}
عروض

"الراقص بساقٍ في أغلال": شغف القصيدة المعرفيّة

عماد الدين موسى

22 فبراير 2025

تأخذنا قصيدة الشاعر العُماني زاهر السالمي (من مواليد الظاهر ببـِدِيّة، عام 1972) إلى حيّزٍ مُضيء من المعرفةِ الثقافيّة؛ إذْ ثمّة إلمامٌ جليّ لدى الشاعر بالعديد من الجوانب الحياتيّة وتحديدًا تلك الجوانب الجماليّة في الوجود والموجودات، ومن ثم توظيفها/ تطويعها في البنية التشكيليّة لقصيدته.
في مجموعتهِ الشِعريّة الأحدث "الراقص بساقٍ في أغلال"، الصادرة مؤخرًا عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت، يواصل الشاعر زاهر السالمي مساره الخاص في كتابةٍ تذهب نحو فضاءات جدليّةٍ وغير مطروقةٍ في المدوّنة الشِعريّة العربيّة، كما في القصائد التالية: "الساحر" و"حجر الفلاسفة" و"شاطرونجا" و"هيّا نشتري شاعرًا" و"عبور الجبل الشرقي" وغيرها.

زاهر السالمي

ولعلّ المُلفت في هذه القصائد، كما في باقي قصائد المجموعة، تلك اللغة الغرائبيّة المحبّبة في سرد تفاصيل غايةً في الحميميّة والإدهاش، عدا عن غنى معرفي في إضافة أجواء وعوالم جديدة ومُبتكرة إلى متنها. حيثُ نلحظ ذلك المزج الهادئ بين مفردات القصائد وكأنها قطعة فنيّة/ مموسقة ببراعةٍ وإتقان. وكل قصيدة تكاد تكون عبارة عن حكاية شِعريّة من جملة واحدة طويلة، مليئة بالألفة والذكريات الآسرة عبر استحضار عدد من الشخوص (بدر السالمي، عبد العاطي المباركي، أمجد ناصر، محمود الخاطري، خالد الضنكي، وكارل كابرال).

الغنائيّة والسرد

من أبرز جماليّات قصائد هذه المجموعة، وهي الثالثة في مشوار السالمي الشِعريّ بعد "عبوة ناسفة" و"قنّاص في مضيق"؛ تلك اللغة الغنائيّة الشفيفة، جنبًا إلى جنب مع السرد الشِعريّ السلس والآسر في الآنِ معًا، عدا عن تلك النبرة العالية في تمزيق جدار الصمت لدى القارئ وإقحامه في جوّ القصيدة "المفتوح على مصراعيه"، ليشارك بدوره في العمليّة الإبداعية ويكون جزءًا منها، بدلًا من بقائه كمجرّد متفرج لا أكثر، ينظر ويراقب من الخارج، خارج النص.
في قصيدة بعنوان "ليس أكثر" يقول الشاعر: "انتبهْ أيّها القارئ؛/ هذا.../ ليسَ أكثر من تمرينٍ على الرقصِ بساقٍ في أغلال/ ليس أكثر من تجريبٍ فوق الخشبةِ قبل العرض/ ليس أكثر من مدادٍ في حالة مراوغة بهلوانية/ ليس أكثر من دحرجة كرة الزمن المتلاشي/ ليس أكثر من سيجارة تُشعل رأس التنين".
الملاحظ في القصيدة السابقة هو العنوان المبتور أولًا ومن ثمّ تركيبة النصّ تاليًا، وهنا تكمن قوّة الجُملةِ الشِعريّة التي تطول أو تقصر حسب الدفقة الشعوريّة.

شَغب العنونة

من جهةٍ أخرى نجد أنّ لدى الشاعر السالمي شغفٌ بالعناوين كونها "مصابيح تقود القارئ إلى كنوز النص"، وكذلك "ممرات يدلف منها النص إلى العالم" ويمنحها أولوية اهتماماته، ويبدو أنه من أكثر الشعراء "شغبًا" في عنونة مجموعاته، منذ إصداره الأوّل "عبوة ناسفة" (2007)، مرورًا بـ"قناص في مضيق" (2014)، وصولًا إلى إصداره الأخير "الراقص بساقٍ في أغلال"، والذي بلغ فيه ذروة الشغب، بالإضافة إلى عناوين القصائد، والتي تأخذ عناوين لافتةً، حيثُ نقرأ منها- على سبيل المثال لا الحصر- : "شيءٌ من ريف"، "مشاهد من أوبرا زُخْرفيّة"، "غُربةٌ تفيضُ عن النهر"، "الساحر"، "حجر الفلاسفة"،  و"قنطرة قوس قزح".

الملاحظ هنا أنّ كل عنوان هو قصيدة بحد ذاتها، ولعل "الفهرس" أجمل قصائد الكتاب.

جديرٌ بالذكر أنّ زاهر السالمي هو شاعر ومُترجم من سلطنة عُمان. يعمل رئيسًا لتحرير منصّة «قناص» الثقافية.
صدر له: «عبوة ناسفة، شِعر (2007)»، «قناص في مضيق، شِعر (2014)»، «شهي خسارة كل شيء، ترجمة (2014)»، «القوانين الجوهرية للغباء البشري، ترجمة (2017)».
وله قيد الطبع كتاب سردي بعنوان "منازل طلعة الشمس".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.