}
عروض

"ثورة المائدة": الطعام ابن التاريخ والمجتمع

إيهاب محمود

28 مارس 2025


في كتابه "ثورة المائدة: تاريخ عائلي للطعام"، يتطرق الدكتور ياسر ثابت للطعام باعتباره واحدًا من أكثر الأشياء إثارة للذكريات وتجسيدًا للترابط بين الأفراد والعائلات، فضلًا عن قدرته على التعبير عن الثقافة، كونه يحمل القدرة على الاضطلاع بدور الراوي لما تحمله المجتمعات من قصص وحكايات، تتضافر لتشكل عاملًا أساسيًا في فهم تاريخ وتقاليد مجتمع ما بطريقة سهلة وبسيطة لا تتطلب تعقيدًا أو تتحمل ما لا ينبغي.
في الكتاب الصادر عن دار المحرر، يصف ثابت الطعام بأنه "ابن التاريخ" مؤكدًا على أنه لا استقراء لتاريخ الطعام بدون فهم عميق لصفحات التاريخ الإنساني والتطور الاجتماعي بل والاقتصادي والسياسي، على حدّ وصفه، "إذ يجعلنا الطعام أكثر قدرة على الربط والتفسير وتأصيل ذائقة الإنسان عبر العصور وعلى امتداد هذه الأرض"، يقول ثابت.
على مدار عقود طويلة، نجح الطعام في فرض نفسه في دراسات تخطت الحديث عن الطعام كغذاء وحسب، إذ شكل الطعام مادة ثرية للدراسات الأنثروبولوجية التي تحاول قراءة علاقة المشرقيين مع طعامهم والنظر إلى التحولات التي تفرضها العوامل الاقتصادية والمناخية أيضًا في عالم الغذاء، إذ تزخر هذه الدراسات بأبحاث تتناول العلاقة بين الثقافة والطعام وتحليل العادات الغذائية والتقاليد المتعلقة بها ورصد كافة أشكال التغيرات التي تطرأ على العادات الاجتماعية المرتبطة بالطعام وفي مقدمتها تغير نمط الحياة والتغيرات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية التي أدت بدورها في نهاية المطاف إلى تغيير العادات الغذائية.

دبلوماسية الطعام

يتطرق الكتاب لمصطلح "دبلوماسية الطعام"، شارحًا كيف يستخدم زعماء العالم الطعام في وجبات العشاء الرسمية وغيرها للتواصل على نحو يحمل طابعًا شخصيًا أكبر، كما تستخدم هذه الدبلوماسية لتعزيز التجارة والسياحة لبلد ما، الأمر الذي يُدرج الطعام كأداة فاعلة لها القدرة أن تدخل ضمن أدوات القوى الناعمة. ظهر هذا المصطلح في الصحافة العالمية للمرة الأولى عام 2002 مع صحيفة "الإيكونوميست"، لوصف مبادرة تايلاند العالمية لزيادة عدد المطاعم التايلاندية حول العالم إلى 8 آلاف مطعم، وتسهيل الأمر على هذه المطاعم وتوظيف طهاة تايلانديين، والحصول على قروض ميسرة، كما تم الاتفاق مع دول كثيرة على معاهدات واتفاقيات لتسهيل حصول الطهاة من تايلاند على تأشيرات للعمل، فنجحت حكومة بانكوك وقتذاك في تقديم صورة إيجابية للغاية للبلاد.

المقاهي... مدارس المعرفة

من المقاهي، المكان الذي لا يخفت أثره البالغ في تغيير المزاج العام للواحد منا، المقهى العادي قبل أن يصبح "كافيه براند" وتتبارى العلامات التجارية المختلفة في تقديم مشروبات تحمل أسماء معقدة للغاية، ربما تفقد المشروب لذته وتأثيره. يتطرق الكتاب للمقاهي باعتبارها "مدارس المعرفة" كما وصفها العثمانيون، إذ ضمت أحاديث ونقاشات جعلت كل واحدة منها تبدو كبرلمان مرتجل ودوائر شعرية ونوادٍ سياسية ومختبرات اليوتوبيا والثورات، للدرجة التي لفتت نظر الرحالة الأوروبيين في مذكراتهم منذ القرن السابع عشر تقريبًا، إذ انتبه الأوروبيون وقتذاك للمقاهي بوصفها معلمًا مهمًا من المعالم السوسيوثقافية التي ميزت طابع المجتمعات الإسلامية.

الأكل بالأصابع... هدم المسافات

في حين تطورت وسائل الطعام وأدوات وطرق الأكل أو ما يسمى في الوقت الحاضر "الإتيكيت"، ظل تناول الطعام باليد محافظًا على بقائه كونه يعد موروثًا ثقافيًا تضرب جذوره في أعماق التاريخ العربي والبدوي تحديدًا. بحسب الكتاب، توصل علماء في جامعة ستيفنز للتقنية في نيوجيرسي إلى دراسة مفادها أن تناول الطعام باليدين يجعله ألذ طعمًا، ووفق الباحثة التسويقية المتخصصة في أحاسيس المستهلكين، أدريانا مادزاروف، فإن الأشخاص ذوي التحكم العالي يأكلون بنسبة أكبر عندما يلمسون الطعام بأيديهم فضلًا عن كونه يصبح ألذ طعمًا وأكثر إشباعًا. طبيًا، توصلت دراسات إلى أن لمس الأكل باليد قبل وصوله إلى الفم يبعث برسائل للدماغ تحمل معلومات عن طبيعة المواد المصنوع منها وصلابته وكثافته ونسيجه وحرارته، فيرسل الدماغ بدوره رسائل للجهاز الهضمي من أجل تجهيز العصارات الهضمية والأنزيمات المطلوبة.
على مدار صفحات الكتاب، يستعرض المؤلف طقوس وتقاليد الطعام المختلفة وكيف يمكن أن تكون مرآة لثقافات الشعوب وطقوسها، بوصف الطعام قادرًا على أن يعكس أسلوب الحياة والقيم الاجتماعية وأيضًا كعنصر قادر على أن يكون بابًا للدخول لثقافة وتاريخ أي مجتمع، فلا يمكن فهم ثقافة أي مجتمع من دون فهم الطعام الذي يتناوله أفراد هذا المجتمع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.