}
عروض

"الأنثى المقدسة: أساطير المرأة في الصحراء".. انتصار للثقافة البدوية

إيهاب محمود

17 مايو 2021


في كتابها "الأنثى المقدسة: أساطير المرأة في الصحراء"، الصادر حديثًا عن دار بتانة للنشر، تحاول الكاتبة والروائية المصرية، ميرال الطحّاوي، تتبع رواية الصحراء، أو "الرواية التي اتخذت من القبيلة وأعرافها وأنساقها الاجتماعية، سواء في المشرق، أو في المغرب العربي عالمًا"، بحسب كلامها في مفتتح الكتاب.
تنطلق الطحّاوي في كتابها محملة بقدر كبير من الرغبة في استنطاق عالم الصحراء، وإعادة اكتشافه، وهو العالم الأثير لديها الذي دارت فيه أحداث أكثر من رواية لها منها: "الخباء"، و"الباذنجانة الزرقاء"، و"نقرات الظباء"، في محاولة منها للإجابة على عدة تساؤلات: "لم أعرف لماذا كانت القبيلة التي انحدرتُ منها تحتفي بكل هذه التقاليد؟ لماذا كان العرف يقهر الشرع، والعيب يفرض وصايته على الحرام؟ ولماذا كان الخوف بابًا مغلقًا على ضحاياه؟".
لم تكن الصحراء فقط هي ما استهدفته الطحاوي للحديث وإعادة الاكتشاف، بل كانت محكومة هنا في الجانب الآخر للصحراء، وهو قوانينها، أعرافها، وتابوهاتها، لإجراء حوار مع هذه المقدسات التي تحكم عالم الصحراء، مثل معنى الشرف، ونقاء النسب، وتقديس كبار السن والأولياء الصالحين والقوى الروحية.



تحاول الطحّاوي في كتابها أن تنتصر للصحراء كفضاء روائي، وبيئة ثقافية لها دلالاتها وقيمها الفنية والجمالية التي يمكن الاتكاء عليها لإنتاج نص أدبي مميز، في مقابل سطوة مفهوم أن الرواية ابنة المدينة، وأن هذه المدينة بما تحمله من تنوع واتساع وعلاقات تستطيع أن تفرض نفسها على غيرها من البيئات. هنا تؤكد صاحبة "ريم البراري المستحيلة" أن الصحراء كفضاء روائي تعكس واقعًا ثقافيًا أكثر منه جغرافيًا.



تستشهد الطحّاوي بالروائي السعودي، عبدالرحمن منيف، في روايته الأشهر "مدن الملح"، وكذلك رواية "النهايات"، التي اتخذ فيها من قرية الطيبة مكانًا لأحداث روايته، غير أن هذه القرية لا يمكن غض النظر عن أنها في باطنها تعد نتاجًا أصيلًا للحياة البدوية، ثم تسوق مثالًا آخر عبر أحداث رواية أحمد أبو دهمان "الحزام" في قرية من قرى الجزيرة العربية يحكمها العُرف القبلي، هنا يتجلى جوهر صراع الصحراء في التغيير الذي يطرأ عليها ويحولها روائيًا إلى الجنة المفقودة.
ربما كانت نظرة تسويقية وراء أن يحمل الكتاب هذا الاسم: "الأنثى المقدسة: أساطير المرأة في الصحراء"، حيث أن القارئ للكتاب لن يجد فيه حديثًا بإسهاب عن قدسية الأنثى وأساطيرها الخاصة والملهمة في الصحراء، بل سيجد نفسه أمام بحث دؤوب حول الصحراء والروايات التي دارت أحداثها في بيئة بدوية، واتكأت على هذا النوع من الثقافة، وبالتالي لا يمكن التعامل مع الموضوعين الواردين في العنوان، سواء كان الأنثى المقدسة، أو أساطير المرأة في الصحراء، إلا من باب اعتبارهما جزءًا من الكتاب، وليس المحور الأساسي له، بمعنى أن العنوان هنا مجرد عامل جذب للقارئ ليس أكثر.
في الكتاب، تذهب الروائية الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للرواية عام 2010 عن روايتها "بروكلين هايتس"، للتأكيد على أن الصحراء ليست بيئة ثابتة، أو جامدة، على الدوام، بل لكل بيئة صحراوية محدداتها وأطرها وقيمها الثقافية والاجتماعية، بمعنى أن لكل صحراء عالمها ومقدساتها: "الصحراوات العربية أيضًا متنوعة عرقيًا، ومن ثم فإن لها تشكيلاتها الثقافية وبطونها وأصولها متعددة، فهي تنقسم من حيث الجغرافيا، على أقل تقدير، إلى منطقتين متمايزتين: الصحراء الكبرى الأفريقية، وهي تشغل منطقة شديدة الجفاف تضم أجزاء من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، وتسكنها العديد من القبائل ذات الأصول العربية، لكنها، عرقيًا، أرض أهل اللثام، كما سماها الرحالة، وموطن قبائل الطوارق والأمازيغ".



تبدو الطحّاوي على مدار كتابها محملة بقدر كبير من الأسئلة، التي لا تكاد تجيب على أحدها حتى تجد السؤال التالي يظهر أمامها، في تعبير أكيد وواضح عن تخمة من الأفكار والتساؤلات تجول في رأسها حول هذا الفضاء الروائي الغني فنيًا وأدبيًا وجماليًا، من دون أن ينضب: "هل كانت الصحراء هي التي تخلق مدنها السرابية وجناتها المختبئة وتفرض أضحياتها البشرية؟ أم كان التيه الذي يتهدد القبيلة هو الذي أفرخ كل هذه المخاوف؟ أم كان مناخ الندرة هو الذي لوى الأعناق في اتجاه سحابة طائرة قد لا تحط على الوديان العطشى، وهو الذي دفع لكل هذا الهلع من عقاب سماوي يحل على الذين يجرؤون على مساءلة القدر؟ إن تكوين العقل الرعوي يرتكن اجتماعيًا وروحيا وسلطويًا وأسطوريًا إلى تصوره للمقدس وعلاقته به".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.