البنية العميقة للشعر الأميركي، وما زاد في تأثيره أن القيم الشعرية للهايكو هي بالأساس موجودة في هذه البنية، ويمكن تلمس سماتها في التخلص من العاطفية الزائدة، والاستطراد الممل، والاقتصاد في اللغة، والبحث عن طرائق أخرى للشعر غير موجودة في الموروث الأميركي، ولكنْ بالإمكان إيجادها في تقاليد الشعوب الأخرى، وقد استفادت المدرسة التصويرية في الشعر من ذلك بالرجوع إلى الترجمات التي توفرت في القرن التاسع عشر، وحين أدخل الهايكو إلى الغرب اعتبر شبيهًا بالمقتطفات غير المكتملة التي لا يمكن اعتبارها شعرًا إلا بصعوبة. وهذا ما يبدو بوضوح في قصيدة باوند التصويرية الشهيرة المتأثرة بالهايكو:


مرأى هذه الوجوه في الحشد
بتلات على غصن مبلل أسود

هذا التوجه قام على الأسس التي انطلق منها باوند في كتابة الشعر: البساطة، المباشرة،

الأصالة، الموضوعية، وهي أسسٌ في صلب كتابة الهايكو. كان لها تأثير كبير في جيله والأجيال التي أعقبته من الشعراء، بالإضافة إلى تأثير شكل الأحرف الصينية التي أولاها باوند اهتمامه وعنايته.
انقطع هذا التأثير في الفترة التي يمكن تحديدها في الثلاثينيات، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ليعود مرة أخرى عبر فلسفة الزن، فبدا كما لو أنه يحدث بعد كل حرب، فهو قد حدث بعد الحربين العالميتين، وخلال الحرب على فيتنام. لعلّ مبعث ذلك إعادة النظر في مواقف الغرب، وافتراضاته إزاء ثقافات الأمم الأخرى، ووضعها موضع التساؤل. والبحث عن بديل للنزعات الاجتماعية السائدة في المجتمع الأميركي.
يورد المحاضر شخصية شعرية أخرى هي وليم كارلوس وليامز الذي بدا تصويريًا، من المتأثرين تأثرًا كبيرًا بالهايكو، في مسعى منه إلى إيجاد صيغة لغة شعرية جديدة من خلال نزوعه إلى اللغة الشيئية، البسيطة الشائعة، وهذا ما جعل شعره شعبيًا، متداولًا ومقرّرًا في المناهج الدراسية.
لم يكن تأثر الأجيال اللاحقة بالهايكو مباشرًا، وإنما عبر هذين النموذجين: باوند، ووليم كارلوس وليامز.
المقالة الثالثة بعنوان "الفلسفة الألمانية والهايكو"، بقلم تويومي إيواواكي- رييبل، المحاضرة في الجامعات الألمانية، تتحدث فيها عن السمات العامة والخاصة للهايكو من وجهة نظر الفلسفة الألمانية، فترى أنّ كل بلد له أطروحاته الفلسفية والشعرية التي يستدعيها التطور الجدلي لكي تتضمن المفهوم الأكثر نظامًا وتطورًا لخلق عالم الهايكو.
بعد حديثها عن عالم الظواهر عند الفيلسوف كانت، والعالم كما هو في ذاته، واستحالة معرفة الأخير، تنتقل إلى غوته التي ترى أنه حقق وحدة الثنائيات في شعره: 

ورقة الجنكة
الآتية من جهة الشرق
هي أنا وأنت

ولكي توضح السمات المحلية للهايكو الألماني تعود إلى تعريف الهايكو في أشهر إنسكلوبيديا ألمانية "شكل شعري ياباني ذو ثلاثة أسطر تحتوي على 17 مقطعًا هي بالتتابع 7-5-5 يبتدئ بالمرح لينكشف في ما بعد عن عمقٍ ميتافيزقيٍ متضمنٍ في وصف اللحظة. كان الهايكو جزءًا من الرينغا، ثمّ أصبح كيانًا مستقلًا في القرن السابع عشر. إنه يمثل ذروة بارزة من ذرى الشعر الياباني".
تعلق المحاضرة على هذا التعريف، فتقول إنه لأمر مثير للاهتمام أن يُكتب عن الهايكو وابتدائه بالمرح للوصول إلى عمقه الميتافيزيقي عبر وصف اللحظة المعاشة، بمعزل عن الحديث عن

عدد المقاطع، أو أيّ إشارة إلى أي قاعدة من الكيغو، أو الوصف الغنائي للطبيعة، اللذين ما نزال نلمسهما في شعر الهايكو الياباني.
يشكل المرح مفهومًا مهمًا في تاريخ الفلسفة الألمانية، فهو يعتبر أساس الثقافات والجماليات في فلسفات عديدة كفلسفة كانتْ الجمالية، والتربية الجمالية عند شيلر، والمرح الديونيزوسيّ لدى نيتشه، فالقصيدة لدى الفيلسوف كانتْ إنما هي لعبٌ حرٌ لقوة المخيلة، وهذا ما طوره شيلر، الذي رأى أنّ الإنسان لن يكتمل إلا عبر اللعب مقترنًا بالجمال الذي هو بالنسبة إليه شكل حيويّ، وبالفعل فإن شيللر كتب قصائد إبيغرام في منتصف القرن التاسع عشر، حين بدأت ألمانيا تستقبل الهايكو، وتشير إليه باعتباره نوعًا من هذه القصائد:

أوه مهد الطفل
استحال عالمًا لا نهائيًا

وهكذا هو الحال مع نيتشه، الذي مهد الطريق لحضور الهايكو في الشعر الألماني، من خلال كتابة أشعاره، وتأكيده أن القصائد القصيرة هي أكثر الأشكال الشعرية تاثيرًا في جميع الثقافات، على الرغم من أنه لم يشر إلى الهايكو في كتاباته.
هنالك من يرى أن عالم المرح يرجع في أصوله إلى ما هو أبعد من ذلك.. إلى اليونان القديمة.
تؤرخ المقالة دخول الهايكو، لأول مرة، في ألمانيا، ما بين عشرينات القرن التاسع عشر وثلاثيناته على يد الشاعر رينيه ماريا ريلكه، لذلك يمكن أن نطلق عليه رائد قصيدة الهايكو في ألمانيا، ومن قصائده هذا الهايكو:

فراشات تترنح خارج الكتاب وهي ترتجف
تموت الليلة
ولن تعرف أبدًا أن الربيع لم يحن بعد

في المقابل، هنالك شعراء يابانيون تأثروا بالأفكار الأوروبية الحديثة، كالشاعر تانيدا سانتوكا، مستخدمين كلمات أساسية تختلف تمامًا عن مفردات الهايكو التقليديّ:
 

أغني
حين أزرع وحيدًا

بعد الحرب العالمية الثانية، تعمقت الحاجة إلى التعافي من الركود الذي سببه صعود النازية، وذلك باللجوء إلى كتابة الأشكال الجديدة، كما فعل غنتر إيج، وبرتولد بريخت. ومن هذه الأشكال الهايكو.
المقالة الأخيرة هي بعنوان "لماذا أكتب الهايكو"، للشاعر رون ريديل من نيوزيلندا، وهي

خواطر حول الهايكو قدمها الشاعر بطريقة هي أقرب إلى الشعر، وليس عبر المفاهيم، أو التعريفات الجافة، مثل هذا المقطع الذي يبدو كأنه امتداد لحديث المقالة السابقة عن المرح: الهايكو هو الفرح المفاجئ، الصحوة المفاجئة، البركة الصغيرة في طريق الشاعر الذي يخطو في اتجاهها، حيث تنعكس الغيوم الحائمة في السماء مثلما تنعكس ظلال الأشجار الداكنة والنباتات والبشر. بضع كلمات وجمل تخطر في ذهن الشاعر ليبزغ فجأة عالم من اللعب وتبادل الأدوار المفضي إلى الدهشة. ثم يستمر الشاعر في كتابةٍ شبيهةٍ بالتجليات، فالهايكو صداقة العالم بطبيعته، وبشره، ومخلوقاته. كتابتُهُ تنفّس وحياة وتعرّف على اللحظة التي توقظ وتنعش. ثم يخلص إلى أن العالم في حاجة إلى الهايكو، الذي أصبح أكثر أشكال الشعر شيوعًا.
الصفحات الأخرى في عدد "هايكو العالم" الأحدث تضمنت تقارير ثقافية، وعرض كتب، امتاز بإيراد النصوص المتضمنة في اللغتين الإنكليزية والفرنسية، من دون أي تعليق، أو إبداء رأي في ما هو منشور، وقد يكون في هذه الطريقة تعريف مباشر للقارئ بالنص الذي كثيرًا ما يكون مموهًا بطريقة العرض الشائع.


عرض وترجمة: عبدالكريم كاصد
(شاعر ومترجم عراقي يقيم في إنكلترا)

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.