}
عروض

"اسم الطائر" لأحلام بشارات: الشعر يمتلئ بالمكان الأول

تأتي الشاعرة الفلسطينية، أحلام بشارات، إلى الشعر وكأنها هناك منذ مدة طويلة، تأخر فقط موعد إطلاقه في مجموعة تحمل عنوان "اسم الطائر" الصادرة عن دار الرقمية 2020 في فلسطين، فإقامتها فيه كانت بعد جولات أخرى، في القصة، وأدب اليافعين، والرواية، وقصص الأطفال. فتعود إليه كما هي العودة إلى مكانها الأول، القرية، لتكتب في بداية المجموعة، في قصيدة "قيلولة": في القرية اعتدنا أن نأخذ قيلولة طويلة/ لأننا لم نعرف ماذا نفعل بالزمن.
هنا في المجموعة، يبدو أن المكان يؤسس لزمن مختلف، حيث البحث عن الذات، ونقطة اللقاء بها، هي ما يشكل روح الشاعرة ومكانها الحقيقي. تتنوع القصائد بين الأنا والـ"نحن"، وتصل إلى منطقة اللقاء مع الذات كجزء من جغرافيا واسعة، تحضر فيها الأرض والطريق الترابي والحيوانات والنباتات التي تحضر بأسمائها أيضًا. لكن لاسم الطائر حكاية أخرى، وهو ما تتحدث به أحلام عن الشعر بطريقة محببة وعميقة جدًا، فتقول عنه أشياء وكأنها تعرف اسمه ولا تريد أن تذكره، لتقول في نهاية القصيدة: هذا الذي لا نعرف/ متى يأتي وحده؟/ ومتى يرحل وحده. فيأتي عنوان المجموعة وكأنه اقتراح لاعتبار الشعر حالة لا نسميها، ولا نعرف متى ستأتي، ولكننا نراقب كيف ينفصل عن القصة من دون أن يغير فيها شيئًا أحيانًا، فنقرأ ما "خبأته أحلام في الشعر"، كما تقول في قصيدتها "الشعر والنثر"، النثر موقف للبشر والحيوانات والأحداث/ والشعر شاحنة مسرعة.

ربما من هنا تأتي تلقائية السرد، وكأنه حالة قصوى من المشاعر التي تستلهمها لكتابة قصيدة عن وجودها، ككاتبة وشاعرة، حيث نصل إلى منطقة ما، تذكرها أحلام في قصيدة الطريق، "لكن الطريق لم ترد في هذه الحياة سوى أن تكون ذاتها"، فتتحرر من فكرة الوصول، أو البحث، فتصبح حتى طريق الشعر واضحة أمامها، وتأتي إليها من دون انشغال بمجاز، أو اعتقاد، بضرورة ذلك. فنقرأ القصيدة التي تتصاعد نحو حدث ما نختبره في النهاية، مثلما نقرأ القصة، لكن الفرق هنا هو الإيقاع المختبئ داخل الجمل الشعرية، وتكثيف الأحداث لتصل إلى نقطة ما تكون هي اللحظة الشعرية التي تختار أن تكون نهاية، لكنها بداية أيضًا. أحيانًا، نعرف ذلك، من دون أن نحدد الفارق السحري والسري بينهما، ويجعلنا الشعر ننسى فكرة المقارنة بينهما.
تولي أحلام اهتمامًا بالشأن الذاتي، في وسط حفلة يحضر فيها الآخرون، فنقرأ كيف تحتفي بالذات بطريقة ساخرة منها، أحيانًا، كقصيدة "أنا بطيخة، أنا خروف"، حيث تقول: استعملتني العائلة لشرب الماء/ كان السبب أني كورت كفي ذات يوم ودعوت/ كان السبب أني سقطت أكثر من مرة/ ولم أنكسر. هنا، أيضًا، نعثر على الذات وهي لا تحاول أن تجد نفسها، بل تحتفي بندوباتها، ومرونتها، أمام هذه الانكسارات، فتتابع في القصيدة نفسها: لقد لعبت أيضا بنفسي/ فمررتها بين الجدران، وهنا، أيضًا، تصبح الذات آخر، أيضًا. تجعلنا أحلام نتأمل عوالم ذاتية وجماعية، نكتشف داخلها نسيجًا واسعًا من العلاقات التي تربط المرأة داخل الشاعرة بكل شيء، الأم والأب والحب والطريق والخبز، ونرى هذا الوضوح في نسج هذه اللعبة الوجودية العميقة.
أما اللعبة اللغوية، فتبدو مرنة ومحببة، أيضًا، فهي القادمة من محطة النثر لا بد أن تختار مكانها الأول في لغة واضحة وشفافة نرى داخلها أشياء المكان الأول كاملة، وتبدو أنها لعبة واعية أيضًا، لا مجال لتدخل سريالي، أو خيالي، يعكر صفو المشاهد التي تريد أن تكون حاضرة في اللغة. وواضح، أيضًا، أن التكثيف هو وجهتها، حيث تصغر المقاطع في كثير من القصائد، وتنطلق من نقطة ما لتصل إلى نقطة، ولا نستطيع حذف جملة، أو مقطع، أحيانًا، كما تقول في قصيدة "في النوم": ونحن نيام يرحل الأصدقاء/ حتى أنهم لا يمهلوننا/ حتى نستيقظ/ انتهت قصة من قصص الحب وأنا نائمة/ ولم يوقظني أحد/ لأقول وداعًا/ تجنبني/ قبل أن يدوس على طرف فراشي/ خبر ما/ قال اشش/ بصوت خافت/ كأن يسرق حياته من حلمي/ فعدت إلى النوم دون أن أعرف ماذا حدث/ خطرت في بالي فكرة في النوم/ ولم تستيقظ معي عندما استيقظت/ أصعب من ذلك/ أن الحلم الذي راودني من أول نومي حتى نهايته/ قلت له تعال معي/ لكنه ركض بعيدًا واختفى.

لكن ذلك لا ينطبق على كل القصائد، حيث ينزاح السرد قليلًا عن وجهته، في تنويعات سردية مختلفة ومتناغمة، فنرى تكرار بعض الكلمات لتعطي إيقاعًا ما، مثلما تفعل الشاعرة في قصيدة رسن: رسن في عنق كل امرأة/ رسن يصدر صوتًا/ كلما أصابها الحنين/ رسن يدق كلما دق قلبها/ رسن يزقزق/ كلما زقزقت عصافير بطنها.
ورغم تلك التنويعات، إلا أن أحلام تحدد وجهتها في الشعر والحياة، من محطة شعرية سردية واضحة ومكثفة، تقول أحلام إنها ستواصل تقدمها في إشارة إلى حياتها. وفي قصيدة بعنوان "الإقلاع من تحت أمي"، تنهي فيها المجموعة: ستثقل حياتي/ فتترنح سكرانة/ وستصل ولا أدري/ كيف سأعرف ذلك/ أم أن أحدًا سيخبرني؟
ربما ستخبرنا هذه المجموعة أن الشعر يمر "كشاحنة مسرعة"، كما تقول أحلام عنه، من المكان الأول الذي شكل معجمها ولغتها ووجودها، امرأة وشاعرة تغادر الأشياء بعد أن تقيم معها فترة طويلة، فيبدو الشعر وكأنه اقتراح لإعادة تأمل الوجود وهو يتحرك وينطلق من مكان صغير.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.