}
عروض

مجلة "النهضة".. عن محنة بيروت وتجربة اليسار الجديد بالمغرب

تواصل مجلة "النهضة"، الدورية الفكرية المغربية، أداء دورها، ويسهر على إصدارها بصلابة واستماتة فريق صغير من المناضلين والباحثين منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، وقد تجاوزت اليوم عشرين عددًا، رَكَّبَت في مجموعها جملة من المحاور والملفات المنفتحة على أسئلة الراهن المغربي والعربي في كثير من تجلياته. وهي تقترب من الموضوعات التي تخصص لها ملفات خاصة بدوافع وأهداف وإيحاءات المشروع الذي يحمله اسمها. إنها تفكر في الأحوال العربية، وتقارب أسئلة النهضة والتقدم. وتملأ العاملين فيها حرارة استئناف التفكير في مشروع النهضة العربية المأمول، حيث تعمل ملفاتها على بناء الأسئلة وتنويع المقاربات وتشخيص الظواهر، بهدف المساهمة في إضاءة جوانب من الحاضر العربي ومعضلاته السياسية والفكرية.
وصدر مؤخرًا العدد الجديد من مجلة "النهضة" (رقم 21-22 خريف 2020 وشتاء 2021)، وخُصِّص لمحورين اثنين كاشفين لبعض أوجُه المشروع النهضوي العربي، الذي يتطلع إليه المشرفون عليها، محور في باب هلال القول وعنوانه بيروتنا، وقد استوعب عشر أوراق مكتوبة على هامش ما ألَمَّ ببيروت، عروس العروبة والنهضة والتقدم، وموطن أجيال من طلائع الثقافة والنهضة العربية بالأمس واليوم وغدًا، بيروت الدهشة والفن والأمل.
نُسجت نصوص شهادات هلال القول بأصابع وقلوب وأعين وأحلام ومفردات وأشعار، نصوص اقتربت من حريق الميناء وحرقته ودخانه، حيث تحولت بيروت إلى مطر من زجاج، ثم تحولت إلى ركام.. ودمرها فائض الفوضى الذي تحوَّل مع الزمن إلى لباس لها.. وتنتظر اليوم تجاوُز مِحَنِها المتكررة والمتشابهة، تواصل بكثير من الصبر والمرارة، انتظار الفعل الطفرة الذي يكون في إمكانه أن يمنحها ويمنحنا الثقة في أن تواصل أدوارها في طليعة التنوير العربي.

نقرأ في هذا المحور شهادات بول شاوول، ونجيب العوفي، والطاهر لبيب، ونقرأ كلمة محمد بنيس، ومرسيل خليفة، وعبدالغني أبو العزم. كما نقرأ شهادة مالكة العاصمي، وأنطوان سيف، ونور الدين العوفي، وعبد الإله بلقزيز.. تقربنا كلماتهم من الحرائق والآلام.. وتحول جحيم الحدث إلى أفقٍ مُشْرَعٍ على إمكانية عودة الوعي والروح والعقل.
يمهد باب هلال القول الذي خصصته المجلة لانفجار ميناء بيروت لولوج باب مدار النظر، المخصص لمحور تجربة اليسار الجديد في المغرب في نصف قرن. وهو يستوعب في دوره مجموعة من الشهادات والقراءات، كما يتضمن مقاربات متنوعة في مسار سياسي معقد، مقاربات جاءت في أغلبها من داخل التجربة، وعكست جوانب من تطورها وتحولها في تاريخ المغرب المعاصر. ونتصوَّر أن الشهادات والقراءات المنجزة من طرف بعض من ساهموا في التأسيس، أو التحقوا بمراكبه، أو تعرضوا للمحاكمة والعقاب، تكون قويةً ومفيدةً رغم أنها تحمل بصماتِ أزمنةٍ ولغةٍ وشعاراتٍ وأفقٍ في الفكر وفي الحركة والتجربة، أفقٍ لم يعد يملك اليوم داخل متغيرات الزمن وموازين القِوَى الحالية، داخل المجتمع، وفي دائرة المشهد السياسي نفس الدلالات والمعاني، الأمر الذي يملأ بعض القراءات بمعطيات يختلط فيها التاريخ بالحلم، وتختلط فيها المتمنيات بالوقائع.. ويملأ بعضها الآخر بياضات تتجاوز مساحتها أحيانًا مساحة المكتوب.
يقف المتأمل في المادة التي يضمها هذا الملف (14 ورقة وأزيد من 350 صفحة)، وهي جميعها تفكر في اليسار الماركسي اللينيني المغربي خلال نصف قرن كامل، أي منذ إرهاصاته الأولى في نهاية ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، يقف أمام محاولات تروم وضع اليد على صورة من صور تطور الحركة اليسارية المغربية الجديد، سليلة الحركة الوطنية التقدمية والحاملة لشروط ومُقوِّمات أفق سياسي وفكري، مرتبط بسياقات وأسئلة مغرب ما بعد الاستقلال، وانتفاضات بداية ومنتصف الستينيات في المغرب، ومرتبط كذلك بحركات التحرير والتحرر العربية والعالمية، وإشكالات هزيمة 1967، ومختلف التحولات الناشئة في قلب تحولات المشروع الوطني الفلسطيني.. وكذا جوانب من شعارات انتفاضة 1968 في فرنسا، وتحولات العالم الثالث في كل من أفريقيا وأميركا الجنوبية، وهي تجربة ترتبط اليوم بجوانب من أوجُه مآزق اليسار في المغرب والمشرق العربيين.
ساهم تنوُّع مقالات الملف، وتنوُّع زوايا مقاربته، لميلاد وتطور اليسار المغربي الجديد، في الإحاطة بكثير من أبعاد التجربة ومآلاتها، وقد لا نتردد في القول بأن مواد الملف، أسئلته ومفاهيمه والخلاصات التي نقف عليها في بعض الأوراق والشهادات داخله، تضعنا في قلب تجربة سياسية، ساهمت رغم كل الصعوبات التي اعترضت طريق تطورها، في إضاءة وتشخيص كثير من عِلَل النظام السياسي المغربي، سواء منها عِلَل الدولة السائدة، أو عِلَل النخب التقدمية واليسارية، في مغرب ما بعد الاستقلال.

أتصوَّر أن أحد أوجُه قوة هذا الملف تتمثل في كون مجموعة من الأسماء المساهمة في تحريره، تُعَدُّ جزءًا من الطليعة التي ساهمت بأدوار هامة في عمليات التأسيس، وتعرضت للمحاكمة والسجن، وأن بعضها الآخر، انخرط في تنظيماتها متحمسًا وبانيًا، وهو لا يتردد اليوم في مراجعة أدواره ومرجعياته ومواقفه، ويفكر في المسارات والدروب التي أدت إليها التجربة في الحاضر السياسي المغربي والعربي. ولأن الأوراق جمعت، كما أشرنا بين لغة ومنطق الشهادة، أي الاستنطاق الذاتي لهويتها وأسئلتها ومصيرها، وأن بعضها الآخر حاول تجريب منطق النظر فيها، وإعادة بنائها بآليات البحث التاريخي والسياسي، إلا أن قرب المسافة، وتحولات العمر الزمني للفاعلين، والعمر السياسي لمجتمع ما يزال يغالب تأخره وتناقضاته، تشرذم قواه الحية من الأجيال الجديدة، التي تنخرط اليوم في صراعات مشهده السياسي، تركت ظلالها العديدة في الشهادات، وفي المقاربات التأريخية، التي حاول أصحابها بناء محاولات جمعت بين العرض والنقد الذاتي لبعض جوانب وأخطاء التجربة، إلا أنها في نظرنا لم تذهب بعيدًا في هذا الباب، ولعل الزمن يتكفل استقبالًا ببناء أسئلة وملاحظات أخرى، تمكِّن من إضاءات أكثرَ جرأة وأكثر قربًا من معضلات تاريخها السياسي.
نقرأ في باب الشهادات سردية ذاتية لمحمد حبيب طالب، وعنوانها "تاريخ اليسار، تاريخ خلافاته"، ونقرأ في مقاطع من السيرة الذاتية للعربي مفضال عن المشهد الأخير من أزمة المنظمة. كما نقرأ شهادة عبدالله الحريف، وقد انصبت على حزب النهج الديمقراطي، استمرار وتطوير الحركة الماركسية اللينينية المغربية، ونقرأ في النهاية شهادتي سعيد يقطين، وعبد الجليل طليمات. وبجانب هذه الشهادات، نتوقف أمام محاولات جمعت بين أفق البحث، ولم يغب عن بعض مقاطعها ما يجعلها قريبة في دورها من بعض سمات الشهادة. وأتصوَّر أن التداخل الحاصل في بعضها يعود، كما أسلفت، إلى صعوبات الاقتراب الموضوعي البارد، من حركة وتجربة وسياق وخيارات وأسئلة، ما تزال تحمل في ذهن وجسد أصحابها ما يعبر عن جوانب من راهنية أسئلتها، وجوانب من الاندفاعات والتطلعات التي كانوا يعبرون عنها في بدايات سبعينيات القرن الماضي.

نشير هنا إلى مقالة حسن بنعدي، وعنوانها "أسئلة على ضوء المسار، من العفوية إلى الوعي المسؤول"، ومقالة أحمد حرزني "مقترح شبكة لقراءة مسارات اليسار المغربي الجديد". كما نقرأ ورقة علال الأزهر "اليسار الماركسي المغربي، التجربة والمآل"، وورقة عبد الإله بلقزيز "مقدمات القراءة، خطاب اليسار الجديد في المغرب"، إضافة إلى ورقة نور الدين العوفي "اليسار الجديد من حيث تجربته الذهنية"، ومقال محمد الوافي عن "اليسار المغربي أمام أسئلة الوحدة وضرورة إعادة التأسيس"، ومقال حسن السوسي عن "اليسار الجديد في الجامعة المغربية"، ومقالة محمد المعزوز، وعنوانها "خلفيات أفول اليسار في المغرب".
يتضمن العدد، إضافة إلى كل ما سبق، شهادة بعنوان "في رحيل محسن إبراهيم"، بتوقيع عبد الإله بلقزيز. ويتضمن في باب الوثائق البيان السياسي للمؤتمر الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.