وعبر شهادات عدد من معاصري المصري، يمكن الإطلال على مرحلة تاريخية مهمة، إضافة إلى التأريخ لشخصيته، من خلال الكشف عن محطات أساسية في مسيرته، فبعض الرواة كانوا من زملاء دراسته في كلية النجاح الوطنية في نابلس أو الجامعة الأميركية في بيروت، أو من بعض أفراد عائلته، أو بعض من عملوا معه في غرفة تجارة وصناعة نابلس منذ مطلع عام 1973 وحتى اغتياله، أو في بلدية نابلس التي كان نائبًا لرئيسها بسام الشكعة في الفترة ما بين 1976 و1982، وهو العام الذي ترأس فيه بلدية نابلس، لعام وشهرين فقط، أو من شاركوه تأسيس مؤسسات وجمعيات عدّة، بينها: مؤسسة جمعية أصدقاء جامعة النجاح، ومؤسسة جمعية أصدقاء المريض، ولجنة الرعاية الطبية في نابلس، والجمعية الخيرية لرعاية المؤسسة الصحية لمحافظة نابلس ولواء جنين، أو من عمل معه في اللجنة الاستشارية لجمعية الاتحاد النسائي العربي في نابلس، وترأسها عام 1978.
واشتهر المصري حين شكل وبسام الشكعة المعروف بتوجهه القومي العروبي، وآخرون من ممثلي المؤسسات الشعبية والأحزاب، لجنة التوجيه الوطني، التي قادت النضال الفلسطيني ضد الاستيطان وممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
ولد ظافر طاهر المصري عام 1941، وتوفي والده وهو في الثانية من عمره، فرعته والدته وأشقاؤه، وأفراد العائلة، بحيث ربّاه عمّه الحاج معزوز المصري طفلًا، هو الذي كان يحظى بوضع مادي مستقر كون والده طاهر المصري كان من أوائل الصناعيين في فلسطين، بحيث ترك شركة تجارة وصناعة ناجحة أنتجت الصابون، والزيوت، والكبريت، إضافة إلى مساهمته كرجل أعمال في عدد من الدول العربية كلبنان، وسورية، والأردن، ومصر.
التحق ظافر المصري بروضة مدرسة النجاح طفلًا، ثم أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية فيها، وتخرّج عام 1959، ليلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، ويتخرج فيها عام 1963، ليبدأ عمله المهني في عمّان، وتحديدًا من بنك القاهرة عمان، قبل أن يقرر العودة إلى نابلس، ليمارس دورًا سياسيًا ومدنيًا إضافة إلى دوره الاقتصادي.
تزوج عام 1972 من المهندسة الزراعية رغدة إبراهيم النابلسي، التي كانت تخرجت في جامعة عين شمس المصرية عام 1970، والتقاها بعد عودتها إلى نابلس في مكتب عمّه ووالده الروحي الحاج معزوز المصري، رئيس بلدية نابلس، وقتذاك.
على صعيد عمل العائلة، تسلم ظافر شركة والده، الحاج طاهر المصري، والتي كانت تمتلك مطحنة، وتجارة دخان، وصبّانة، وتجارة بنزين ومشتقات النفط، ومصنع كبريت، بالإضافة إلى مصنع لإنتاج الزيوت النباتية، في حين، وعلى صعيد العمل العام، ترأس ظافر المصري غرفة تجارة وصناعة نابلس، عبر صندوق الاقتراع، في مطلع عام 1973، وحتى آخر يوم في حياته، وهي التي كان لها دور كبير على المستويين الاقتصادي والسياسي، خلال السنوات الست التي أقصى فيها الاحتلال المناضل بسام الشكعة عن رئاسة البلدية، بعد محاولة اغتياله، وعيّن ضابطًا إسرائيليًا للموقع، إذ باتت الغرفة التجارية، التي يترأسها ظافر المصري، هي المرجعية الفلسطينية في نابلس عوضًا عن البلدية التي سيطر عليها الاحتلال، كونها الإطار الوحيد المنتخب.
وعمل ظافر على تطوير وتنشيط التجارة والصناعة، وشجع الاستثمار، عبر تدشين خطوط للاستيراد والتصدير، ورفع كفاءة التجار، وتخفيض العبء الضريبي عنهم، وتكريس استخدام التكنولوجيا، علاوة على تنظيم عديد المعارض للزوار القادمين من الخارج للتعرف على صناعات نابلس المتميزة، كالصابون، والحلويات، والأحذية، كما منح رخصًا لإقامة المزيد من المصانع ما أدى لانتعاش الاقتصاد الفلسطيني عامة، وتحويل نابلس إلى العاصمة الاقتصادية لفلسطين.
وعلاوة على دعمه للكثيرين في استكمال دراستهم، بنى المصري مدارس عدّة في نابلس، كما اهتم بالعمل الثقافي، فكان داعمًا رئيسيًا لمكتبة بلدية نابلس، التي عمد إلى توسعتها، وتزويدها سنويًا بكتب جديدة كان يستوردها من خارج فلسطين، كما تبنّى إنشاء شبكة الآذان الموحد، التي أشرفت عليها بلدية نابلس، وارتبط بها مائة مسجد في المدينة، لتتبعها في ذات الاتجاه بلديتا رام الله والخليل.
في عام 1976 انتخب نائبًا لرئيس بلدية نابلس، وكانت علاقته برئيس البلدية المنتخب، وقتذاك، بسام الشكعة، متينة ومترابطة، بحيث عملت الهيئة الإدارية المنتخبة للبلدية على تحسين خدمات الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، ما أدى إلى تحديث البنية التحتية للمدينة، كما لعب المجلس البلدي دورًا وطنيًا واجتماعيًا بارزًا في نابلس، ما جعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستهدفه، عبر محاولة اغتيال رئيس البلدية الشكعة عام 1980، ما أدى إلى بتر قدميه، وبنهاية عام 1981، قامت سلطات الاحتلال بتعيين الضابط "ميجر نيير"، أو جبر هنّو، وهو ضابط درزي في جيش الاحتلال، لإدارة شؤون البلدية، ما دفع الأهالي، وفق ما جاء في الكتاب المبني على شهادات من عايشوا تلك الفترة عن قرب، وبسبب المعاناة الشديدة للمدينة، إلى الضغط على نائب رئيس البلدية ظافر المصري، ولكونه رئيس الغرفة التجارية المنتخب أيضًا، لقبول منصب رئيس بلدية نابلس.
تردد ظافر المصري بقبول الموقع، ولكنه بعد تأمل عميق بأحوال نابلس، التي كانت تتدهور اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وتتعرض لنهب مقدراتها، وللفساد والإفساد، وتحت إلحاح الكثير من مواطني نابلس، وإلحاح قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتنسيق مع الحكومة الأردنية، قرر قبول الموقع، وكان من دفعه إلى قبول هذه الخطوة، حسب حوار معه في مجلة "المجلة" نشر في شباط/ فبراير 1983، كونه منتخبًا ونائبًا للرئيس، حيث قال: "كنت أعرف سلفًا أن خطوة كهذه يجب أن تحظى بموافقة الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتأييد الناس بالدرجة الأولى، وعندما توليت المنصب جاء الترحيب من عمّان ومنظمة التحرير، وعندما يتعذّر عليّ خدمة المدينة فإنني سأتخلى عن هذه المهمة".
تم التوافق على حل قانوني، بالاستناد إلى قانون البلديات الأردني لعام 1955، الذي يقضي بتسلم هيئة محلية منتخبة المجلس البلدي مؤقتًا، إلى حين إجراء انتخابات، ولذلك تم انتداب كامل الهيئة الإدارية المنتخبة لغرفة التجارة والصناعة لإدارة البلدية، وتكوين مجلس بلدي لعامين، ليتم بعدهما إجراء انتخابات جديدة للبلدية، وهو ما لقي استحسانًا من غالبية أهالي نابلس، وأعضاء الغرفة التجارية، وقوى سياسية عديدة، معتبرين أن هذه الخطوة هي بمثابة تعريب البلدية، وحماية للمدينة من الانهيار الاقتصادي، وتحريرها من الإدارة العسكرية الإسرائيلية.
وقامت البلدية تحت إدارة ظافر المصري بفتح المزيد من الشوارع، وتطوير محطات المياه، ومحطة وشبكة الكهرباء لتغطية احتياجات المدينة ومخيماتها والقرى المحيطة بها، كما قامت بشراء مولدات كهربائية لرفع مستوى كفاءة التيار الكهربائي، علاوة على بناء العديد من المدارس، وإدخال الحوسبة الإلكترونية كأول بلدية في فلسطين، عبر ابتياع أجهزة حاسوب حديثة، وتدريب العاملين على استخدامها، بما يسهل عمل البلدية، ويصب في خدمة المواطنين، بالإضافة إلى خطط البلدية في توسيع حدود مدينة نابلس، التي استكملها من بعده رئيس البلدية اللاحق، حافظ طوقان.
وكان المصري قد آمن بأهمية تأسيس بنك فلسطيني يخدم المجتمع المحلي اقتصاديًا بدون الاعتماد على البنوك الإسرائيلية، وبدأ بخطوات عملية في هذا الاتجاه رفقة عدد من الشخصيات الفلسطينية، لكن المشروع لم يكتمل قبل اغتياله، هو الذي آمن بدور مؤسسات المجتمع المدني في "خدمة الوطن، وتنمية المجتمع، وتعزيز صموده، وتشجيع العمل التطوعي، في ظل غياب دولة فلسطينية، وواقع احتلال عنصري استيطاني إحلالي".
يتوزع الكتاب على فصول عدّة تتناول مرحلة الطفولة والشباب، والدراسة الجامعية، وصفات ظافر، وموقفه من المرأة، والعمل العام، والعمل المهني في نابلس، والعمل السياسي، وغرفة تجارة وصناعة نابلس، وبلدية نابلس، واستشهاد ظافر.
وحول ظروف اغتياله، أشار الكتاب إلى ضلوع الانفصاليين الموالين لسورية في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية ورموزها في جريمة اغتياله، وبما يخدم سياسات الاحتلال، لكونه "تصدى لكل محاولة للبحث عن قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية في فلسطين، والتي تجلت في فكرة روابط القرى"، ولكونه "رفض بوضوح مؤامرة الحكم الذاتي التي طرحها شمعون بيرس".
وتبعًا للمرحلة التي تلت احتلال بيروت وإخراج قيادات وفدائيي منظمة التحرير الفلسطينية منها، ومجزرة صبرا وشاتيلا، ومعركة طرابلس بين الفصائل الفلسطينية الموالية لسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومعارك حرب المخيمات بين حركة أمل والجيش السوري والجيش اللبناني وبعض الفصائل الفلسطينية المدعومة من سورية ضد قوات حركة فتح الموالية لياسر عرفات، وبالإضافة إلى العديد من الصراعات التي كانت تدور في الداخل الفلسطيني، اتخذ القرار، حسب مصادر متعددة في الكتاب، بـ"اغتيال رجل متمسك بالقرار الفلسطيني المستقل"، والذي قالت فيه الشاعرة فدوى طوقان: "ما ضلّ ظافر في مسيرتنا طريقه، فاستغفروه استغفروه... كان الوطن متداخلًا في روحه، متغلغلًا في جسمه، مستوطنًا في دمه المهدور، محتويًا عروقه... أواه يا ظمأ الحقيقة".