}
عروض

مارس التصوير منذ 1918.. فضيل سابا بين فلسطين والمهجر

هاني حوراني

5 أغسطس 2021

 

"بين فلسطين والمهجر... المصور فضيل ناصر سابا" كتاب فريد صدر مؤخرًا عن مؤسسة التراث العربي لهزاع محمد أبو ربيع. وقصد منه تسليط الضوء على واحد من المصورين الفوتوغرافيين الفلسطينيين الذين باشروا هذه المهنة مبكرًا، منذ عام 1918 وليواصلها لنحو أربعين عامًا، في فلسطين ودول الإقليم، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة ويختفي ذكره، كما اختفى معظم إرثه الفوتوغرافي.

وتتجلى فرادة الكتاب في عدة أوجه، منها قطعه الكبير الذي يتجاوز حجم معظم الكتب المعروفة باسم "Coffee Table Book" إذ يصل إلى 24.5×35سم، وبعدد صفحات يصل إلى 184 صفحة. وقد أعدت مادة الكتاب باللغتين العربية والإنكليزية. ولعل رواية هزاع أبو ربيع عن طريقة إعداد كتابه هذا عن فضيل سابا وأسرته، هي أيضًا أحد جوانب فرادة الكتاب، فهي أقرب ما تكون إلى شريط سينمائي وثائقي. ولا بد من الإشارة سريعًا إلى إلسي، ابنة المصور فضيل، التي تعاونت مع مؤلف الكتاب وأمدته بالمعلومات عن والدها، المصور والإنسان، فضيل سابا، الذي توزعت حياته ما بين فلسطين ودول الجوار (لا سيما مصر وسورية)، ثم بعيدًا عن وطنه، في الولايات المتحدة التي هاجر اليها في عام 1956 واستقر فيها حتى وفاته في أيلول/ سبتمبر 1988، عن عمر ناهز السابعة والثمانين عامًا.

مؤلف الكتاب مع إلسي بلانش، ابنة فضيل سابا


وبخلاف ما يوحي عنوان الكتاب، فإن مؤلفه د. هزاع محمد أبو ربيع، اختار أن يروي سيرة عائلة فضيل سابا وليس فقط سيرة حياة المصور الفوتوغرافي. فقد قسم سردية هذه العائلة إلى ثلاثة أجيال حيث ابتدأ بوالده ناصر سابا، الذي كان من رواد التصوير الفوتوغرافي الفلسطيني، ومارس هذه المهنة في الناصرة، في تسعينيات القرن التاسع عشر، ثم توقف المؤلف عند فضيل سابا، حيث عرف بإرثه الفوتوغرافي وحياته ما بين فلسطين والمهجر. وانتهى برواية سيرة الجيل الثالث، ولا سيما ابنة فضيل، إلسي بلانش، التي حظيت بقدر وافر من التوصيف لسيرتها، وابنه أنيس، الذي كان رسامًا موهوبًا، لكنه معتل الصحة من الناحية النفسية في معظم سنوات حياته، واختفى في ألاسكا، عام 1971، ولم يعثر له على أثر.

ولعل مصدر إغراء المؤلف للمرور على الأجيال الثلاثة من عائلة المصور هو شعوره كما لو أنه يروي معاناة شعب بأسره. يقول أبو ربيع: "هذا الكتاب لا يروي قصة عائلة المصور الفوتوغرافي الفلسطيني فضيل سابا فقط، إنما يروي قصة كل فلسطيني، وكيف اشتركت الأحوال السياسية المحلية والعالمية في خلق نكبتنا وتشريدنا من بيوتنا. إنها قصة عائلة فلسطينية من الطبقة الوسطى، انتهى بها المقام في بلاد العام سام، وهناك عانت من غربة قاسية. ما يزال في هؤلاء المهاجرين حنين جارف إلى أرضهم التي أخرجوا منها، وإلى وطنهم الذي فقدوه".

وأكرر هنا بأن رواية هزاع أبو ربيع لسيرة عائلة المصور فضيل سابا، بأجيالها الثلاثة، تصلح لبناء عمل درامي، سينمائي خاصة، ينطوي على كل العناصر التي تكثف معاناة الفلسطيني بعد النكبة.

على أن مقالتي هذه سوف تكتفي بإلقاء الضوء على المقاطع الخاصة بالمصور فضيل سابا، حياته وإرثه الفوتوغرافي، كما عرضها المؤلف، خاصة وأنه لم يسبق أن ألقيت عليه الأضواء الكافية، واقتصر ذكره على إشارات عابرة في بعض المؤلفات التي وثقت لتاريخ التصوير الفوتوغرافي الفلسطيني.

 

مجموعة من العمال يمسكون بمطارق ثقيلة- من صور فضيل سابا في عشرينيات القرن الماضي



فضيل سابا: سيرة مختصرة

ولد فضيل سابا عام 1901 في الناصرة لأسرة مسيحية بروتستانتية. والده هو ناصر منصور إلياس سابا المولود عام 1861، وأمه سليمة سابيلا. تعود جذور عائلته لأبيه إلى اللد، حيث هاجر جده إلياس وشقيقه إبراهيم إلى الناصرة، حيث عرفا "باللداويين". وحسب رواية أبو ربيع لسيرة الوالد ناصر سابا فقد تعلم الأخير التصوير الفوتوغرافي على يد أحد المبشرين البروتستانت العاملين في واحدة من المؤسسات البروتستانتية العديدة في الناصرة. وهو "من أوائل المصورين الفلسطينيين، وأول مصور نصراوي معروف"، و"عمل مصورًا محترفًا في الفترة الممتدة من تسعينيات القرن التاسع عشر وحتى وفاته في عام 1906".

تلقى ناصر سابا تعليمه الابتدائي في المدرسة البروتستانتية الابتدائية للذكور في الناصرة، ليلتحق بعدها بمدرسة الجرينة للشبان، التي تخصصت بإعداد المعلمين، وبعد تخرجه من هذه المدرسة عمل مدرسًا فيها. ويبدو أنه مارس حرفة التصوير في سن متأخرة من حياته، كما يؤكد مؤلف "بين فلسطين والمهجر". وقد تمثل عمله في مجال "التصوير الفوتوغرافي في إنتاج الصور بقياس البطاقات البريدية وشكلها، حيث كان يبيعها للحجاج المسيحيين الغربيين القادمين لزيارة الأماكن المقدسة"، ويقول أبو ربيع إن ناصر سابا أنتج نحو 24 بطاقة بريدية تمثل مناطق متعددة في فلسطين من بينها الناصرة وطبريا، وجبل طابور وكفر كنا، وكان يختم صوره باسمه باللغة الإنكليزية واسم مدينته N. Saba. Nazareth.

وقد توفي ناصر سابا في مطلع أيلول/ سبتمبر 1906، وهو في مقتبل العمر، إذ كان قد بلغ الخامسة والأربعين من العمر، مخلفًا وراءه ثلاثة أولاد ذكور وابنة واحدة، كان أصغرهم فضيل الذي سيخطو وراء أبيه المصور.

كان فضيل سابا في الخامسة من عمره عندما توفى والده. وقد أرسله شقيقاه إلى مدرسة الأيتام السورية (شنلر) في مدينة القدس، حيث تعلم هناك تقنيات التصوير الفوتوغرافي وطباعة الصور، وفي المدرسة ذاتها تعلم اللغتين الإنكليزية والألمانية. وكان قد سبق فضيل في تعلم التصوير الفوتوغرافي في هذه المدرسة مصور آخر هو يوسف (جريس) ضاهر البوارشي.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، 1914، غادر شقيقاه حبيب ورفيق فلسطين هربًا من التجنيد العسكري الذي فرضته السلطات العثمانية على البالغين ما بين سن 15 و45 سنة، وهكذا اضطر فضيل إلى العودة إلى الناصرة، وبدا يعمل في مهنة التصوير مبكرًا، وهو في سن الخامسة عشرة من عمره، بعد أن كان قد تلقى تدريبًا إضافيًا على تقنيات التصوير على يد أخيه حبيب، الذي كان قد تعلم، بدوره، أصول المهنة على يد والده.

يقول أبو ربيع إن فضيل افتتح أستوديو خاصًا به للتصوير في عام 1919، وكان لا يزال في سن الثامنة عشرة. ولم يلبث أن تتبع خطى والده، حيث "كرس جل وقته في تصوير الأماكن المقدسة لشمال فلسطين وبيع الصور للحجاج الأجانب، الذين كانوا يزورون الناصرة".

تزوج فضيل من نجلاء نقولا رمضان، وهو في الثامنة والعشرين، في أواسط تموز/ يوليو 1929. وقد أنجبت له ابنًا وحيدًا هو أنيس، وهو البكر، وأربع بنات، أكبرهن إلسي بلانش، التي خصت الباحث برواية سيرة والدها والعائلة، عبر عدة رحلات له إلى الولايات المتحدة.

 

مشهد لفندق كازانوفا، بطاقة بريدية، من أربعينيات القرن العشرين- ف. سابا 



احتراف التصوير الإيكولوجي

كانت أولى أعماله كمصور مع بعثات التنقيب الأثرية في الأعوام 1925/1928، حين كلف من قبل متحف جامعة بنسلفانيا ليكون مصور حفريات بعثت بها في مدينة بيسان. وكان يعمل مع بعثة الجامعة المذكورة ما بين نهاية آب/ أغسطس وحتى شهر كانون الثاني/ يناير، ثم يعود فضيل إلى متابعة أمور الأستوديو الخاص به في الناصرة بقية السنة.

وعادت جامعة بنسلفانيا لتتعاقد مع المصور سابا عام 1929، للعمل مع بعثة كوكس التابعة لمتحف الجامعة المذكورة إلى مصر، فباع الأستوديو، أو الدكان الذي كان يديره في الناصرة، وتفرغ للعمل مصورًا لحفريات البعثة في مصر. ولم تلبث أن التحقت به في القاهرة عائلته الصغيرة عام 1930، ومع اكتسابه خبرة واسعة في توثيق الحفريات بالتصوير الفوتوغرافي، تعاقدت مع فضيل جامعة أميركية أخرى هي جامعة برنستون وذلك لتصوير حفرياتها الأثرية في أنطاكية، في الشمال الغربي لسورية، كان ذلك عام 1932. وهكذا غادر مصر ليستقر في أنطاكية مع عائلته، حتى عام 1939، حيث ظل يعمل مصورًا لصالح جامعة برنستون.

وفي ذلك العام، الذي صادف نشوب الحرب العالمية الثانية، تخلت سلطات الانتداب الفرنسية عن إقليم أنطاكية لصالح تركيا، وحينها قررت جامعة برنستون وقف حفرياتها في أنطاكية حفاظًا على سلامة أفراد بعثتها، ولم تلبث مع اشتداد الحرب واحتلال الألمان لليونان أن سرحت فريق بعثتها الأثرية نهائيًا، ومن ضمنهم المصور فضيل سابا، الذي عاد إلى فلسطين واستقر في حيفا، بمنطقة الكرمل، في نهاية عام 1939.

لم يستقر فضيل في حيفا طويلًا، فبعد أن افتتح أستوديو تصوير خاصًا به في المدينة، عاد ليغلقه بعد أقل من سنة ويعود بأسرته إلى الناصرة، هربًا من الهجمات الجوية التي أخذت الطائرات الإيطالية بشنها على مصفاة البترول في حيفا، عام 1940.

في الناصرة، التي عاد إليها بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات، ابتنى لعائلته بيتًا حجريًا في منطقة الخانوق، يطل منه على مدينة الناصرة، وافتتح من جديد أستوديو تصوير في شارع كازانوفا، حيث بدأ بإنتاج صور وبطاقات بريدية للأماكن المقدسة في شمال فلسطين. كما مارس تصوير حفلات الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى.

مع الاحتلال عام 1948 ودخول الجيش الإسرائيلي إلى الناصرة، تمَّ نهب أستوديو فضيل سابا على يد جنود الاحتلال، وشمل ذلك كاميرات التصوير وأرشيف الصور التي كان التقطها خلال أكثر من ربع قرن، باستثناء الصور التي كان يحتفظ بها في بيته. وحسب رواية ابنته، فإن والدها كان يعتقد، ويردد، بأن نهب الجيش الإسرائيلي للأستوديو الخاص به كان عملًا مخططًا وعن سابق قصد، لأنه كان يحتفظ بصور ومسودات حفلات للزفاف والمناسبات الاجتماعية الأخرى، وإن سرقة الصور قصد به طمس اسم فلسطين وأهلها من الذاكرة وإلى الأبد.

مدخنة النرجيلة وفلاحة تحمل جرة ماء فارغة على رأسها

وفي ظل الأوضاع الصعبة المحيطة بفضيل سابا وغيره من الفلسطينيين، تحت الحكم العسكري، وكذلك لتردي الحالة الصحية لزوجته نجلاء، لم يتردد فضيل في الاستجابة لدعوات أنيس وإلسي للالتحاق بهما في الولايات المتحدة. وهكذا قام ببيع الأستوديو الخاص به وسافر في عام 1956 إلى مدينة كالامازو الواقعة في ولاية ميتشغان، ولم تلبث أن لحقت به زوجته وبناته في مغتربه الأميركي.

هنا بدأت مرحلة جديدة وأخيرة في مسيرة فضيل سابا كمصور فوتوغرافي. فقد بدأت بعمله مصورًا لصالح الغير قبل أن يعيد افتتاح أستوديو خاص به في مدينة فلنت، على مسافة ساعتين من مكان سكن بناته. لكن "دكان التصوير كان يغطي مصاريفه بالكاد"، ولذلك فقد استجاب، مرة أخرى، لطلب بناته للحاق بهن في سان دييغو.. وهكذا شحن مستلزمات دكانه وأرشيفه الخاص من الصور، وانتقل إلى سان دييغو. وفي الطريق فقد فضيل صندوقين من الصور ما بين فلنت وسان دييجو.

استقر فضيل في سان دييجو عام 1962، وافتتح لنفسه محلًا في الشارع السادس في وسط المدينة، لكنه لم يلبث أن أغلقه عام 1965. بعد أن أصيب قلبه وتدهورت صحة زوجته، حيث لازمها واعتنى بها حتى وفاتها في أيلول / سبتمبر 1987. 



إرثه الفوتوغرافي

مثل العديد من المصورين الفوتوغرافيين الفلسطينيين تعرّض إرث فضيل سابا للنهب إبان احتلال الجيش الإسرائيلي للناصرة. ولم يعرف مصير أرشيفه الخاص من الأفلام السالبة والصور المطبوعة، وكذلك كاميراته ومعداته الأخرى. ومثلما هو حال بقية المصورين الفلسطينيين الذين نهبت أستوديوهاتهم، فإن مهمة البحث عن إرث فضيل سابا ستبقى من مسؤولية المؤرخين والباحثين، خاصة أولئك الذين يملكون الحق في الوصول إلى الأرشيف الحربي الإسرائيلي والبحث فيه.

ولذلك فإنه ليس من السهل تكوين صورة متكاملة عن أعمال فضيل سابا ومكانتها في الإرث البصري – الفوتوغرافي الفلسطيني لمرحلة ما قبل النكبة. لكن الأمر المؤكد هو أن فضيل كان مصور حفريات أثرية محترف، بشهادة الخبراء الأركيولوجيين الذين عمل معهم لسنوات طويلة.

يقول د. أبو ربيع في هذا الصدد: "يعتبر فضيل سابا من المصورين الفلسطينيين القلائل، الذين صوروا حفريات أثرية لحساب جامعات غربية مختلفة منها جامعة بنسلفانيا وجامعة برنستون التي تشاركت في حفرية أنطاكية مع متحف اللوفر في باريس وجامعة شيكاغو. وقد عمل مع الجامعات المذكورة آنفًا لمدة زادت على العشر سنوات، حيث لم يعمل أي مصور فلسطيني آخر مثله كل هذه المدة بتصوير الحفريات الأثرية، ووصفته جامعة برنستون بأنه أفضل مصور حفريات أثرية على الإطلاق".

ناس ومراكب في بحيرة طبريا، بطاقة بريدية- تصوير فضيل سابا، الأربعينيات 


يوجد في رصيد فضيل سابا المهني العمل مرتين مع جامعة بنسلفانيا على موقع حفريات أثرية في بيسان، الأولى ما بين عامي 1925 و1928، والثانية في موسم حفريات عام 1928. كما عمل مع الجامعة ذاتها، عام 1929، ضمن بعثة كوكس في مصر، وتحديدًا على حفريات هرم ميلدوم، ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر 1929 وحتى 30 نيسان/ إبريل 1930. وعاد فضيل سابا للعمل مع جامعة برنستون ضمن فريق التنقيب والحفر في مدينة أنطاكية القديمة الواقعة في شمال سورية غير بعيد عن الحدود التركية. وقد منحت دائرة الآثار السورية جامعة برنستون حق التنقيب في أنطاكية لمدة ست سنوات، وتشاركت مع متاحف فرنسية وأميركية في أعمال التنقيب الاستكشافية. وفي نهاية 1931 كلفت جامعة برنستون سابا ليقوم بمهمة تصوير الحفريات والقطع الأثرية التي تم العثور عليها وتوثيقها. وقد انتقل مع عائلته إلى أنطاكية، وظل يعمل مع البعثة المذكورة حتى انتهت من أعمال التنقيب في تشرين الثاني/ نوفمبر 1939. ومن حسن حظ فضيل سابا أن إرثه في التصوير الآثاري لم يفقد، إذ هو محفوظ وموثق لدى متاحف الجامعات التي تعاون معها.

أما الجانب الآخر من إرث فضيل سابا المصور، وهو المتعلق بتصوير مشاهد المدن والطبيعة والمواقع الدينية في فلسطين، فإنه يعد إرثًا مفقودًا الى حد كبير، إذ يصعب حصره أو تقييمه، اللهم إلا القليل الذي بقي محفوظًا لدى ابنته إلسي، وقام هزاع أبو ربيع بنشر 25 صورة منه حصل عليها من ابنته، وتضم مشاهد من الناصرة وطبريا.

بالعودة إلى تصنيف أبو ربيع لأعمال فضيل سابا التصويرية، فقد التقط خلال فترة شبابه وعمله المبكر كمصور (1919/ 1922) صورًا للقدس والناصرة ومدن شمال فلسطين وقراها التاريخية والدينية، ولا نعرف عن هذه الصور الكثير، ومنها أن القس أسعد منصور استخدم عشر صور من صور الناصرة تعود لفضيل سابا في كتابه "تاريخ الناصرة"، والمنشور عام 1923.

أما المرحلة الثانية التي أنتج فيها مشاهد مصورة من فلسطين، وتحديدًا للناصرة ومنطقة الجليل، فتعود للسنوات 1941/ 1956. وكان حينها متفرغًا لعمله في الأستوديو الخاص به في مدينة الناصرة. يقول أبو ربيع إن فضيل أنتج حتى نهاية الأربعينيات ما يقارب الـ130 صورة سياحية للأماكن المقدسة في شمال فلسطين. وقد طبعت هذه الصور بالمقاسات التالية 18×13سم، وقياسات البطاقات البريدية 9.5×14سم، ثم بقياس أصغر، وهو 6.5 × 9سم.

وهناك مرحلة ثالثة من حياته كمصور محترف، هي مرحلة اغترابه في الولايات المتحدة، وتمتد من عام 1957 وحتى تقاعده عام 1965. لكن لا توجد أية معلومات هامة عن عمله المهني. وإرثه المصور في هذه المرحلة.

تنقسم مجموعة صور فضيل سابا الفوتوغرافية، المتضمنة في كتاب هزاع أبو ربيع، إلى قسمين، أولهما ذلك الذي يعود إلى الأعوام المبكرة لاشتغاله بالتصوير الفوتوغرافي، أي الأعوام 1919/ 1922. فيما يعود القسم الثاني من الصور إلى فترة أربعينيات القرن الماضي.

 

الحمامات الساخنة في بحيرة طبريا- تصوير فضيل سابا، الأربعينيات 



صور فضيل المبكرة

يضم معظم القسم الأول من صور مرحلة 1919/ 1922 صورًا للقدس ومحيطها وقراها. فهو يحتوي على مشاهد عدة للصخرة المشرفة ملتقطة من زوايا مختلفة. كما يحتوي على صور للمسجد الأقصى، المدرسة الحاوية، أسوار المدينة القديمة، أحياء القدس الغربية ومنازلها الحديثة، والتي بدأوا ببنائها خارج أسوار البلدة القديمة منذ العقدين الأول والثاني من القرن العشرين.

كما تضم هذه المجموعة المبكرة من صور القدس واجهة كنيسة القيامة وبواباتها وقباب وواجهات كنائس أخرى في سفح جبل الزيتون. ويوثق فضيل سابا درب الآلام في العديد من الصور، وكذلك أقواس البلدة القديمة وأحياءها وطرقها ومقاماتها وأبنيتها وبواباتها التاريخية.

وخارج أسوار القدس لم يغفل تصوير جبل الزيتون وكنيسة الجسمانية وحديقتها الشهيرة، وكذلك الأسواق الشعبية، خارج السور، فضلًا عن القرى والبلدات المحيطة بالقدس، ولا سيما العيزرية وطولكرم.

وعدا عن القدس، حوت المجموعة الأولى من صور الشاب سابا ثلاثة مشاهد لبيت لحم وكنيسة المهد، وصورتين لنهر الأردن والبحر الميت. والملفت أن مجموعة السنوات الأولى تحتوي على عدة صور لنساء ورجال في أوضاع مختلفة، منها صورة لامرأة تحيك ثوبًا، ولفلاحة تحمل على رأسها جرة فارغة، ولسيدتين بملابس محلية تتصافحان، ولسيدة تدخن النرجيلة، ولنساء فلسطينيات يطرزن ثيابًا بواسطة الإبرة. وهناك صورة لمجموعة من العمال الفلسطينيين الذين يحملون مطارق في طريقهم للعمل.

وفي المقابل نجد أن الغالبية الساحقة لصور الأربعينيات تمثل مشاهد عامة للمدن أو الطبيعة أو للأبنية والكنائس. وبشكل محدد فقد احتوت مجموعة الأربعينيات من صور سابا على عدد كبير ومنوّع من المشاهد لبلدة طبريا وبحيرتها والمجدل، وكفر ناحوم والطابغة، كما تعدّدت صوره لجبل طابور، وقرى وجبال الجليل، من ذلك قرية كفر كنا، جبل التطويبات، قرون حطين وغيرها.

شارع الكازانوفا، بطاقة بريدية، من أربعينيات القرن العشرين- ف. سابا


حظيت الناصرة بطبيعة الحال بحصة الأسد من الصور التي تعود إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فقد صورها من الغرب والشرق والشمال، كما يبدو ذلك من الصور المنشورة في كتاب أبو ربيع، وهناك مشاهد أخرى للناصرة، مثل شارع عين العذراء، وشارع كازانوفا، وهناك صور مقربة لمبان هامة في المدينة، مثل الكنائس والأديرة والمدارس. لكن المجموعة المتأخرة من صور فضيل سابا، كما بدت في الكتاب، تظهر اهتمامًا أقل بتصوير الأشخاص. ومن بين القليل من هذه الصور واحدة لفلاح من الناصرة يحرث الأرض وأخرى لفلاحتين تحملان كومين من القش، وهناك صورة ثالثة لسوق الناصرة يظهر فيها جنود إسرائيليون وسكان محليون، وصورة رابعة تظهر مجموعة من الفلاحين الفلسطينيين وهم يعملون في الحقل.

وتضم المجموعة المتأخرة من صور فضيل سابا مشاهد من شاطئ حيفا وأخرى لمدينة بيت لحم وكنيسة المهد، ولكنائس وأديرة عدة (كنيسة التجلي، كنيسة القديسة كاترينا، كنيسة القديس يوسف). وحظيت كنيسة البشارة بعدد أكبر من الصور التي التقطت لها من الخارج والداخل، وكذلك هي حال دير اللاتين في الناصرة.

يبقى أن نشير إلى أن كتاب هزاع أبو ربيع شكل مساهمة هامة في تدوين سيرة واحد من أهم مصوري الناصرة، وأحد رموز الجيل الثاني من المصورين المحليين في فلسطين، من أمثال حنا صافية وكريمة عبود، نجيب وجميل البينا وغيرهم، والذين تعرضت أراشيف صورهم للنهب أو الضياع بفعل نكبة 1948 أو حرب 1967.

فقد أعاد الكتاب إحياء جزء من إرث فضيل سابا من الصور الفوتوغرافية التي كان التقطها في السنوات المبكرة من ممارسته التصوير (1919/ 1922) أو في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من أن الكتاب طبع طباعة جيدة إلا أن حالة العديد من الصور لم تكن جيدة، وقد يعود ذلك الى أنها استنسخت عن صور مطبوعة بقياسات صغيرة، أو ربما لاستخدام ناسخات غير احترافية أو لأن النسخ الورقية للصور الأهلية كانت بحالة رديئة. وعمومًا كانت الصور التي التقطت في الأربعينيات أو الخمسينيات في حالة أفضل من الصور التي تعود لفترة مبكرة من مزاولة فضيل سابا لمهنة التصوير. أما الصور المستعارة من متاحف الجامعات الأميركية، والتي تتضمن مشاهد بمواقع الحفريات الأثرية والعاملين فيها، وكذلك صور المستخرجات منها، من لوحات فسيفسائية وآنية فخارية وحلي وتماثيل، فقد كانت بلا شك صورًا عالية الجودة.

منظر عام للناصرة من الغرب، أربعينيات القرن العشرين- ف. سابا



أستوديو فضيل سابا في مدينة فلنت، ميتشيغان، 1960 



*مصور وباحث في الفنون البصرية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.